«ما يحدث الآن أن أي طفل يتدلى مخاطه من أنفه يخرج بنظريات وأشكال جديدة للعب، ويحدثك عن الأسلوب الهولندي والبرازيلي، أو أي حماقات أخرى». يمكنك أن تقرأ تلك الكلمات في سياقها الأصلي ضمن القصة القصيرة «مذكرات جناح أيمن» للأرجنتيني «روبرتو فونتاناروسا»، بينما يمكن أن ترى فيها ذلك الجدل الأبدي بين عناصر كرة القدم والجمهور، الاتهامات المتبادلة بالحماقة من الطرفين.
دعك من دبلوماسية «الكرة للجماهير» والكليشيهات التي يتخلى عنها المدربون وقت الخسارة، وتخيل أن بإمكانك أن تحل محل المدرب. لا نتحدث عن وضع خطط اللعب وحسب، بل تحمُّل المسؤولية الكاملة عن ملف كرة القدم في النادي، بدايةً من اختيار الطاقم الفني والمساعدين، وصولًا إلى نوعية التدريبات، وتحفيز اللاعبين، وإبرام الصفقات، والحصول على أفضل مكاسب من بيع نجوم الفريق.
كل شيء يحدث في الواقع أنت مسؤول عنه. ربما ذلك ما جال بخاطر الأخوين «كولير»، ودفعهما لتصميم واحدة من أهم ألعاب محاكاة الواقع إن لم تكن الأهم: «Football Manager».
فوتبول مانجر: الشغف أصل الاختراع
بدأت القصة ببداية ثمانينيات القرن العشرين، عندما قررت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن تتبنى مشروع إنتاج جهاز كمبيوتر صغير، كجزء من حملتها لمحو الأمية التكنولوجية. كانت النتيجة جهاز «BBC Micro» المزود بعدد من البرامج التعليمية.
بول وأوليفر كولير كانا مراهقين وقتها، يبلغان 16 عامًا و13 عامًا، وفكر والدهما أن يبتاع الجهاز الجديد كي يستفيدا من أغراضه التعليمية.
إلى جانب المحتوى التعليمي، ضم الجهاز لعبة بدائية للغاية تعتمد على فكرة مدرب كرة القدم. أحب الأخوان اللعبة حتى إنهما قررا احتراف البرمجة لإنتاج نسخة متطورة تتوافق مع رؤيتهما ورؤية أصدقائهما للعبة.
بحلول عام 1990، كان الاثنان قد نفذا نسخة تحت اسم «European Champions» وأرسلاها إلى 20 شركة برمجيات. وافقت إحداها على بدء الإنتاج، لتبدأ المغامرة وتظهر اللعبة لأول مرة في 1992.
بتطور اللعبة، لم يعد بإمكانك فقط شراء لاعبين واختيار تشكيل ووضع خطة، بل صارت لديك قدرة على إدارة العلاقات والجداول الزمنية للتدريب، ومقابلة وسائل الإعلام، والتحكم في شتى أنواع الأنشطة المعني بها المسؤول عن ملف كرة القدم.
قد يهمك أيضًا: «الفانتازي»: لأن المرء يبتسم دائمًا حين يَصدق توقعه
فوتبول مانجر: هذه هي مسؤوليات المدرب التي لا تعرفها
قبل الشروع في اللعب، عليك قضاء بعض الوقت لاختيار الخصائص التي ستكوِّن شكل اللعبة طبقًا لاهتماماتك.
عليك اختيار الدوريات التي تهتم بها، والتي قد تنتقل خلالها مدربًا محترفًا. تضم اللعبة معظم دوريات العالم. الدوريات الأوروبية متوفرة، بجانب معظم دوريات المنطقة العربية وأمريكا الجنوبية وآسيا. اللعبة لا تتيح دوريات الدرجة الأولى فحسب، بل إن الدرجات الأدنى متوفرة أيضًا، ما يتيح مغامرة البدء بفريق مغمور تمامًا لتصل به إلى قمة الدرجة الأولي، وهو ما يميز تلك اللعبة عن باقي اللعب المشابهة.
بعد ذلك هناك مرحلة اختيار الاسم والجنسية (التدريب لمدة ثلاث سنوات في بلد ما يمنحك جنسيتها أيضًا)، ويمكنك تحميل صورة شخصية لك لتحاكيها اللعبة. بعدها تختار خطة اللعب، ثم تحدد المسؤوليات التي تتضمن الإشراف على الانتقالات (بيع اللاعبين وشراءهم)، وتجديد عقود اللاعبين، وتحفيز الفريق، والتحدث إلى وسائل الإعلام (هناك حد أدنى من المقابلات الإعلامية، وقد يؤثر عدم الالتزام بها في العقد المبرم بينك وبين النادي)، وكذلك تدريب اللاعبين والتدريب الشخصي لرفع مستويات كل لاعب، ثم الإشراف على المباريات الرسمية والودية.
بعدها تختار النادي، وتستقدم الطاقم التدريبي المساعد الذي سيتولى بعضًا من مسؤولياتك، إذا قررت تفويضه بذلك.
هكذا تكون جاهزًا لبدء اللعبة وممارسة كل تفاصيل المدرب الحقيقية. إذا كنت تعتقد أن مدرب فريقك الحقيقي ليس جيدًا بما يكفي، جرب بنفسك، اصنع التغيير الذي تطالب به دومًا من على مقاعد المتفرجين.
تتيح لك اللعبة أيضًا اختيار استخدام لاعبين حقيقيين. هنا تكمن أسطوريتها: قاعدة البيانات الضخمة التي تمتلكها، والتي يرجع الفضل فيها إلى كشافين متطوعين يمدون اللعبة بكمية هائلة من اللاعبين المحترفين والناشئين، ويضعون تقييمات لمهاراتهم.
اقرأ أيضًا: كرة وقطعتا طوب: هكذا أصبحت كرة القدم أكثر الألعاب شعبية في العالم
ميسي في رينجرز الإسكتلندي، ونيمار الذي لا يعرفه أحد
بصفتي متابعًا شغوفًا لكرة القدم، أشعر بمتعة خاصة في متابعة لاعب ما والرهان عليه، خصوصًا لو كان لاعبًا مجهولًا لا أحد يعرفه، وهذا تحديدًا ما تقدمه اللعبة بشكل لا يصدق.
النسخة الأولى من اللعبة لم تكن لترى ميسى أو أيًّا ممن سبقه من الناشئين الذين تحولوا إلى أيقونات لكرة القدم، لأنها لم تكن تضم لاعبين حقيقين.
بات اسم المدرب الأسكتلندي «أليكس ماكليتش» معروفًا في الوسط الرياضي العربي بعد ترشيحه لشغل منصب المدير الفني لبعض الأندية، وبعد فترة قصيرة تولى فيها تدريب الزمالك المصري. لكن بطل قصتنا ليس المدرب، بل ابنه «جون».
في عام 2000، كان جون شغوفًا بلعبة فوتبول مانجر، واعتاد أن يلعب بفريق برشلونة الإسباني. كان لديه في صفوف الناشئين لاعب عمره 14 عامًا اسمه «ليونيل ميسي»، وكانت إمكانيات هذا الناشئ تتطور بشكل كبير، فغامر جون وأشركه في مباريات الفريق الأول، وفوجئ به يحرز هدفًا واثنين في كل مباراة.
أخبر جون والده الذي كان يدرب رينجرز الأسكتلندي حينئذ، بأن عليه التعاقد مع هذا الناشئ الذي سيصبح أفضل لاعب في العالم. لم يهتم الأب بكلام الصغير الذي صار مستشارًا رياضيًّا لاحقًا، واكتفى بالتربيت على رأسه فقط. أما ميسي، فصار بالفعل أحد أهم أسماء تاريخ كرة القدم، وربما يندم ماكليتش الأب الآن على عدم ثقته في «فوتبول مانجر».
النسخة الأولى من اللعبة لم تكن لترى ميسى أو أيًّا ممن سبقه من الناشئين الذين تحولوا إلى أيقونات لكرة القدم، لأنها لم تكن تضم لاعبين حقيقين، لكن تطورها لا يبدو أن له حدًّا، إذ وصل عدد الباحثين الرئيسيين فيها إلى 51، يعاونهم جيش مؤلَّف من ألف باحث مساعد في دول العالم، وفقًا لما يورده «بول كولير»، أحد مصممي اللعبة، في كتابه «Football Manager Stole My Life».
هذا الفريق المدهش من المتطوعين الذين يريد كل واحد منهم أن يمثَّل ناديه وبلده بشكل صحيح في اللعبة، يرجع إليهم الفضل في وجود ميسي. بل إن كولير يؤكد أن اللعبة كانت سترى الفتى حتى لو لم يحترف في برشلونة في سن صغيرة، كانت ستراه في الأرجنتين نجمًا مستقبليًّا.
بالاعتماد على المتطوعين، تصل إلى مطوري اللعبة بالطبع تقارير عن لاعبين غير حقيقيين أو بإمكانات مبالَغ فيها، لكن البيانات تُراجَع جيدًا قبل إدراجها في قواعد اللعبة.
«باولو فريتاس» واحد من الباحثين الرئيسيين في اللعبة، لكن وظيفته الأساسية محامٍ، وينقل الكتاب استمتاعه بمتابعة لاعبي كرة القدم الشباب.
في البرازيل، حيث يقيم، يراقب فريتاس قوائم الفرق والنتائج، يقرأ تقارير كل مباراة ومحرزي الأهداف، وبقدر ما يستطيع يشاهد المباريات أيضًا.
في البداية، تحديدًا عام 2002، رشح باولو للعبة ناشئين هما «روبينيو» و«دييغو». كان روبينيو يمتاز بفنيات رائعة، بينما دييغو لديه عقلية ممتازة، والاثنان يلعبان لناشئي سانتوس البرازيلي.
لم يحقق ناشئو سانتوس شيئًا ذلك الموسم، لكن رؤية بابلو كانت صائبة، إذ ارتقى اللاعبان في العام التالي إلى الفريق الأول، وبعد بضع سنوات كان روبينيو نجمًا في ريال مدريد، أما دييغو، فتنقل بين أندية مثل يوفنتوس وأتلتيكو مدريد وبورتو، لكننا نعرف الآن أنهما كانا قبلها ضمن قائمة «نجوم محتملين» في لعبة فوتبول مانجر.
أما نيمار، فقد شاهده فريتاس للمرة الأولى وهو في الخامسة عشرة، وسرعان ما قرر أن هذا اللاعب قادر على أن يكون ضمن نخبة العالم في وقت قصير.
فوتبول مانجر مغامرة تستحق أن يخوضها كل المولعين بكرة القدم وتفاصيلها،هؤلاء الذين يقضون ساعات لمتابعة الظهير الأيسر لثامن الدوري الفرنسي، أو كيف سيُبلي مهاجم من قاع الدوري الألماني عندما يلتقي فريقه القديم. لكل هؤلاء، «فوتبول مانجر» في انتظاركم.