ليست مجرد جملة شعرية: عيوننا حقًّا تقول كل شيء

لوحة «Self Portrait Facing Death» لبابلو بيكاسو

مريم ناجي
نشر في 2018/05/08

ليس شِعرًا أن نقول إن العين نافذة الروح، فبها فقط يمكن اكتشاف كثير من الأشياء والمعاني.

تطور البشر عبر التاريخ للتعامل مع العين ونظراتها كوسيلة أساسية للتفاعل الإنساني، فعن طريقها نستطيع التمييز بين الابتسامة الحقيقية والمزيفة، وكشف المشاعر الداخلية رغم رغبة الإنسان في إخفائها أحيانًا.

توجد الآن أدلة داعمة لفكرة أن كثيرًا من المعلومات حول عقل شخص آخر يمكن اكتشافها عبر عينيه. في أحد إثباتات هذه الفكرة، طوَّر الطبيب النفسي «سيمون بارون كوهين» في جامعة كامبردج اختبارًا لقراءة العقل في العيون، يُرمَز له في الإنجليزية بـ«RMET»، وتوصل إلى أنه بالإمكان تحديد الحالة الداخلية النفسية للشخص من خلال العين والمنطقة المحيطة بها.

عندما يكون شخصٌ ما حزينًا أو قلقًا، فعيناه في الغالب ستظهران أصغر من حجمهما الطبيعي، لأنه يجعد جبينه دون أن يقصد. وعلى العكس، لو كان سعيدًا ستبدو عيناه أوسع، لأنه يرفع حاجبيه فتظهر عيناه أكثر إشراقًا.

البؤبؤ (الدائرة السوداء في مركز العين) يتقلص في النور ويتسع في الظلام لتنظيم كمية الضوء النافذة إلى أعيننا. تبدو هذه المعلومات شكلية عن العين، لكن في 2015 أجريت دراسة توضح أنه عن طريق حجم بؤبؤ العين يُمكن معرفة كثير عن مشاعر أي شخص ونواياه.

العين: ليست مجرد رد فعل

عملية تمدد بؤبؤ العين وانكماشه تأثرًا بالضوء

وفقًا للباحثين، فإن الاستجابة البسيطة للحدقة أو بؤبؤ العين ليست مجرد رد فعل ميكانيكيًّا للضوء المنعكس عليها. فبينما تحرك عينيك من بقعة إلى أخرى، يُعدِّل بؤبؤ العين حجمه مُسبقًا إلى مقدار الضوء الذي يتوقع مواجهته في الموقع الجديد.

العين البشرية معجزة، وبإمكانها كشف ما إذا كنا نكذب أو نقول الحقيقة.

يحتوي الجسم على شبكة إنذار تسمى «الجهاز العصبي اللاإرادي/الذاتي»، يُمكِّنك من اتخاذ قرار أو إجراء عندما تشعر بالتهديد أو تلوح لك فرصة في الأفق. ربما يكون من الأدق القول إن هذا الجهاز يتصرف من تلقاء نفسه بمعزل عن الإرادة الحرة لدماغك، ثم تستوعب بعد التصرف ما الذي حدث.

لو واجهت دُبًّا في أثناء مشيك في غابة أو قابلت شخصًا جذابًا في مكان ما، سيكون جهازك العصبي الذاتي متأهبًا: يزداد معدل نبضك وتنفسك، تبدأ في التعرق وتتوتر عضلاتك. ومن بين عدة ردود فعل جسدية أخرى، يتسع بؤبؤ العين. يرى علماء النفس أن اتساع بؤبؤ العين إشارة صادقة على الاهتمام الجنسي أو الاجتماعي، فحجم البؤبؤ لا يخضع للتحكم الإرادي.

تُظهر الأبحاث أيضًا أن تمدد بؤبؤ العين مرتبط بدرجة الشك/عدم التأكد عند اتخاذ القرارات. إذا كنت غير متأكد من قرارك، فإنك تشعر بالتوتر، فيتمدد بؤبؤ عينيك. وهذا التغيير في العين قد يكشف أيضًا عما قد تقوله. فمجموعة من الباحثين توصلت إلى أن مراقبة تمدد بؤبؤ العين جعلت من الممكن التنبؤ بما إذا كان شخص متحفظ ومعتاد على قول «لا» كرد مستمر، سيقول «نعم» موافقًا على قرار صعب.

تتوالى الدراسات لتُثبت أن العين البشرية معجزة، وبإمكانها كشف ظواهر أكثر تعقيدًا، مثل معرفة ما إذا كنا نكذب أو نقول الحقيقة.

في دراسة أُجريت في جامعة يوتا الأمريكية، طُلب من مجموعة من المشاركين سرقة 20 دولارًا من محفظة سكرتير المعمل، بينما كانت هناك مجموعة أخرى للمراقبة ولم تسرق أي شيء. وبغض النظر عما إذا كان المشاركون قد سرقوا أم لا، طلب الباحثون من جميع المشاركين إنكار السرقة.

لاحقًا، عبر تحليل اتساع بؤبؤ العين للمشاركين وهم ينكرون السرقة، استطاع الباحثون أن يحددوا ما إذا كان أحدهم قد سرق فعلًا. كان بؤبؤ عيون المشاركين الذين كذبوا حول السرقة أكبر بمقدار ملليمتر واحد، مقارنةً ببؤبؤ الذين لم يسرقوا.

قد يعجبك أيضًا: هل ترى العالم بعيون مختلفة؟ أنت عبقري

أخلاقيات عينية

العين البشرية نافذة على أرواحنا وعقولنا، وربما لا نقدِّر المعلومات التي قد تتسرب عبرها، وتكشف عن أشياء قد نرغب في قمعها.

يمكن، عن طريق مراقبة حركات العين، حث أي شخص على اتخاذ قرار ما. أظهرت إحدى الدراسات المثيرة للجدل أنه يمكن استغلال تتبع حركة العين للتأثير في القرارات الأخلاقية التي نتخذها.

طُرحت أسئلة أخلاقية معقدة على المشاركين، منها «هل يمكن أن يكون القتل مُبررًا؟». ثم عرض الباحثون على شاشة جهاز الكمبيوتر إجابتين: «مُبرَّر أحيانا»، و«لا يمكن تبريره أبدًا». وعن طريق تتبع حركات أعين المشاركين، وإزالة الإجابتين فورًا بعد تحديق المشاركين لبرهة في واحدة منهما، وجد الباحثون أنه يمكن حث المشاركين على اختيار تلك الإجابة التي حدقوا فيها.

يقول عالم الأعصاب «دانيال ريتشاردسون»، المسؤول الرئيسي عن الدراسة: «لم نعطِ المشاركين أي معلومات إضافية، فقط انتظرنا ببساطة أن نكتشف عملية صنع القرار الخاصة بهم، ونقنعهم في النقطة الصحيحة تمامًا. جعلناهم يغيرون آراءهم بالسيطرة حينما اتخذوا القرار».

يوضح ريتشاردسون أن مندوبي المبيعات الناجحين قد تكون لديهم هذه الفطنة ويستخدمونها ليكونوا مقنعين أكثر مع العملاء. فنحن نظن أنهم متحدثون جيدون فقط، لكنهم ربما يراقبون عملية صنع القرار، وبإمكانهم اكتشاف اللحظة التي يُظهر العميل فيها انطباعًا خاصًّا تجاه اختيار معين، فيقدمون فيها خصمًا جيدًا على السلعة، أو يغيرون طبقة صوتهم.

العين البشرية نافذة على أرواحنا وعقولنا معًا، وربما لا نقدِّر كمية المعلومات التي قد تتسرب عبرها، وتكشف أشياء قد نرغب في قمعها. كل ما يحدث في أجسادنا، كل ما نخفيه في رؤوسنا، ينعكس على النافذة التي تكشف كل شيء.

مواضيع مشابهة