تنبأت جريدة القبس في سبتمبر من العام الماضي بحدوث أزمة قبول في مؤسسات التعليم العالي للعام الدراسي 2021/2020، نتيجة تضخم نسب خريجي الثانوية العامة خلال جائحة كورونا. وأضافت أن جامعة الكويت ستكون الأكثر تضررًا لأنها الجامعة الحكومية الوحيدة، خصوصًا في ظل استمرار قاعدة قبول جميع الطلبة المستوفين للشروط.
بلغت نسب نجاح خريجي الثانوية عام 2020 معدل 99.7% للقسم العلمي و97.89% للقسم الأدبي، وهي معدلات غير مسبوقة ومرتفعة مقارنة بنسب النجاح لعام 2019، والتي كانت نحو 70% للقسم العلمي مقابل 63.4% للقسم الأدبي. وبالفعل، وبسبب عدم رفع نسب القبول، أعلنت عمادة القبول والتسجيل في جامعة الكويت التحاق 8046 طالبًا وطالبة للعام 2021/2020، وهي زيادة بنسبة 33% عن العام الدراسي الذي سبقه، والذي شهد قبول 6039 طالبًا وطالبة فقط.
فما الذي تواجهه ما تسمى بـ«دفعة كورونا»؟
أزمة تعليمية أكبر
ينسب المختصون ارتفاع معدلات النجاح لخريجي الثانوية بشكل أساسي إلى قرار وزارة التربية بإلغاء الاختبارات الورقية النهائية لطلبة الصف الثاني عشر، والتي كانت تمثل النسبة الأعلى من معدلات الطلبة التراكمية، وتحدد من منهم سينتقل إلى المرحلة الجامعية.
تقول الطالبة نسيبة الطواش (خريجة دفعة 2020) لـ«منشور» إن المدارس اعتمدت على تقارير وبحوث يقدمها الطلبة بدلًا من الاختبارات النهائية، مضيفة أن هذه التقارير كانت شكلية فقط، ولا تتطلب أي مجهود، ولا تتعدى القص واللصق من محركات البحث دون تعديل. وترى الطواش أن هذه البحوث والتقارير لا تليق بمستوى طلبة الصف الثاني عشر، وأنها لم تكن البديل المناسب للاختبارات النهائية.
أداء الطلبة في الثانوية ليس مؤشرًا دقيقًا على إمكانياتهم لمواكبة متطلبات التعليم العالي، كالتفكير النقدي ومهارة الكتابة والنقاش والاعتماد على النفس في البحث عن المعلومة.
تعقيبًا على هذا القرار، توضح لـ«منشور» دلال الفارس الأستاذة المساعدة في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الكويت، أنه قرار غير مدروس, وفي المجمل، ترى الفارس أن حتى الاختبارات الورقية ومخرجاتها لا تعكس مستوى الطلبة الحقيقي وقدراتهم، فقد قدمت الجائحة فرصة ذهبية من خلال الانتقال للتعليم عن بعد، للبدء في التفكير بطرق أخرى جديدة ومغايرة تكون أكثر إنصافًا لتقييم الطلبة، وأكثر شمولًا لاختبار حصيلتهم العلمية.
وتشير فاطمة الهاشم، عضوة هيئة تدريس المناهج وطرق التدريس في جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا، إلى أن زيادة أعداد القبول نتيجة لعشوائية عملية التقييم وعدم وجود اختبارات موحدة في مؤسسات الكويت للتعليم العالي، والتي تقيس مستوى خريجي التعليم العام والخاص على حد سواء، وتختبر مهاراتهم وحصيلتهم العلمية خلال سنوات تعليمهم.
وتضيف الهاشم لـ«منشور» أن «أداء الطلبة في الثانوية ومعدلهم المكافئ ليس مؤشرًا دقيقًا على إمكانياتهم لمواكبة متطلبات التعليم العالي، كالتفكير النقدي ومهارة الكتابة والنقاش والاعتماد على النفس في البحث عن المعلومة».
وتبدي شكها في ما إذا كانت منظومة التعليم الكويتية تخرّج طلبة متمكنين ومهيئين للانتقال إلى مرحلة التعليم العالي، مشيرة إلى وجود حاجة ماسة وملحة تحديدًا في وقتنا هذا للعمل باختبارات موحدة مثل «SAT» الذي يتكون من ثلاثة أقسام: قراءة وكتابة ورياضيات، وتستعين به معظم الجامعات في الولايات المتحدة في عملية القبول بالإضافة إلى الشهادة الثانوية، والتي لا تختبر ذاكرة الطالب والمعلومات التي لُقنها، وإنما تختبر المهارات الأساسية التي يحتاجها الطالب الجامعي.
نجاحات مستعارة
عبر عدد من الأكاديميين عن قلقهم من زيادة أعداد القبول في الجامعة، والذي نتج عن ارتفاع نسبة نجاح خريجي الثانوية العامة الملقبين بـ«دفعة كورونا»، والذي قد يفوق القدرة الاستيعابية للجامعة، مما يؤثر على جودة التعليم وتصنيف الجامعة، كما سيؤدي مستقبلًا إلى عدم توافق أعداد الخريجين مع متطلبات سوق العمل.
ولربما يكون أوضح مؤشر للعواقب القادمة هو تعثر «دفعة كورونا» في دراستهم العليا نتيجة عدم كفاءتهم الأكاديمية. ومن غير المتوقع والمفاجئ استمرار نجاح غالبية «دفعة كورونا» في دراستهم الجامعية حتى تاريخ كتابة هذا المقال.
آثار جائحة كورونا من تعثر الطلبة وزيادة العبء على ميزانية الدولة التعليمية والتكدس في الوظائف الحكومية التي تُفقد القطاع الحكومي جودته، لن تظهر خلال هذه السنة.
وهذا ما أكدته لـ«منشور» عدة مصادر متخصصة، منهم زهراء زمان المعيدة في جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا. فبعد سنوات من الخبرة في التدريس للطلبة المستجدين، توضح زمان أنه لو كان هناك تغير في درجات الطلبة المستجدين لهذا العام، فإنه تغير إلى الأعلى، إذ أصبح معظم الطلبة يستعينون بمساعدات خارجية لحل أبسط المهام والتكاليف، وبات التعليم عن بعد لا يعكس مستوى الطالب الحقيقي.
توافقها الرأي فاطمة الهاشم، مضيفة أن تعثر «دفعة كورونا» الأكاديمي أمر محتوم، لكنه لن يظهر طالما استمر التعليم عن بعد بمساوئه، ومنها اعتماد الطلبة على الآخرين لحل الواجبات والاختبارات. وتتنبأ بوقوع عمليات انسحاب من التعليم العالي لكثير من الطلبة وعدم استمرار آخرين، خاصة عند عملية التشعيب والالتحاق بمواد التخصص، وحين الانتهاء من تداعيات الجائحة وعودة التعليم التقليدي.
وتوضح الهاشم أن آثار جائحة كورونا على المنظومة التعليمية بأكملها، من تعثر الطلبة وزيادة العبء على ميزانية الدولة التعليمية والتكدس في الوظائف الحكومية التي تُفقد القطاع الحكومي جودته، لن تظهر خلال هذه السنة، بل سنراها في السنوات القادمة وعلى المدى البعيد.
لهذا فإن الأمر يقتضي بالضرورة تدارك التداعيات السلبية لأزمة القبول وأزمة التعليم عن بعد، من خلال تظافر كل الأجهزة المعنية في الدولة وتكاتف جهودها لتقديم خطة متكاملة لإعادة تأهيل الطلبة المتضررين أكاديميًا، والتي يجب أن تحتوي على برامج كالذي تشير إليه إليزابيث أبيلي الأستاذة المشاركة بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا خلال حديثها مع «منشور»، من برنامج تأهيلي لتقوية الطلبة المتعثرين أكاديميًا، والذي طبقته الجامعة ذاتها.
تسعى جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا من خلال ذلك البرنامج إلى رفع كفاء الطلبة المعنيين، بحيث تتوافق مع معايير الطالب الجامعي المتميز. فهل سنشهد تحركًا جادًا كهذا من المعنيين لتدارك تداعيات هذه الأزمة قبل فوات الأوان؟