فيم يستشير الشباب في الخليج أطباءهم النفسيين؟

الصورة: Getty

أمل السعيدي
نشر في 2021/10/10

تصدر الحديث عن الاضطرابات النفسية منذ بداية كورونا المجال العام في كل دول العالم، لأن الجائحة بالإجراءات الجديدة التي فرضتها على الناس، مثل الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي، جعلت هذه الاضطرابات إما أكثر وضوحًا أو دفعت بها إلى حدها الأقصى. لاحظنا حراكًا مهمًا من المؤسسات الوطنية في الخليج العربي للتعامل مع الاضطرابات النفسية الناجمة عن هذه الأزمة، ولعل الدور الذي يلعبه مجلس الصحة الخليجي في ما يتعلق بالصحة النفسية أصبح واضحًا أكثر من السابق في التعريف بالصحة النفسية وأهميتها.

فهل زادت الاضطرابات النفسية عند شباب الخليج العربي في الآونة الأخيرة؟ وما طبيعة الاستشارات التي يطلبونها من المختصين؟ وهل لتلقي العلاج عبر الإنترنت دور في هذا الإقبال المتزايد، إذا كان ثمة إقبال متزايد بالفعل؟

وضع الدراسات والصحة النفسية في الخليج العربي

الصورة: Getty

مع نهاية عام 2020، قدم عويس الزهراني الباحث السعودي وعضو قسم طب المجتمع في جامعة الملك عبد العزيز دراسة عن إسهامات دول مجلس التعاون الخليجي في المؤلفات العلمية الوطنية حول اضطرابات الاكتئاب. وكانت النتيجة التي رصدها تتمثل في 28 دراسة، تصدرتها السعودية بـ10 دراسات، تليها الإمارات بست دراسات، والكويت بخمس دراسات، ثم قطر بثلاث دراسات، فيما أنتجت البحرين وعمان دراستين لكل منهما.

اشتملت ست دراسات فقط من أصل 28 (21.4%) على عينة عشوائية، واعتمدت استراتيجيات جيدة لأخذ العينات. كانت غالبية الدراسات (24 من 28: 85.7%) قد اعتمدت على عينة مختارة. فتوصل الزهراني لاستنتاج مفاده أن الأدبيات العلمية التي تصدرها دول الخليج عن الاضطرابات الاكتئابية قليلة، وتفتقر إلى العمق العلمي.

لم تكن هذه الدراسة الوحيدة حول واقع الدراسات المتعلقة بالأمراض والاضطرابات النفسية في الخليج، ففي 2016 قدم ثلاثة باحثون هم جيسون إي هيكي، وستيفن بريجماتشوك، وهيذر ووترمان، دراسة حول واقع التجارب العلمية المرتبطة بقراءة الاضطرابات النفسية في دول الخليج العربي. ورغم إعادة تعريف وتوسيع خدمات الصحة النفسية في دول الخليج تزامنًا مع التطور في العقود الأخيرة، فإن هناك ندرة في البحوث المحلية لتوجيه الخدمة المستمر. مع التشديد على أهمية البحث العلمي المحلي المرتبط بالاضطرابات النفسية، لأن التعامل مع هذه الاضطرابات مرتبط بالسياق الاجتماعي والثقافي.

أما محمد جمال اليوسف، الباحث المشارك بمعهد دول الخليج العربي في واشنطن (AGSIW) سابقًا، فنشر مقالة مهمة العام الماضي عن التحولات التي يعيشها الشباب في الخليج مع قضايا الصحة النفسية. وانطلاقًا من استطلاعات نشرت مؤخرًا عن تقبل الشباب الخليجي لتحديات الصحة النفسية، يؤكد اليوسف أن 62% من المستطلعين اعتبروا المرض النفسي أمرًا طبيعيًا. ولعل واحدة من أكثر التحديات التي يواجهها الشباب في الخليج في ما يتعلق بالصحة النفسية هي التعامل مع وصمة العار أثناء خضوعهم للعلاج. ففي السعودية، أفاد استبيان عن الصحة النفسية أن 80% من السعوديين المصابين بأمراض نفسية شديدة لا يسعون للحصول على أي مساعدة بسبب وصمة العار.

يشير اليوسف إلى دراسات أجريت في الخليج في هذا الصدد، ففي الإمارات هناك دراسة شملت 325 شخصًا، قال 40% منهم فقط إنهم سيطلبون المساعدة لأطفالهم إذا كانوا يعانون من اضطرابات نفسية.

لا تقف وصمة العار وحدها عائقًا أمام الحصول على خدمات العلاج النفسي بحسب اليوسف، فهنالك أيضًا العوائق المادية التي تحول دون الوصول للخدمة، بالإضافة لارتباط الدين بتفسيرات الإصابة بهذه الاضطرابات. ويستند اليوسف لدراسة أجريت في قطر أكدت أنه من الشائع بين من يعانون اضطرابات نفسية أن يعتقدوا أن مرضهم «عقاب من الله، أو أنها تلبس الأرواح الشريرة للإنسان».

استشارات شباب الخليج العربي اليوم

الصورة: Getty

تعتبر الأخصائية النفسية فاطمة إحسان في حديثها مع منشور أن طبيعة الاستشارات النفسية لم تتغير كثيرًا في الفترة الماضية، لكن يمكن القول إن جائحة كورونا كسرت حاجز التحمل وعدم القدرة على التعامل مع الضغوط النفسية.

تقول فاطمة إن هنالك شقين نتجا عن كسر الحاجز هذا، الأول يتمثل في الانهيار جراء ما يحدث، أو الشعور بامتلاك المرونة النفسية والرغبة في اتخاذ القرارات المصيرية، لأن الجائحة كرست مفاهيم مثل قصر الحياة وعدم وجود ضمانات لأي شيء تقريبًا، لذا يجب اتخاذ قرارات لطالما تعرضت للتأجيل.

وكانت أكثر الاضطرابات التي تعاملت معها إحسان في الفترة الماضية اضطرابات الهلع، والقلق الاجتماعي، واضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب.

تعتقد فاطمة أن التغيير الأكبر الذي يمكن ملاحظته كان على الأشخاص المصابين بالقلق الاجتماعي، إذ تأثروا بشكل واضح جراء الجائحة، فكان أن جنبتهم اللقاءات الشخصية، لكن مع محاولة التعافي مؤخرًا في دول الخليج والاضطرار للعودة إلى المساحات الاجتماعية المشتركة سواء في العمل أو الدراسة، فإن المواجهات ربما تشهد صعوبة أكبر لدى القلقين اجتماعيًا.

زادت الجائحة من حالات القلق والاكتئاب والوسواس القهري بصورة خاصة، فكان تقديم الجلسات والمراجعات عبر الإنترنت خيارًا أفضل للعديد من المراجعين.

يؤكد الأطباء عبر موقع Cleveland Clinic أزمة إعادة الاتصال بالنسبة للمصابين بالقلق الاجتماعي، فأحد العلاجات الرئيسية هو العلاج بالتعرض أو المواجهة، وهو علاج شائع أيضًا للمصابين باضطراب ما بعد الصدمة والوسواس القهري، لذلك قد يعاني المصابون من القلق الاجتماعي من إعادة الانخراط في المساحات المشتركة، بسبب الانخفاض الذي تسببت به الجائحة في تعرضهم للآخرين.

ومع ذلك، فإن أولئك الذين طوروا أعراضًا متزايدة للقلق أو الاكتئاب، دون أي خبرة سابقة، قد يعانون بصورة أكبر من غيرهم في الواقع، لأنهم لم يضطروا أبدًا إلى التعامل مع هذا النوع من حالات الصحة النفسية سابقًا.

الصورة: Getty

أما د. حسين العبري، الاختصاصي الأول للأمراض النفسية، فيقول لمنشور إن هناك زيادة عامة في أعداد المرضى في كل الأمراض، لكن هناك زيادة مشهودة في حالات اضطرابات الشخصية الحدية. ويفسر ذلك بزيادة الوعي بالأمراض النفسية، إضافة إلى زيادة عدد السكان.

الجدير بالذكر أن اضطراب الشخصية الحدية تختلف أعراضه وتمثلاته بحسب الثقافة كما هو شائع، لذلك يُنصح عادة باستخدام تصنيفات تقلل من تحيز الثقافة وتحسن من عملية تحديد الهوية. وربما علينا أن نسأل في هذه المرحلة عن العناصر التي تحتوي عليها ثقافتنا، وتجعل من هذا الاضطراب شائعًا بصورة مطردة.

يتفق العبري في أن الجائحة زادت من حالات القلق والاكتئاب والوسواس القهري بصورة خاصة، وأن تقديم الجلسات والمراجعات عبر الإنترنت أصبح خيارًا أفضل للعديد من المراجعين، خصوصًا لمن يكونون على مسافة بعيدة من مقدم الخدمة.

قلق الشباب من المستقبل

الصورة: Getty

أما هاجر القايدي، وهي مختصة في علم النفس التنظيمي (فرع من فروع علم النفس مسؤول عن دراسة سلوك الأشخاص في العمل والمؤسسات)، فتؤكد لمنشور أنها لاحظت تغيرًا بعد الجائحة مع المراجعين حول علاقتهم بالعمل.

تلاحظ هاجر أن الشباب بعد جائحة كورونا استفاقوا لاحتمالات الضياع المهني والفرص المهنية، وأكثر مشكلة تكررت وفق نتائج اختبار التردد الوظيفي للمراجعين كانت «قلق البقاء في مهنة واحدة طوال العمر». وترى أن اطلاع الجيل الجديد من الشباب واسع ومدهش، بينما لم تكن التخصصات الجامعة على القدر نفسه من مهارات وتوقعات الطلبة المنتسبين إليها.

تبرر هاجر التفكير في هذه المسالة على نحو أعمق عند الشباب اليوم بأن الإلهاء قبل الجائحة أبعد مشكلات مجهولية المستقبل، إلا أنه تحتم على الشباب مواجهتها مع العزلة، فخرج القلق نحو المستقبل.

ليست أزمة البطالة والعمل والتردد بشأن البقاء في نفس الوظيفة حكرًا على الشباب في الخليج، فاقتصادات العالم تعاني من أعراض مماثلة مع تسريح الملايين بسبب الجائحة. يقول ديفيد بلوستي أستاذ علم النفس الإرشادي في كلية بوسطن ومؤلف كتاب «أهمية العمل في عصر عدم اليقين»، إنه «ستكون هذه جائحة عالمية للبطالة»، إنها أزمة داخل أزمة.

يمكن أن نتخيل هذا في سياق أزمة الخليج الاقتصادية وتراجع أسعار النفط وارتفاع معدلات البطالة، فعلى سبيل المثال تعاني سلطنة عمان من أزمة بطالة تتفاقم كل عام أدت إلى موجة احتجاجات واسعة في مايو الماضي.

الصورة: Getty

بحسب داميان فاولر، من المعروف أن فقدان الوظيفة أو عدم الحصول عليها قد يكون مرهقًا عاطفيًا، ولكن المرور بذلك في هذه الفترة بالذات، والتي تتسم بارتفاع درجة عدم اليقين إزاء الكثير من الأشياء، قد يضيف ضغوطًا إضافية إلى هذا المزيج.

يقتبس فاولر عن آدم بنسون، عالم النفس المقيم في نيويورك في عيادته الخاصة لمدة 20 عامًا، قوله إن «الطريقة التي نتعامل بها جميعًا مع الإجهاد تتفاقم بسبب هذا الموقف بالذات ... ينتقل بعض الأشخاص إلى وضع التحكم، ويحاولون التحكم في كل شيء، لكن علينا أن نواجه الحقائق بأننا لسنا مسيطرين على وضعنا بقدر ما نرغب».

يلاحظ علماء النفس أن فقدان الوظيفة غالبًا ما يعني الحزن على فقدان أحد الأحباء، ويمكن أن يمثل رد الفعل العاطفي أي مرحلة من مراحل الحزن، والتي تمتد من الصدمة والإنكار إلى الغضب والمساومة.

التغييرات التي تشهدها دول الخليج العربي مؤخرًا، في محاولة لتغيير سياساتها الاقتصادية عبر فرض الضرائب ورفع الدعم عن الكثير من الخدمات والمنتجات في ظل وجود أزمة اقتصادية مترتبة على الجائحة، بالإضافة إلى عدم شفافية حكومات الخليج حول خططها الاستراتيجية للتعامل مع قضايا البطالة، كل هذا قد يسهم في زيادة حالات الاضطراب النفسي.

يمكن أن يكون سؤالنا التالي: هل يستطيع الشباب في الخليج الحصول على استشارة نفسية في ظل هذه الظروف كلها؟

مواضيع مشابهة