كشفت وكالة «Xinhua News Agency» الصينية للإعلام عن مذيع أخبار آلي بتقنية الذكاء الاصطناعي، صُمم لإذاعة الأخبار طوال 24 ساعة.
ووفقًا لموقعها الرسمي، أطلقت الوكالة التي تديرها الحكومة الصينية، إنتاجها الأول في المؤتمر العالمي للإنترنت في مقاطعة تشجيانغ شرق الصين.
صُمم المذيع الآلي، بالتعاون مع شركة «Sogou» الصينية للأبحاث، وله مظهر ذكوري وصوت وتعبيرات وجه إنسان حقيقي، ويتعلم بنفسه إذاعة الأخبار من مقاطع الفيديو، ويقرأ النصوص التي تُقدَّم له مثل مذيعي الأخبار المحترفين.
أصبح المذيع الآلي عضوًا رسميًّا في فريق عمل الوكالة، ويمكنه، وفقًا للبيان الرسمي، العمل طوال 24 ساعة على الموقع الرسمي، والمنصات المتعددة الأخرى. وتزعم الوكالة أن الهدف منه تقليل تكاليف إنتاج الأخبار وزيادة كفاءتها.
أذاعت الوكالة عبر حسابها على موقع تويتر، مقطع فيديو تظهر فيه النسخة الإنجليزية من مذيعها الآلي، ويقول فيه: «مرحبًا. أنت الآن تشاهد برنامج الأخبار الإنجليزي، وأنا مذيع الأخبار الآلي في بكين». وتملك الوكالة أيضًا نسخة أخرى تتحدث باللغة الصينية.
مراسل افتراضي لأخبار افتراضية
كان ظهور المذيع الآلي على سبيل الدعاية الإعلامية، أكثر منه نجاحًا في مجال الذكاء الصناعي الصيني.
انتشرت أخبار المذيع الآلي على نحو واسع، واختلفت ردود الفعل حوله بشكل واسع.
محليًّا، حسب ما جاء في موقع أخبار شبكة «WENY» التلفزيونية، لم يقتنع مستخدمو موقع «Weibo» (النظير الصيني لفيسبوك وتويتر) بالمذيع الآلي، إذ قال بعضهم إن صوته غير حقيقي، وإن هناك مشكلة في وقفات الصمت بين الكلمات، بينما توقع آخرون أن مذيعي الأخبار على وشك خسارة وظائفهم لصالح الآليين.
بينما تطرق بعضهم إلى نقد تقني خالص، مثل ما صرح به «ويل نايت»، المحرر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لموقع «CNBC»، إذ قال إن إعادة إنتاج الوجوه فكرة قوية وأساسية، لكن لا يمكن وصفها بالذكاء الصناعي على الإطلاق، لأن المذيع عمليًّا لا يفعل شيئًا سوى أن يقرأ النصوص التي توضع في نظامه.
يضيف نايت أننا يجب أن نكون حريصين عند استخدام مصطلحات مماثلة، لأنها في هذه الحالة غير حقيقية، والمذيع ليس سوى نوع متطور جدًّا من الدمى الرقمية.
يتفق معه الباحث علي الشافتي، المختص في علم الروبوتات والذكاء الاصطناعي، قائلًا إن «تطابق الصوت والوجه تتولى أمره خوارزميات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي. لكن ربط المذيعين بتقنيات الذكاء الاصطناعي محض مبالغة»، محذرًا هو الآخر من أن الاستخدام الخطأ للمصطلحات يجعل الناس يعتقدون أنه مثل البشر، وبإمكانه أن يصدر ردود أفعال بشرية، وهذا غير حقيقي في هذه الحالة.
يبدو إذًا أن ظهور المذيع هذا كان على سبيل الدعاية الإعلامية، أكثر منه نجاحًا في مجال الذكاء الصناعي الصيني. لكن هل هذه هي الصورة كاملة؟
في الواقع: سيطرة كاملة
تسيطر الحكومة الصينية بالكامل على الإعلام، وتملك نظام رقابة على الإنترنت هو الأكثر عنفًا بين دول عدة، إذ لا تكتفي فقط بحظر المواقع والصفحات، بل تمنع البحث عن موضوعات كاملة على الإنترنت، مثل الأوصاف الجنسية وتبادل الشركاء والحرية الجنسية والمواد السياسية، وتراقب اتصال المستخدمين بالإنترنت، إذ يطالهم الاعتقال إذا تجاوزوا الحدود، وذكروا أيًّا من الموضوعات المحرمة، حتى لو في رسائلهم الشخصية مع آخرين.
خلقت أمريكا الذكاء الاصطناعي، لكن الصين ستسحب منها البساط ما دام الأمر يتعلق بأكثر صناعة محورية في العالم.
تتجه الحكومة مؤخرًا، وفقًا لموقع «ديلي دوت»، للاستعانة بشركة غوغل، لتطوير محرك بحث مخصص للصين، يمكن فيه ربط عملية البحث برقم هاتف المستخدِم، حتى تتمكن الحكومة تتبُّع المستخدمين الذين يبحثون عن أمور شائكة أو ممنوعة. تتضمن هذه الممنوعات موضوعات مثل حقوق الإنسان والاحتجاج السلمي والديمقراطية والدين.
عقب تسريب الخبر، تعرضت غوغل لسيل من الانتقادات، على رأسها تصريح «باتريك بون»، الباحث في منظمة العفو الدولية، لموقع «The Intercept»، والذي قال فيه إن «ما تفعله غوغل عواقبه خطيرة، ليس فقط بالنسبة إلى الصين، لكن بالنسبة إلى جميع الدول، وبالنسبة إلى حرية الرأي والتعبير، وهو التفاف واضح ربما تتبعه شركات أخرى ما زالت تعاني من القوانين الصينية الصارمة.
اقرأ أيضًا: غرفة معتمة تكشف كل شيء: أقفاص حديثة في الصين اسمها التكنولوجيا
لكن السؤال الحقيقي ما زال مطروحًا: هل تحتاج الصين حقًّا لمن يقرأ الأخبار النصية؟ ربما تكون المحاولة مجرد تلويح بما يمكنها فعلها مستقبلًا، فهناك على ما يبدو هدف أسمى.
يبدو الهدف واضحًا من تصريحات «كاي فو لي»، الكاتب التقني وخبير الذكاء الاصطناعي الذي كان يقود شركة غوغل قبل طردها من الصين، والذي قال إن أمريكا ربما تكون قد خلقت الذكاء الاصطناعي، لكن الصين ستسحب منها البساط وتسيطر عليه ما دام الأمر يتعلق بأكثر صناعة محورية في العالم.
فسر لي وجهة نظره في تفوق الصين القريب على أمريكا في الذكاء الاصطناعي، مستندًا إلى محاور رئيسية، وهي وفرة البيانات ورجال الأعمال، وتنامي مجال الذكاء الاصطناعي في الصين، والدعم الحكومي الضخم، إضافة إلى وفرة التمويل.
يثبت الوقت اتفاق وجهة نظر كاي فو لي مع ما أعلنته حكومة الصين، إذ صرح مجلس الدولة الصينية، في بيان له حسب ما جاء بموقع «The New York Times» في 2017، أن بكين تسعى لقيادة الذكاء الاصطناعي في العالم كله بحلول 2030، وتحويل قيمة الصناعة الكلية إلى 150 مليار دولار، وقد وضعت بالفعل خطة تطور لتحقيق ذلك.
تخلفت الصين لوقت طويل عن اللحاق بركب التطور التكنولوجي، لا سيما عن الدول الأوروبية وأمريكا، لكن سياستها الصناعية التي جعلتها من أقوى الاقتصادات في العالم، مهدت أمامها الطريق لتلحق بالركب التقني الذي حققت فيه تقدمًا سريعًا وفقًا للخبراء.
يرافق التصريح مبادرة دولية لاستثمار مالي ضخم تقدمه الدولة الصينية للباحثين والصناع والشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي.
في الوقت الذي خفضت فيه الولايات المتحدة الأمريكية إنفاقها على العلوم، تُفتح أبواب الاحتمالات أمام تحقق الحلم الصيني بريادة الذكاء الاصطناعي.
تتوقع بكين أن تترأس سوق الذكاء الاصطناعي في عام 2030، ما يعزز وجودها قوة اقتصادية عظمى.
اهتمام بكين بالذكاء الاصطناعي يثير بعض القلق في وزارة الدفاع الأمريكية، إذ لوحظ تدفق الأموال الصينية على الشركات الأمريكية المختصة بالذكاء الاصطناعي، ومنها شركات وعدت الحكومة الأمريكية بالمساعدة في تطوير أسلحة مستقبلية.
ذكرت صحيفة «The New York Times»، أن الصين لم تلتفت إلى أهمية الذكاء الاصطناعي والتقنية إلا بعد حدث بعينه، وفقًا لاثنين من المختصين الذين استشارتهم الدولة الصينية في خطتها الجديدة، وهو الهزيمة التي تعرض لها اللاعب الكوري «لي سيدول» عام 2016 في لعبة «الغو» على يد برنامج «غوغل الحوسبي» (AlphaGo)، إذ كان لهذه الهزيمة أثر عميق في الحكومة الصينية.
بعدها، في مايو من العام نفسه، جلبت غوغل برنامجها الذكي إلى الصين، واستطاع البرنامج هزيمة اللاعب الصيني العالمي «كي جي»، وحجب البث المباشر للمباراة.
فتح هذا الحدث الباب أمام الأموال والاهتمام الصيني الضخم بالذكاء الاصطناعي، وكبرت طموحات الصين في المجال إلى حد الرغبة في استغلاله في كل شيء، بدءًا من الصناعة وحتى الطب والتصنيع. لكنها كذلك لن تستثني مجال الأمن والمراقبة من طموحها، إذ ترغب في دمج الذكاء الاصطناعي بالصواريخ الموجَّهة، واستخدامها لتعقب المواطنين، والكاميرات ذات الدوائر المغلقة، ومراقبة الإنترنت، وحتى التنبؤ بالجرائم.
وفق الخطة الزمنية المحددة، تتوقع الحكومة الصينية أن تكون منشآتها وعملياتها البحثية على نفس مستوى تطور الدول المختصة، مثل أمريكا، بحلول عام 2020، وبعدها بخمس سنوات، تخطط لتحقيق إنجازات واضحة في مجالات مختارة بمساعدة الذكاء الاصطناعي الذي ترى أنه «دافع رئيسي في التحول الاقتصادي» وفقًا لبيانها.
اقرأ أيضًا: ذكاء اصطناعي لم نعد نفهمه: لهذا يجب علينا أن نخشى التكنولوجيا
أما في المرحلة الأخيرة، وبحلول عام 2030، تتوقع بكين أن تترأس سوق الذكاء الاصطناعي، ما يعزز وجودها قوة اقتصادية عظمى.
قد يكون الخطاب الصيني طموحًا، لكن بكين معروفة بجديتها وحزمها في تنفيذ خططها الاقتصادية. ويرى الخبراء أن الإنفاق على مشروعات مماثلة لن يكون في النهاية هباءً منثورًا، إذ ستنتهي المشروعات حتمًا بنتائج مثمرة، وتعزز التكنولوجيا بكثير من الموارد.
إضافة إلى أن الخطاب في ذاته إشارة انطلاق للشركات والحكومات المحلية في الصين، فقد أضفى الطابع الرسمي على اهتمام كان موجودًا بالفعل، وبشكل واسع، داخل الدولة، وتُنفَق فيه ملايين الدولارات.