في ظل التطور الراهن الذي طال مناحي الحياة كافة، لم تكتف الجمعيات التعاونية بدورها الرئيسي تحقيق الأمن الغذائي والسلعي لعموم المستهلكين وبأسعار تعاونية مخفضة، بل سعت إلى استحداث أدوار أخرى عدة، من باب تقديم الخدمة الاجتماعية لأهالي وسكان مناطق عملها.
على سبيل المثال لا الحصر، هناك دعم المحافظات، وتنظيم رحلات أداء العمرة، وحجز الشاليهات، فضلًا عن الاهتمام بالحدائق العامة وتشجير المناطق وتزيينها، لا سيما في الأعياد والمناسبات المختلفة، وتطوير الممشى الرياضي، وغيرها من الخدمات الأخرى المهمة والمطلوبة.
أحدث هذه الخدمات ما أعلنته أخيرًا جمعية الشامية والشويخ التعاونية من رغبتها في تركيب كاميرات مراقبة أمنية على مداخل ومخارج المنطقة، لأنها «سيكون لها انعكاسات إيجابية من الجانب الأمني»، وفقًا لرؤية وتصريحات مجلس إدارتها.
فهل يعد هذا ضمن اختصاصاتها؟ وماذا عن الخصوصية؟
لماذا كاميرات المراقبة؟
هل يكون الأمن مبررًا لتصوير الناس دون رضاهم؟ خاصة أن الجمعيات التعاونية دائمًا ما تكون قريبة من المنازل.
هذه الفكرة لاقت قبولًا واستحسانًا في الأوساط التعاونية، وتأييدًا من اتحاد الجمعيات التعاونية، إلا أنها أحدثت تبيانًا في الآراء بين بعض الجمعيات الأخرى، التي رفضت ذلك لأسباب متعلقة بكون الشارع من اختصاص وزارة الداخلية، ولعدم رغبتها في التعاقد مع شركات محددة دون فتح باب المنافسة، وهما شركتي «زين» للاتصالات و«باس» لتركيب الكاميرات، والتي تقدر تكلفتها بحسب رئيس مجلس إدارة جمعية الشامية والشويخ 100 ألف دينار كويتي.
أما الأسباب التي أعلنها حمد المرزوق الرئيس التنفيذي لشركة «زين» حول هذا المشروع فهي «التعرف على المركبات المسرعة من على بعد كيلومتر واحد، وعلى المركبات المطلوبة للجرائم والسرقات بشكل فوري، بالإضافة إلى تقديم مجموعة كبيرة من الأدوات المتنقلة التي تسمح للجهات المختصة بالاطلاع على البيانات وتحليلها من أي مكان وفي أي وقت، تحقيقًا لسرعة الاستجابة وتعزيزًا للكفاءة التي تتطلبها المنظومة الأمنية».
هنا يبرز السؤال المهم حول خصوصية الأفراد في المنطقة، وهل يكون الأمن مبررًا لتصوير الناس دون رضاهم؟ خاصة أن الجمعيات التعاونية دائمًا ما تكون قريبة من المنازل.
تقول مريم، التي تسكن في الشامية مع أسرتها: «سمعنا عن عزم جمعية الشامية تركيب كاميرات مراقبة في أرجاء المنطقة لأسباب أمنية، ولم يبادر أحد في الجمعية لتقديم المزيد من الشرح».
توضح مريم لـ«منشور» أن أهالي المنطقة ممن سألتهم لا علم لهم بمواقع الكاميرات ولا الجدول الزمني لتركيبها، ولا حتى ما إذا كانت قد رُكّبت أصلًا. وتضيف: «لا أشعر بأنني أريد لأحد أن يراقب تحركاتي وتحركات أطفالي، فهذا ليس شأن أحد، وبالتأكيد ليس شأن الجمعية التعاونية التي لا نعرف كيف ستقنن الموضوع، ولا كيف تسمح لهم الدولة بتركيب كاميرات لمراقبة حياة الناس وانتهاك خصوصياتهم»، مبينة أنها تأمل في توفر المزيد من المعلومات حول هذا الموضوع حتى يطمئن سكان المنطقة.
ويؤكد خالد الياسين رئيس مجلس إدارة جمعية الخالدية التعاونية، أن أهمية الفكرة في حفظ الأمن عبر مراقبة الشوارع الرئيسية الحيوية في المناطق السكنية، بعيدًا تمامًا عن أي حديث حول انتهاك الخصوصية أو التعدي على الحريات، لا سيما أن القصد من ورائها مراقبة الأماكن العامة لا الخاصة.
ويضيف لـ«منشور» أن «هذه الفكرة معمول بها في دول وبلدان عدة، مثل بريطانيا على سبيل المثال، لكونها تسهم في تقليل الجريمة حال وقوعها وسرعة ضبط الجناة».
أما سعد الشبو رئيس مجلس إدارة جمعية السالمية التعاونية السابق، فيقول لـ«منشور» إن «الفكرة قديمة وليست جديدة، لا سيما أن ثمة تعميمًا صادرًا عن اتحاد الجمعيات يسمح للجمعيات بتركيب الكاميرات بعد الحصول على الموافقات الرسمية من الجهات الحكومية ذات العلاقة، وعلى رأسها وزارة الداخلية، وذلك لمراقبة مقارها والأماكن التابعة لها كفروع التموين والغاز وغيرها، لإحكام السيطرة عليها وحمايتها من السرقة والازدحام».
ويوضح الشبو أن «الانتقال من مراقبة مرافق الجمعيات إلى نشر الكاميرات لتغطية مناطق عملها جيدة ولا تمثل أي انتهاكًا للخصوصية، بل تسهم في حفظ الأمن عبر ربطها بغرفة العمليات المركزية التابعة لوزارة الداخلية. غير أنها تحتاج إلى آلية واضحة ومحددة، يتسنى من خلالها معرفة الجمعيات القادرة على تحمل نفقات هذا المشروع من عدمه».
فاطمة، إحدى قاطنات منطقة الشامية، تبدي رضاها عن الفكرة فتقول لـ«منشور»: «طالما أنها على مداخل ومخارج المنطقة، فلست أرى فيها أي انتهاك للخصوصية، بل فيها حماية لأهالي المنطقة من الجرائم المحتملة. إضافة إلى أننا سنعرف أولئك الذين يرمون قمامتهم في الشوارع ويلوثون المنطقة. لكن إن كانت هذه الكاميرات بين المنازل، فإنني أرى فيها انتهاكًا للخصوصية».
أصل الفكرة
يؤكد مختار الشامية والشويخ في حديث لـ«منشور» أن المبادرة بدأت من اللجنة الأمنية لمكتب المختار في عام 2018، وبعدها حصلت على الموافقات اللازمة من وزارة الداخلية عام 2019، وتعد الأولى من نوعها على مستوى المناطق في الكويت. وبعدها حصل تعاون مع جمعية الشامية والشويخ للإسهام في «المنظومة الأمنية»، وهم بدورهم تواصلوا مع شركة «زين» لرعاية المشروع.
تشعبت أدوار الجمعيات التعاونية، وخرجت من دائرة توفير الأمن الغذائي والسلعي إلى المبادرة بأدوار أخرى تتنافس فيها بينها.
يعلق المختار بأن موضوع الكاميرات ليس جديدًا على المنطقة، إذ دفعت اللجنة التعليمية في مكتب المختار السابق بفكرة وضع كاميرات بجانب المدارس في الشامية والشويخ، ولاقت استحسانًا من مدراء المدارس، وحصلت على الموافقات اللازمة من الوزارات المعنية. أما مشروع «المنظومة الأمنية» فهو أشمل، ويضم جميع مداخل المنطقة.
وبالحديث عن الخصوصية مع المختار، يرد بأن «الكاميرات لن تكشف خصوصيات المنازل، بل ستكون موجهة إلى المداخل والمخارج الرئيسية وعلى الشوارع فقط». ويعلق كذلك على لائحة وزارة الداخلية لتنظيم أماكن كاميرات المراقبة، والتي تتطلب موافقة جهات مختلفة قبل إقرارها. ويضيف أن تسجيل الكاميرات سيكون في مخفر الشامية، ولن يطلع عليه إلا أعضاء الشرطة.
تشعبت أدوار الجمعيات التعاونية، وخرجت من دائرة توفير الأمن الغذائي والسلعي إلى المبادرة بأدوار أخرى تتنافس فيها بينها، وقد وجد معظمها ترحيبًا ورضا من سكانها، فقط حتى وصلت إلى مقترح وضع كاميرات المراقبة في مناطقها. لكن إلى أين ستصل تلك الرغبة «التنافسية»؟ وهل ستتعدى على أدوار مرافق الدولة الأخرى؟