تتعدد الفروع التي تتعلق بعالم الحيوانات، من دراسة الشكل الخارجي والتشريحي، ودراسة الوظائف والعلاقات البيئية المتشابكة، وتصنيف الأنواع، إلى الدراسات السلوكية والنفسية، غير أن أحد الوظائف الجديدة التي يوليها علماء الحيوانات اهتمامًا متزايدًا، هي مراقبة رحلة الانقراض.
قصص كثيرة يرويها العلماء بعد مراقبتهم أنواعًا معينة من الحيوانات، لا تلبث أن تختفي تمامًا بعد أعوام قليلة من المتابعة.
في عام 1987 سجلت خبيرة الزواحف الأمريكية «بارتي كرامب»، اكتشافها نوعًا من الضفادع ذات اللون الذهبي، في إحدى سلاسل جبال كوستاريكا. يكتسب هذا التسجيل أهميته بسبب ندرة هذا النوع من الضفادع. فرغم اكتشافه في وقت سابق، لم تجر دراسته بشكل علمي إلا في وقت مراقبة بارتي له.
تعيش الضفادع ذهبية اللون في المناطق الوعرة، ولا تخرج إلى السطح إلا في موسم التزاوج فقط. كانت مهمة بارتي الحصول على زوج من الضفادع، ودراسته بشكل دقيق، واستمرت المهمة ثلاث سنوات لصعوبتها. طول المدة لم تر إلا أنثى واحدة وعددًا من الذكور، إذ تبلغ نسبة الذكور مقارنة بالإناث 10 إلى 1، حتى بدأت الضفادع في الاختفاء، وتهددت مساعي بارتي بالفشل، إلى أن أعلنت انتهاء تجربتها لانقراض النوع في 1990.
ليست الضفادع الذهبية إلا حالة وسط مئات الحالات التي يتبعها مراقبو الحيوانات، وتنقرض بعد عملية تسجيلها ورصدها. ففي القرنين التاسع عشر والعشرين، جرى رصد انقراض نحو ألف نوع من الكائنات الحية، على الرغم من أن المعدل الطبيعي للانقراض يتراوح بين واحد وخمسة أنواع، يشكل الرقم الأخير إعلان مرحلة من مراحل الانقراض، التي يبلغ عددها ست حالات في تاريخ الأرض، كانت آخرها قبل ملايين السنين، ويُرجَّح أنها السبب في اختفاء الديناصورات.
حالة الانقراض الكبرى الأولى جرى تسجيلها عام 1912، حين ماتت آخر حمامة مهاجرة في إحدى حدائق أمريكا. لم تكن الأولى من نوعها في الانقراض، لكن رصدها جاء بسبب فداحة الحدث. فقد عاش الحمام المهاجر نحو ستة ملايين سنة، وكانت أسرابه كبيرة للدرجة التي تجعله يحجب أشعة الشمس في أثناء رحلة هجرته، كل هذا تبخر في أقل من قرن واحد.
السبب الرئيسي في انقراض الحمام المهاجر في أمريكا هو الصيد التجاري. فقد كانت أسراب الطيور كبيرة للغاية، ما يجعلها هدفًا سهلًا للصائدين ولفخاخهم، إذ كان لحم الحمام يعد من أرخص أنواع اللحوم في ذلك الوقت، ما جعل الصيد لا يكتفي إلا بالآلاف، وهو ما جرى اعتباره كارثة كبرى أثارت الاهتمام بأضرار الصيد التجاري، وساعد في إنقاذ أنواع من حيوان «البيسون» التي لا تزال مهدَّدة بالانقراض حتى الوقت الحالي. لكن عددًا من الحيوانات لم يجر إنقاذها، واختفت تمامًا، وبقيت آلاف من الأنواع الأخرى مهددة بالانقراض.
اقرأ أيضًا: صيد الثعالب والغزلان في فلسطين: الرزق أم الحيوانات المهددة بالانقراض؟
استعادة الحيوانات المنقرضة
لا يزال استخدام الحمض النووي لمكافحة الانقراض في مرحلته الأولى، لكنه على الرغم من ذلك فتح باب التساؤلات على مصراعيه.
حماية الحيوانات المهددة بالانقراض، وتقنين عمليات الصيد بشكل عام، والتجاري بشكل خاص، من أهم وسائل مكافحة انقراض الأنواع. لكن يبدو أن هناك فريقًا يحارب الانقراض بطريقة أخرى، إذ إن مجموعة من العلماء يسعون لاستعادة الأنواع المنقرضة، من خلال استخدام الحمض النووي الخاص بها.
أبسط المعلومات الحالية في علم الأحياء، أن شريط الحمض النووي الكامل مُسجَّل به كل المعلومات الوراثية للكائن الحي، بداية من تشريحات أجهزته الداخلية، وصولًا إلى لون عينيه. هذه هي الاستراتيجية التي يتبعها فريق استعادة الحيوانات المنقرضة، فالحصول على حمض نووي كامل (جينوم) يمثل العقبة الأولى، وكذلك المرحة الأولى من مشروعهم، ثم إعادة توليد النوع المنقرض من خلال التهجين والتوليد.
لكن يبدو أن الحصول على جينوم كامل صعب للغاية، إضافة إلى تكلفته المرتفعة، ومستحيل في حالات الحيوانات التي انقرضت، دون وجود صلة لها بأي نوع حي موجود. نظريًّا، فإن اكتشاف أي صيغة لصفة وراثية لحيوان منقرض، يجعل تهجين حيوان ذي صلة بها ممكنًا، مثل الماموث الذي له قرابة كبيرة مع الأفيال.
يستعد «جورج تشرش»، أستاذ الأحياء بجامعة هارفارد، لإجراء تجربته الأولى باستخدام الصفات الوراثية بالماموث، ضمن عملية توليد أحد الأفيال. ليس من المأمول أن تنجح التجربة، لكنها ستكون خطوة كبرى نحو مرحلة استخدام الصفات الوراثية للحيوانات المنقرضة.
في وقت سابق، استخدم تشرش المعلومات الوراثية للحمام الأمريكي المهاجر، في تهجين أنواع من الحمام العادي، نظرًا لصلة القرابة الجينية بينهما. استطاع وفقًا للمعلومات المحدودة التي حصل عليها، أن يعيد تشكيل لون الأجنحة وشكل المنقار، وبعض الصفات الخارجية، لكن تجربة الماموث ستصبح فريدة من نوعها.
لا تزال تلك الوسيلة لمكافحة الانقراض في مرحلتها الأولى تخضع للنظرية والدراسة، لكنها على الرغم من ذلك فتحت باب التساؤلات على مصراعيه. فإضافة إلى الجدل الأخلاقي حول المسألة، هناك بعض التخوفات حول مصير البيئة إذا ما انتشر هذا النوع من عمليات الاستعادة. فرغم التأثيرات الكبيرة التي أحدثها الإنسان في البيئة خلال الثلاثمئة عام الماضية، يرافق تأثيره غير مسبوق، تغيرات وتكيفات غير مسبوقة أيضًا في البيئة نفسها، في ما يشبه عملية تطور صغير. فهل تؤدي الاستعادة إلى التوازن أم تعمل على الإخلال به؟
البيئة المحيطة بالأنواع الجديدة أمر شديد الأهمية. فعلى سبيل المثال، كانت المشكلة في توليد حمام مهاجر جديد، تكمن في اكتسابه آليات الطيران، والتي تستدعي الحصول على والدين، وبيئة رعاية مناسبة، ومن المأمول أن يلعب الحمام الأب هذا الدور. أما في حالة الماموث، فسيكون الأمر أكثر صعوبة نظرًا لانتهاء العصر الجليدي منذ ملايين السنوات، وبشكل خاص مع التغيرات البيئية الحالية التي تواجه الأرض. ليس من السهل التأكد من أن عملية الاستعادة قد تلقى رواجًا، إضافة إلى نجاحها.
اقرأ أيضًا: وحيد قرن دون قرن: كيف تجرح حيوانًا لتحميه من الانقراض؟
ماذا عن الحياة المهددة بالانقراض؟
ظهور الأقمار الصناعية في ستينيات القرن العشرين، وبداية رصد الأرض من الخارج، أوضح أن القطب الشمالي يتقلص بالفعل عن كل شتاء.
صيف شديد الحرارة، وشتاء شديد البرودة، وأمطار تأتي كل حين مرة أو مرتين. لا يمكن تجاهل التغيرات البيئية الملموسة في حياتنا، فمع توالي السنين نشعر باختلافات مناخية واضحة، وهذا لا يمثل إلا المراحل الأخيرة من تغير بيئي كبير، هذه التغيرات تؤثر بشكل متصاعد في التوازن البيئي.
في أكتوبر 2018، أصدرت الهيئة الدولية المعنية بالتغيرات المناخية تقريرًا خاصًّا عن الاحتباس الحراري، تشير فيه إلى أن درجة حرارة الأرض ارتفعت أكثر من درجة مئوية كاملة عن المعدل الذي كان في مرحلة ما قبل الثورة الصناعية، ومن المرجح ازدياد هذا المعدل إذا ظل تأثير الإنسان بالشكل نفسه في نهاية هذا القرن حتى تصل إلى درجتين مئويتين.
في هذه الحالة، سيرتفع مستوى سطح البحر، ما يعني تهديد وجود أكثر من 90% من الشعاب المرجانية، وحدوث اضطراب بالغ في السلسلة الغذائية البحرية، إضافة إلى اختفاء القطب الشمالي تمامًا.
إلا أن ظهور الأقمار الصناعية في ستينيات القرن العشرين، وبداية رصد الأرض من الخارج، أوضح أن القطب الشمالي يتقلص بالفعل عن كل شتاء. في عام 2007، جرى تسجيل أن حجم الجليد به وصل إلى نصفه عما كان مع أول مسح بالأقمار الصناعية.
تكمن خطورة اختفاء جليد القطب الشمالي في عمله المهم الذي يتجلى في انعكاس أشعة الشمس، وتقليل الحرارة المختزنة. لذلك يزداد الاحتباس إذا اختفى الجليد الذي يُخزِّن في أعماقه كُتلًا من الكربون سيؤدي انتشارها إلى تفاقم الأزمة.
لا ينفصل الوضع المناخي عن الانقراض أبدًا، فكلاهما انعكاس مباشر لتدخل الإنسان الفج في الطبيعة، وكلاهما أصبح شبحًا يهدد الوجود الإنساني الذي يميل في الوقت الحالي للرفاهية. وعلى الرغم من أن عمليات الاستعادة قد تساعد في تعزيز التنوع البيئي، فهي مهددة إذا ظل الوضع المناخي كما هو.
ليس هناك كثير لنعمله بشكل فردي في الوضع المناخي المتأزم، إذ إن الأمر مرهون بقرارات كبرى، وإبرام عقود لتقليل الانبعاثات الحرارية، غير أن الأمر كله يدفع إلى التأمل في الوضع الحالي، كنتيجة لهيمنة شاملة يدفع ثمنها الإنسان في الوقت الحالي، وقد يكون الثمن باهظًا في المستقبل، أو كما يقول الفيلسوف الفرنسي «لوك فيري»، «إعادة تقييم مكانة الإنسان على كوكب الأرض».