أكثر سؤال أسمعه في الفترة الماضية هو: «ما الجدوى؟». هل هذا تشاؤم أم يأس؟ الحقيقة أن ثمة فرق بين الاثنين.
أن تتشاءم يعني ألا تتوقع الكثير من النتائج، وربما تتوقع الفشل. التشاؤم هو توقُّع السقوط والتمسُّك، مع ذلك، بشرف المحاولة. التشاؤم درب وَعِر للبطولة غير المبتهجة بذاتها، لأنها تقوم بما يتوجب عليها القيام به، بغض النظر عما سيحدث، لأنها لا تربط الفعل بالنتيجة، بل تربطه بالموقف الأخلاقي.
لا أطيق المتفائلين، إنهم يسرقون الأوكسجين من دمي.
ثمة شخص يشكُّ في وجود جدوى حقيقية لجهوده، ولكنه مع ذلك لا يكُف. إنه ليس متفائلًا بالضرورة، ولكنه مقاتل، وسيؤدي دوره كاملًا لأنه لا يملك ترف عدم الفعل.
ليس لديَّ مشكلة مع المتشائمين، أنا أحبهم، وأنفر من المتفائلين المبتهجين بأنفسهم وأحسدهم خِلسة. يبدو لي المتفائل مثل شخص عاجز عن رؤية المُعطيات، شخص يرى ما يريد رؤيته فقط: نصف الكأس الممتلئ.
أهنئهم، ولا أطيق الوجود بينهم. المتفائلون يسرقون الأوكسجين من دمي، لأني أحتاج إلى رؤية الحقيقة كي أعرف ما يتوجَّب عليَّ فعله، الحقيقة العارية باردة العينين الموحِشة إلى الأبد، أحتاجها، أريدها.. إنها المكان الذي أنطلق منه.
نحن لا نريد منك أن تتفاءل، يمكنك أن تتشاءم ما بدا لك، لكن إياك أن تيأس. اليأس يعني أن تخسر شرف المحاولة، اليأس يعني أن تموت معنويًّا.
اقرأ أيضًا: كيف تجبرنا «التنمية البشرية» على السعادة؟
تتحدث عن الجدوى وكأنها نتيجة ملموسة ومباشِرة لجهودك، شيء يمكنك قياسه بحواسِّك وتلمُّس تأثيره على حياتك، وهذا ليس صحيحًا بالضرورة. الجدوى ليست أمرًا تستطيع رؤيته ببصيرتك المجردة، وهي ليست نتيجةً محددة وواضحة وقابلة للقياس.
الجدوى مثل رفرفة الفراشة، تأثيرها تراكميٌّ، بعيد الأمد، ملتبس. الجدوى شيء قد يتحقق بعد مئة عام من رحيلك، عندما يحدث شيء يكون امتدادًا للفتيل الذي أشعلته أنت في ذلك اليوم، للفسيلة الصغيرة التي غرستها قبل أن تقوم القيامة بخمس دقائق.
تشاءم ما بدا لك، ولكن لا تيأس، أرجوك، فنحن بحاجةٍ إليك.