في ليلة رأس السنة، ليلة الاحتفال بقدوم عام جديد، تخبط كؤوس البشر بعضها بعضًا بأنخاب الحب والسعادة والمال، وكل ما تحمله البدايات من تفاؤل غريب. ينطلق موسم تنبؤات الأبراج والكواكب، وتوقعات ماغي فرح، لكن آخرين يأخذون فألهم للعام الجديد من الكتب.
إنجيل، وقرآن، وديوان حافظ الشيرازي: هيا نقرأ الطالع
في بداية القرن العشرين، كان الإدوارديون (حُكام بريطانيا بين 1901 و1910) مهووسين بالقراءة، حتى أن الكتاب كان جزءًا من الموضة حين ذاك، وانتشر تهادي الكتب في الحقبة الفيكتورية على وجه الخصوص، إذ كانت الكتب تُهدى في أعياد الميلاد وحفلات الزواج والكريسماس ورأس السنة خصوصًا.
تطورت العادة حتى صاروا يتشاءمون من العام الذي يبدأ دون أن يتلقوا في مطلعه كتابًا، وفقًا لما يذكره كتاب «Victorian Christmas in Print». واعتقدوا بأن الكتب المهداة تحمل تنبؤات السنة القادمة، فكانوا يجتمعون صبيحة رأس السنة ليفتح كلٌّ كتابه على سطر عشوائي يخبئ حظه للعام. وحين لا يتلقى أحدهم كتابًا كان يستعمل الإنجيل، وهذا ما يسمى «البيبليومانسي»: التنبؤ وأخذ الفأل من الكتب.
يذكر «Victorian Christmas in Print» أن هذه العادة تنحدر من الحضارة الرومانية القديمة، حين كانت الكتب المقدسة تستعمل في قراءة الطالع.
مَثّل البيبليومانسي جزءًا كبيرًا من الثقافة الفيكتورية، فكان يُذكر في أدبهم ورواياتهم، وعن طريق الكتب تنبأ الشاعر «روبيرت براونينغ» بمصير حياته العاطفية وانجذابه إلى الشاعرة «إليزابيث باريت»، بحسب ما يذكر في رسائله إليها.
ومع أنه استعمل كتاب قواعد اللغة الإيطالية، فإن هذا السطر ظهر لبراونينغ: «إن كنا نحب في العالم الآخر كما نحب في هذا العالم، فسأحب إلى الأبد»، فتزوجها على إثره.
يذكر كتاب «الدولة العثمانية: تاريخ وحضارة» أن بعض طبعات المصحف حملت حروفًا بين سطورها يُقتبس من معانيها الفأل.
في رواية «حَجر القمر»، كان «جابرييل بيتيريدغ» يقرأ البخت من رواية «روبنسون كروزو» الشهيرة: «عندما تكون معنوياتي منخفضة يا روبنسون كروزو، عندما أحتاج نصيحة يا روبنسون كروزو. قديمًا عندما نكّدت عليّ زوجتي، واليوم حين أفرط في الشرب.. روبنسون كروزو».
ربما لا يكون البيبليومانسي بعيدا عن الاستخارة بالقرآن، أو«الفالنامة»، أو التنبؤ من ديوان حافظ الشيرازي كما يحدث في عيد النيروز في إيران، حين يُقدم عادةً شخص كبير في السن، أو يُعرف عنه الصلاح، على إغماض عينيه وفتح ديوان حافظ على سطر عشوائي واتخاذ الفأل منه.
هذه العادة امتدت من العهد الصفوي في إيران أو ما قبله، فيذكر كتاب «الدولة العثمانية: تاريخ وحضارة» أن بعض طبعات المصحف حينها حملت حروفًا بين سطورها يُقتبس من معانيها الفأل، وصولًا إلى اليوم، إذ يمكنك البحث عن «فال حافظ» أو غيره من التطبيقات على متجر هاتفك الذكي، وتحميله كأي تطبيق عادي.
البيبليومانسي: محاولة لهزم العبثية
يقول المعلم «أوغواي» في فيلم «Kung Fu Panda»: «نميل إلى اعتماد الخرافات حين نخطو نحو أراضٍ مجهولة في عالمنا، حين نعي أن مصيرنا المجهول جزء من العبثية المفزعة».
ربما يعكس هذا التباين محاولات البشر للتغلب على العبثية، أو على عبثية الأقدار تحديدًا. يقول العالم «ستيوارت فايس» في كتابه «الإيمان بالسحر: سايكولوجيا الخرافة» إن «الطبيعة البشرية تمقت العبثية»، فنحن نفضل النمط على الفوضى.
في تجربة يذكرها الكتاب، طُلب من عينة من الناس أن يتخيلوا النتائج العشوائية التي ستحدث عند رمي عملة معدنية، وأن يكتبوا تلك النتائج بالترتيب في ورقة.
كانت الحقيقة أكثر فوضويةً من تنبؤاتهم، ولم تخلُ إجاباتهم من بعض النمطية، الأمر الذي دفع عددًا من العلماء إلى الاعتقاد بأن النزعة إلى منطقة الأمور طبيعة بشرية أساسية، وبنوا على ذلك مصطلح «وهم السيطرة»، حين يبالغ الإنسان في الإيمان بقدرته على التحكم في الأحداث.
هذا هو ما كان المعلم «أوغواي» يحاول أن يشرحه لـ«شيفو» في فيلم «Kung Fu Panda»، عندما أراد أن يبين له قلة حيلته أمام مشيئة القدر، أو ربما عبثيته: «نحن نميل إلى اعتماد الخرافات حين نخطو نحو أراضٍ مجهولة في عالمنا، حين نعي أن مصيرنا المجهول جزء من العبثية المفزعة».
في المرة القادمة عندما تبحث عما يهدئ بالك نحو «المستقبل» أو «القادم» أو «المجهول»، ربما ترغب في تناول كتاب مقدس، أو أي كتاب آخر من مكتبتك، وتقرأ قدرك في سطور عشوائية منه. أنا مثلًا فتحت ليلة رأس السنة غزليات حافظ الشيرازي على سطر يقول: «العالم لا يُعَوّل عليه»، ووجدت السطر مدعاةً لابتسامة ساخرة على الأقل.