في 1997، كتبت «أرونداتي روي» روايتها الأولى «The God of Small Things» (رب الأشياء الصغيرة) التي حصلت على جائزة البوكر، وفتحت أمامها باب الشهرة العالمية، ثم اختفت روي عن المشهد الأدبي تمامًا.
بدلاً من ذلك، انخرطت أرونداتي روي في عدد من النشاطات السياسية والمجتمعية، ثم عادت بروايتها الثانية «The Ministry of Utmost Happiness» (وزارة السعادة القصوى) عام 2017، بعد توقف عن الكتابة الروائية لفترة تصل إلى 20 عامًا.
لا تسرُّع في كتابة الرواية
في كتابة الرواية، لا تبحث أرونداتي عن شخصياتها، ولا عن العالم الذي تود أن تضعها فيه، ما يحدث أن شيئًا ما يجذب فضولها دون سبب، بحسب تعبيرها، فهناك أشياء تستقر في المرء وتترسب.
تُفضل أرونداتي أن تنتظر شخصيات رواياتها ليعرفوا أنفسهم إليها، وتُطوِّر بينها وبينهم ثقة وصداقة. تأتي شخصياتها بالتدريج كأنها تلتقي بهم في الشارع، وتتلاقى عيناها معهم، ثم تقابلهم مرة أخرى. إحدى طرقها المفضلة للكتابة هي الانتظار.
بالنسبة إليها، البحث والسيرة الذاتية والعوالم المتخيَّلة عناصر لا يمكن فصلها عن بعضها، إذ تظهر كلها داخل العمل الروائي.
أرادت في رواية «وزارة السعادة القصوى» أن تعرف: هل يمكن أن تكون الرواية مدينة؟ هل يمكن أن تتوقف عن أن تكون سهلة الهضم كطعام الأطفال؟ متيحةً لها فرصة جديدة لاكتشاف العالم. ترى أن الرواية لا يجب أن يُنظر إليها كدليل للعيش في الواقع، بل تقترح طريقة بديلة.
روايتها الأخيرة تحكي قصة أشخاص محددين وفريدين من نوعهم، يجدون طريقهم الخاص في العيش، وتشير بوجودهم داخل المجتمع إلى حقيقة هذا المجتمع وشكله، وكيف يجب ألا نتجاهل نوع الأشخاص وشكل حياتهم الاجتماعية وطبقتهم.
في تقرير لصحيفة «The Guardian»، سألتها الكاتبة المسرحية «إيف إينشلر» عن أكثر رد فعل فاجأها بخصوص الرواية الجديدة، فأجابت بأن أول ما فاجأها أنها اكتشفت أن الرواية، رغم أنها عن مكان بعينه، فإنها تُرجمت إلى أكثر من 46 لغة، بعدها تلقت رسالة من فلسطيني يشكرها على توفير مساحة لأشعار بلغات أخرى في كتابها، وكان هذا مذهلًا بالنسبة إليها. وأسعدها كذلك أن رأت الكتاب يباع في إشارات المرور بنصف السعر.
أرونداتي روي: التمرد
طوال العشرين عامًا بين روايتيها، لم تختف أرونداتي عن الساحة، بل كانت موجودة وبقوة في كتابات يُقال إنها واقعية، تقول ما لا يريد الناس سماعه. استخدمت منصتها في كتابة مقالات سياسية جريئة تنتقد فيها كل شيء، تندد بالعنف، وتهاجم الشركات الرأسمالية وجورها على العمال والموظفين.
عارضت حرب العراق، وشاركت في الاحتجاجات الواسعة في نيويورك عام 2004 ضد سياسات «جورج بوش» الابن، وإعادة ترشحه لفترة ثانية. إضافة إلى موقفها الصارم من الحكومة الهندية، والتي سُجنت بسببه لبعض الوقت.
في عام 2015، أعادت جائزة «Award Wapsi» التي قدمتها إليها الحكومة الهندية في التسعينيات احتجاجًا على احتجاز عدد من الكُتاب الهنود وانتشار العنف في البلاد.
ترى أرونداتي روي أن كلمة «ناشط» حديثة، ولا تعرف من أين جاءت، وتعد كتاباتها الخيالية والواقعية سياسة أيضًا.
رغم أنها في السادسة والخمسين، ما زالت أرونداتي تحافظ على روح التمرد. لم تكن موجودة في «مهرجان هاي» للكتابة، وحين قابلها محرر «الغارديان» تساءل عن السبب، فعلم أن مجموعة «تاتا الهندية» التي تملك كثيرًا من الاستثمارات، بدءًا من مصانع الصلب حتى شركات الشاي، ترعى بعض الأحداث في المهرجان، وقد كانت أرونداتي تنتقد الشركة باستمرار. لم تُرِد أن تكون منافقة.
تكتب أرونداتي لفضح هؤلاء، لكنهم ينظمون المهرجانات الأدبية، ويتحدثون عن حرية التعبير، لذلك تفضل أن تتجاهلهم ومهرجاناتهم.
الكاتب الحقيقي لا يبحث عن الشعبية
ترى أرونداتي روي أن كلمة «ناشط» حديثة، ولا تعرف من أين جاءت. لكنها لا تريد أن تضيف اختصاصًا جديدًا فوق الكتابة. فقديمًا كان الكُتاب سياسيين أيضًا، ليس جميعهم، لكن عددًا منهم. كان يُبنظر إلى عملهم ككتاب باعتبارهم يعبرون عن العالم المحيط بهم بطرق متنوعة. لذا، فهي لا تشعر بالقلق أو التهديد. وتعد كتاباتها الخيالية والواقعية سياسة أيضًا: «الخيال هو الكون، أما الواقعية، فهي الجحة».
ما يقلقها حقًّا هو خوف الكُتاب من أن يكونوا سياسيين. وفكرة أن الكاتب أصبح يصمم منتجًا له معايير مقبولة مسبقة، ويُستهلَك سريعًا لينزلق بسهولة في حلقك، وهكذا يحبه الناس، ويصبح ضمن الكتب الأكثر مبيعًا، وهذا خطير للغاية. جدوى وجود الكاتب بالنسبة إليها ألا يكون شعبويًّا أو مشهورًا، الكاتب من «يدينك حتى لو لم يكن ضمن الأغلبية»، ويقول الأشياء التي لا يرغب الناس في سماعها.
ولا تنتهي طفولته
حين سُئلت عن الوقت الذي علمت فيها أن طفولتها انتهت، قالت إنها لم تنتهِ بعد، الطفولة يجب ألا تنتهي بالنسبة إلى الكُتاب. تخشى أرونداتي الناس الذين تنظر إليهم، وتعجز عن تخيل شكل الطفل الذي كانوا عليه. وبسبب الظروف التي نشأت فيها، اضطرت إلى أن تكون طفلة بالغة بشكل ما، لذلك على الأقل تفضل أن يبقى جزء منها كبالغة طفوليًّا.
كرست أرونداتي أحد مقالاتها للحديث مع هؤلاء الذين تعلموا أن يأخذوا الأمل من الأسباب المنطقية، لأنها ترى أن الطريقة الوحيدة ليكون لدينا أمل هي «أن نكون غير منطقيين». أن يجيء أملنا من الفراغ، بدلًا من المعقول والمنطقي.
بالنسبة إليها، هناك في الغالب مزاح مبطَّن وصمود فولاذي، والطريق الوحيد (لو كان هناك طريق) هو الحفاظ على الروح قوية بهذا الشكل.
كل كتاب فريد من نوعه
لا تملك أرونداتي كتابًا مفضلًا بين الفائزين بالبوكر، لأنها لا تفكر في الكتب بهذه الطريقة. كل كتاب بالنسبة إليها فريد من نوعه، والجوائز الممنوحة للكُتاب مجرد حظ. حتى إنها حين تفكر في القراءة تتجنب البدء بالكتب الحائزة على جائزة البوكر الأدبية، رغم أنها حصلت عليها من قبل.
ما يمنح الكاتبة الثائرة السلوى في حياتها، كلبتاها الصغيرتان. الأولى وجدتها بعد أن ماتت أمها في حادث سيارة، كانت صغيرة للغاية ومغلقة العينين، واضطرت إلى إطعامها بقطَّارة حتى كبرت. والأخرى سرقتها، كانت مربوطة طوال الليل والنهار إلى عمود في الطريق، ومهمَلة تمامًا، فأخذتها لتنقذها مما هي فيه، ثم أخبرت أصحابها لاحقًا، فقالوا إنهم لم يكونوا يريدونها على أي حال.