تحيط بمرض الآلزهايمر هالة من الخوف، تختلف ربما عن أي مرض آخر. الخوف هنا ليس من مجرد الموت، ولا العجز، بل من فقدان الذات والهوية وانعدام القدرة على تمييزها.
كلما تَقدم الإنسان في السن ونسي اسم شيء ما، أو اكتشف أنه تاه في طريق يحفظه عن ظهر قلب ويقطعه يوميًّا، أصيب بالفزع: ماذا لو كانت هذه بداية مرض الآلزهايمر؟ يغيِّر هذا الهاجس كل شيء.
مرض مخيف فعلًا، سواء من حيث أعراضه أو حتى من حيث الحقائق القليلة المحيطة به. فيه نوع من الغموض يحيِّر العلماء والأطباء، فلا هم يعرفون كيف يمنعون حدوثه، ولا كيف يوقفونه. يأخذ من المرء حياته وعقله ويعطيه وقتًا لا ينتهي من التِّيه والتخبط.
على الرغم من أن معدل تطور المرض يتغير حسب كل شخص، فإن أعراضه تتفاقم بمرور الوقت. في المتوسط، يعيش المصاب بالآلزهايمر من أربع إلى ثماني سنوات بعد التشخيص، لكنه يمكن أن يعيش 20 عامًا وفقًا لعوامل أخرى.
تبدأ التغييرات في الدماغ قبل سنوات من ظهور أي علامات له. ويُشار إلى هذه الفترة الزمنية، التي يمكن أن تستمر لسنوات، على أنها مرحلة «آلزهايمر قبل سريرية».
في المرحلة الأولى أو المبكرة، يستطيع المريض أن يعمل ويقود السيارة ويختلط بالناس بشكل طبيعي، لكنه رغم هذا قد يشعر بوجود فجوات في ذاكرته، فيلاحظ أنه ينسى أسماء أو كلمات مألوفة، إضافة إلى المشكلات التي يواجهها في التخطيط أو التنظيم وفقدان الأشياء.
المرحلة الثانية أو المتوسطة عادةً ما تكون الأطول، ويمكن أن تستمر لسنوات. ومع تقدم المرض، سيحتاج الشخص المصاب قدرًا أكبر من الرعاية. يبدأ المريض بالتصرف بطرق غير متوقعة، مثل أن يحتار بين الكلمات أو أن يرفض الاستحمام، فقد يؤدي تلف الخلايا العصبية في الدماغ إلى صعوبة التعبير عن الأفكار وتنفيذ المهمات الروتينية.
في هذه المرحلة ينسى المريض تاريخه الشخصي وينطوي على نفسه، ويتساءل عن سبب وجوده في مكان ما، حتى إن كان في منزله. لن يستطيع تمييز الأيام، ولا اختيار الملابس المناسبة لكل موسم. يحدث لبعض المرضى أن يفقدوا قدرتهم على التحكم في مثانتهم وأمعائهم، وستظهر تغيرات شخصية وسلوكية مثل الارتياب أو الأوهام أو السلوك القهري المتكرر.
تتطوَّر الأمور في المرحلة الأخيرة من المرض، إذ يفقد الفرد القدرة على الاستجابة لمحيطه أو إجراء محادثة، وفي النهاية يفقد السيطرة على الحركة.
يحتفظ المريض بالقدرة على التكلم، لكن التواصل يصبح صعبًا. ويحتاج إلى المساعدة على مدار الساعة في الأنشطة اليومية أو العناية الشخصية، ويفقد الانتباه إلى ما يحدث حوله، وتحدث تغيرات في القدرات البدنية، تبدأ بالقدرة على المشي والجلوس، وتنتهي بالقدرة على البلع، ويصبح المريض فريسة سهلة لأي عدوى، خصوصًا الالتهاب الرئوي.
آلزهايمر: كل محاولات العلاج الفاشلة هذه..
الفرضية الأساسية المفسرة لحدوث الآلزهايمر هي تراكم بروتين «بيتا أميلويد»، هذا التراكم يصنع كتلًا لزجة في منطقة الروابط العصبية تعطل انتقال الإشارات العصبية.
تعاني الخلايا المصابة تشوهًا في شكل «بروتين تاو» المسؤول عن حفظ بناء الخلايا وانتقال الغذاء داخلها. هنا يفقد الدماغ السيطرة، وتصاب الخلايا بالتهابات حادة تؤدي إلى تدميرها. الإصابة تبدأ في مركز الذاكرة والتعلم، ثم تمتد إلى بقية الدماغ وتؤدي إلى انكماش نسيج المخ.
الآلزهايمر واحد من أكبر الأمراض في القرن الحادي والعشرين، لكن رغم الجهود البحثية، وافقت إدارة الغذاء والدواء (FDA) ووكالة الأدوية الأوروبية (EMA) على خمسة أدوية فقط لعلاجه. ولا يمكن لأيٍّ منها إيقاف تطور المرض، بل تعالج الأعراض فقط.
هذا بالتأكيد ليس لقلة المحاولات أو عدم الاكتراث، فقد أجرى العلماء ما يزيد عن 400 تجربة سريرية بين عامي 2002 و 2012، وكانت ثمرة نتاجهم الوحيدة دواء «ميمانتين».
لم يتحسن الوضع كثيرًا منذ ذلك الوقت. فبحسب تقرير صحيفة «النيويورك تايمز»، أعلن عدد من أكبر شركات الدواء العالمية، مثل «Merck» و«Pfizer» و«Johnson & Johnson» و«Eli Lilly» و«Hoffmann–La Roche»، فشلها في جميع تجاربها.
أحد التفسيرات الأكثر شيوعًا التي بررت فشل التجارب السريرية أنه ربما يكون أوان العلاج قد فات أصلًا بمجرد ظهور الأعراض المتقدمة للمرض، وكذلك من الضروري إجراء التجارب على أشخاص يعانون من أعراض أقل حدة. لكن إيجاد مرضى محتمَلين من المتوقع أن يُصابوا بهذا المرض يشكل تحديًا كبيرًا.
بناءً على فرضية سبب الآلزهايمر، تستهدف معظم تجارب علاجه تكوين صفائح «الأميلويد». لكن يبدو أن نتائج التجارب السريرية تشير إلى أن فهمنا للمرض ربما كان خطأً، منذ أن شخَّص الطبيب «ألويس آلزهايمر» أول حالة ووُضِعت فرضية المرض في التسعينيات.
بحثًا عن مرضى آلزهايمر «مناسبين»
تعود شركة «إيلي ليلي» إلى سبق التجارب، وتعلن عن تجربة جديدة. تبدو المهمة التي تواجهها الشركة بسيطة بما يكفي: إيجاد 375 شخصًا مصابين بالآلزهايمر في مرحلته الأولى، لإجراء تجربة سريرية جديدة تهدف إلى إبطاء فقدان الذاكرة أو إيقافه. هناك 5.4 ملايين مريض آلزهايمر في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، لذلك ربما تظن أنه من السهل جدًّا العثور على عدد من المشاركين المناسبين في تجربة كهذه، لكن الأمر عكس ذلك تمامًا.
تُقدِّر «المؤسسة العالمية لمرضى الآلزهايمر»، التي تساعد في إيجاد مشاركين متطوعين لتجربة شركة ليلي، أنه للبدء في العثور على المشاركين سيكون عليها إبلاغ من 15 إلى 18 ألف شخص في الفئات العمرية المناسبة للتجربة. من بين هؤلاء، سيجتاز ما يقرب من ألفي شخص الفحص الأوَّلي. 20% منهم سيتفقون مع معايير التسجيل للتجربة، يجب أن تتراوح أعمارهم بين 60 و89 عامًا، وأن يكونوا قد عانوا من فقدان معتدل، لكن متزايد، في الذاكرة لمدة ستة أشهر على الأقل، وأن يكون هناك نوعان من عمليات المسح الدماغي تُظهِر أن مرض الزهايمر يحدث حاليًّا.
ولأنه لا توجد طريقة جيدة وسريعة لتشخيص المرض، تقترب نسبة الفشل من 80%، وهي نسبة نموذجية في مثل هذه التجارب.
العملية المُرهقة المتمثلة في إيجاد 375 مريضًا توضح حقيقة محبطة: العثور على مرضى مناسبين للمشاركة في تجارب علاجات الآزهايمر الجديدة أصبح عقبة لا يمكن التغلب عليها، بغض النظر عن مدى كون التجربة واعدة ومبشرة.
مع فحص الدماغ والاختبارات المعملية واختبارات الذاكرة، فإن تكلفة التشخيص وحدها كبيرة جدًّا، إذ تُقدَّر بمئة ألف دولار لكل شخص ينتهي بالالتحاق بالتجربة، حتى قبل بدء العلاج التجريبي.
عدد مرضى الآلزهايمر يتجاوز 44 مليون شخص في أنحاء العالم.
رغم ذلك، فإن شركة إيلي ليلي تمتلك ميزة أنها معروفة ويمكنها تحمُّل مجهود إيجاد المشاركين، والشركة تعمل الآن على مركَّب من دواءين هو الأول من نوعه.
«دانيال سكوفرونسكي»، نائب رئيس قسم تطوير المنتجات الإكلينيكية في شركة ليلي، متفائل بشدة بالتجربة، ويوضح أن سبب سلاسل الفشل السابقة أنها تضمنت أدوية ضعيفة التأثير، وجربت دواءً واحدًا فقط في كل مرة. خطته هذه المرة استخدام دواء تجريبي واحد يمنع تكوُّن الأميلويد السام، وعقار تجريبي آخر يزيل الأميلويد الذي صُنِع بالفعل في الدماغ.
سيحصل ثلث المرضى على دواء وهمي، وثلثهم على دواء واحد وآخر وهمي، والثلث الأخير سيحصل على الدواءين. يقول سكوفرونسكي إن الجرعات ستكون عالية، والهدف التخلص من 90% من الأميلويد الموجود ومنع 90% من إنتاجه.
الحاجة مُلحة لصنع دواء يوقف أو حتى يبطئ هذا المرض. يعاني الآن أكثر من 44 مليون شخص من الآلزهايمر في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يتضاعف الرقم ثلاث مرات بحلول 2050. الأطباء والعلماء متفائلون بهذه التجربة تحديدًا، لكن لا أحد يعلم فعلًا إن كانوا يسيرون على الطريق الصحيح، أم أنها ستكون مجرد محاولة كسابقاتها.