تنفق شركة أديداس ملايين بل مليارات الدولارات من أجل الدعاية والتسويق، لكن الجانب المظلم الذي لا يعرفه كثيرون، أو لا تريد لهم الشركة أن يعرفوه، أنها لا تختلف عن سائر الشركات الرأسمالية الكبرى في تعاملها مع العمال، تحت نظام يعتمد في التعامل مع البشر على أنهم إما منتجين أو مستهلكين.
يعد الحصول على رعاية نادي جماهيري أو نجم كبير في اللعبة مهمة أساسية للشركة للمحافظة على قيمة علامتها التجارية، إذ تمتلك أديداس عقود رعاية واتفاقيات مع أندية كبرى، أشهرها ريال مدريد وتشيلسي ومانشستر يونايتد ويوفنتوس وبايرن ميونخ، ونخبة من أهم لاعبي كرة القدم، منهم ليونيل ميسي وسيرجيو أغويرو ومسعود أوزيل وبول بوغبا، وتحظى برعايتها مجموعة من أفضل المنتخبات في اللعبة، مثل ألمانيا وإسبانيا والبرازيل.
كل هذه الاتفاقيات والعقود هي ما يجعل الشركة رائجة في كل أنحاء العالم، ودائمًا ما ترتبط بتحقيق أي إنجاز أو بطولة محلية أو عالمية، سواء عن طريق رعاية النادي، أو بعض اللاعبين داخل الفريق، أو حتى رعاية وتسويق البطولة، وأصبحت جزء مهمًا من اقتصاديات اللعبة، وعاملًا تسويقيًا وتجاريًا لا غنى عنه، لكن إلى أي مدى يمكن أن تذهب في جانبها المظلم؟
الرأسمالية: توزيع غير عادل
في محاولة سعيها لتلبية متطلبات المستهلكين وتوفير الإنتاج اللازم، تركز الرأسمالية على إنهاك العمال جسديًا ونفسيًا في العمل، بعدد ساعات ضعف الحد المسموح به، وأجور منخفضة تسد رمقهم أو أقل، ولا تتناسب مع قيمة الجهد الذي يقدمونه، معتمدين في ذلك على توافر أعداد كبيرة منهم، وعلى حاجتهم الضرورية للعمل من أجل العيش.
يوضح تقرير نشره موقع «Clean Clothes Campaign»، المهتم بتحسين ظروف عمل صناعة الملابس الرياضية للعلامات التجارية، أنه على مدى العقدين الماضيين تضاعفت قيمة الميزانية الخاصة بالتسويق والرعاية، وفي المقابل، وخلال نفس الفترة، قلت التكاليف التي من المفترض أن تذهب لجيوب العمال بنسبة 30%.
بحسب التقرير، لو بقيت عقود الرعاية عند المستويات التي كانت عليها في عام 2012، بدلًا من زيادتها ومضاعفتها بشكل جنوني، لكانت كافية لإنقاذ العمال وتوفير ما يلزم من المال لتغطية أجورهم، ورفع قيمتها بما يتناسب مع قيمة العمل الذي يقدمونه. لكن بدلًا من ذلك، لجأت الشركة لإنفاق ميزانيتها على توقيع التعاقدات مع الأندية ولاعبي الكرة ومضاعفة العقود المبرمة سابقًا، في وقت تستمر فيه حالات العمال في التردي والمعاناة من أجل توفير إنتاج الشركة التي توقع من أجله عقودًا بالمليارات.
أديداس: عمالة أرخص، تكاليف أقل
قوانين العمل في الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا صارمة للغاية في ما يخص حقوق العمال، إذ تمنحهم تأمينات معيشية وتوفر لهم الرعاية الصحية والتعليم والترفيه، وتحدد ساعات العمل، وتضع حدًا أدنى للأجور، وتعمل النقابات العمالية والمنظمات المتخصصة على حفظ حقوق العمال وتوعيتهم بحقوقهم وعدم إهدارها ومناهضة الانتهاكات التي تمارس ضدهم، وتحاول إزالة كل المصاعب من أجل توفير بيئة إنسانية ملائمة.
يتم العمل في بيئة غير آدمية لتلبية إنتاج الشركة التي تشحن منتجاتها إلى دول أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول الغنية.
مثل هذه القوانين والامتيازات تعيق أرباح الشركات وتعطل مطالب السوق، الذي يعتمد على الكم وكثرة الإنتاج بأقل قدر ممكن من التكلفة داخل النظام الرأسمالي، من أجل المنافسة والاستمرارية.
ليست أديداس الوحيدة التي تتبع هذه الكيفية في الإنتاج، فشركات مثل نايكي وبوما تعملان بالكيفية نفسها، التي تعتمد على التعاقد مع شركات محلية في إندونيسيا وكمبوديا على سبيل المثال لإنتاج متطلباتها، وبالطبع تفعل الشركات المحلية كل ما في وسعها لإنتاج الكميات المطلوبة بتكلفة قليلة، وعلى هذا النحو يتم العمل في بيئة غير آدمية لتلبية إنتاج الشركة التي تشحن منتجاتها إلى دول أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول الغنية، وعلى هذا النحو يحصل العامل على أجر يومي يتراوح بين 3 إلى 7 دولارات لصنع القميص الذي يحمل أرقام وأسماء نجوم النادي، بينما يباع القميص الواحد بما يقارب 100 دولار.
العبودية وصناعة الملابس الرياضية
تصل قيمة شركة أديداس إلى 14.3 مليار دولار، تعتمد في الإنتاج على مصانعها الموزعة في الدول الفقيرة أو التي تُهمل حقوق العمال، والتي هي غالبًا آسيوية مثل الصين وفيتنام.
تمتلك الشركة أكثر من 1200 مصنع موزعة على 65 دولة، وتوظف أكثر من 775 ألف عامل أغلبهم من النساء والأطفال، وتتوزع مصانعها حسب أمور عديدة تتعلق بتكلفة الإنتاج وتوافر العمالة الرخيصة وعدم وجود قوانين لحمايتهم، بالإضافة إلى السماح بعمالة الأطفال وانعدام التأمينات المعيشية والحوافز، وأي امتيازات أخرى توجبها قوانين العمل في معظم دول أوروبا والولايات المتحدة.
كل من يضطر إلى الغياب عن العمل بسبب المرض يتعرض للطرد، وكذلك كل من يطالب بحقوقه.
بدأ ظهور التقارير التي تدين الشركة خلال دورة الألعاب الأولمبية 2012، إذ عُرضت الحالة القاسية التي يعاني منها العمال، ورُصد كثير من الانتهاكات والمصاعب التي يعانيها عمال أديداس في دول مثل الصين وإندونيسيا وسريلانكا والفلبين وفيتنام خلال صنع الملابس الرياضية، إذ يحصلون على أجور قليلة لا تكفي لتأمين حاجاتهم الاساسية من طعام وسكن وصحة، ولا توفر لهم معيشة مرضية، بالإضافة إلى كثير من المتاعب الأخرى.
في إندونيسيا، وبحسب تقرير منظمة «War on Want»، يحصل العامل على أجر يصل إلى 34 سنتًا في الساعة، ويقول العمال إنهم يتجاهلون تناول الوجبات الأساسية من أجل توفير المال، وخلال ذلك يفقد بعضهم الوعي لأنه يصبح مجهدًا وغير قادر على مواصلة العمل.
يوضح التقرير أن كل من يضطر إلى الغياب عن العمل بسبب المرض يتعرض للطرد، وكذلك كل من يطالب بحقوقه. وتصل ساعات العمل إلى 14 ساعة يوميًا، وهذا ما يجعله أقرب كثيرًا إلى العبودية وليس بيئة عمل.
يمثل النساء 80% من عمال صناعة ملابس العلامات التجارية في إندونيسيا، وعادة ما يحصلون على أجر بين 93 و227 دولارًا شهريًا، بينما تصل قيمة ما يستحقون الحصول عليه إلى إلى 412 دولارًا.
تقول بعض العاملات إنهن يتعرضن للضرب، ويُحتجزن في المصانع حتى ينتهين من إنتاج الكميات المطلوبة، ويُهددن بالطرد من العمل و الحرمان من الراتب. وتشتكي معظم العاملات في أديداس من صعوبة ممارسة الأمومة وعدم قضاء وقت كافٍ مع أطفالهن بسبب ساعات العمل الإضافية، بالإضافة إلى منعهن من الحصول على إجازات في أوقات المرض أو الظروف التي يضطررن فيها للغياب عن العمل.
معظم العمال لا يعرفون حقوقهم بشكل صحيح، ولا يعرفون لمن يتوجهون بالشكوى، ولا يدركون إذا ما كانت هذه الظروف روتينية ومتبعة في كل بيئات العمل، أم أن الذي يجري معهم عبودية واستغلال.
تنقسم الدول التي تقع فيها هذه الانتهاكات إلى دول فقيرة أو معدمة أقتصاديًا وتعاني من البطالة والزيادة السكانية، أو دول ذات نمو اقتصادي كبير لكنها تعاني من الكثافة السكانية وكثرة الأيدي العاملة وتعتمد على الاستثمار الخارجي بشكل أساسي على أراضيها، فتسمح للشركات الأجنبية بتأسيس مصانعها من أجل توفير فرص عمل لأبناء شعبها، وتوفير معيشة لكل هذه الأعداد الضخمة من البشر.
لذلك، لا تفرض هذه الدول قوانين تحفظ حقوق العمال وتحميهم من الاستبداد الرأسمالي الذي يمارَس على أراضيها، بل تسهل عملية استعبادهم لأنها لا تريد فرض عوائق تمنع استثمار المؤسسات والشركات متعددة الجنسيات في الدولة، والتي تعتبر عاملًا أساسيًا في توفير فرص عمل لأبناء قوميتها، المستعدين للعيش وتقبل كل تلك الانتهاكات التي تمارَس ضدهم لعدم وجود فرص أخرى، حتى لو صاروا آلات للإنتاج والاستفادة منهم من أجل تحقيق ثروات كبيرة ناتجة من حركة سواعدهم التي يجب ألا تتوقف. وبدلًا من الموت في مجاعات تضعهم على حافة الحياة، يقبلون الاستغلال، بحيث يصيرون لا هم أحياء ولا أموات.