6 أسباب لحب زلاتان إبراهيموفيتش

يحيى
نشر في 2016/12/09

استغرق الأمر ستة أشهُر كي أقرر أن بوسعي الكتابة عن «زلاتان إبراهيموفيتش». لم أكن أدري ماذا سأكتب. يحدث هذا ربما مع من نحبُّهم حبًّا جَمًّا، تبخل مَلَكَة التعبير لدينا بكلمات الحب الحقيقية، وتُلقي إلينا بجملٍ عاجزة لو أرغمناها.

أحبُّ زلاتان، وأحبُّ لعبه للكرة بطريقة لا تشبه سواه، وطفوليَّته التي يواريها بغروره ، وحرفنته غير المتناسبة مع طوله، وثقته المُفضِية إلى تقديرٍ مفرِطٍ لذاته، غير أني طيلة ستة أشهُر وجدت نفسي عاجزًا عن إيفائه حقه من الكتابة الجميلة، حتى راودني ذلك الحُلم.

حلمتُ بأني أكتب عن إبراهيموفيتش. لا أتذكر أحلامي عادةً، وعقلي يتأكد من تنظيف الذاكرة بانتهاء العرض كل ليلة، لكني أفَقْتُ وبعض التفاصيل لم يُمحَ. في حُلمي كتبت ثلاث فقرات، إحداها كانت موجودة في رأسي لم تزل. كان اللابتوب مفتوحًا إلى جوار سريري، وشرعت أكتب بعينين بالكاد تريان.

في الصباح كنت فخورًا بتذكُّري بعضًا من الحُلم، وعكفت على إكمال الكتابة. كبرت الفقرة لتصير صفحةً ومثلَيْها، وارتصَّت العناوين الفرعية في أماكنها، وتمطَّى زلاتان وفرد ذراعيه، وتداعت تفاصيله إلى السطور البيضاء تملؤها، فصارت ستة أسباب شخصية للغاية لحُبِّ «إبرا»، هذه هي.

أقدام-زلاتان-إبراهيموفيتش

1- يلعب لمزاجه: «فلسفتي هي أن أترك أفعالي تتحدث عني»

في مباراة ميلان أمام نابولي 2012، خاض رفيق زلاتان في الفريق «أنتونيو نوتشيرينو» شجارًا، وزلاتان تمشَّى بهدوء من خلفه، ثم مدَّ يده ليصفع مدافع نابولي خِفية من فوق كتف نوتشيرينو غير المنتبه، ويعيدها بسرعة فوق كتف الإيطالي. تلقى زميله صفعة من المدافع جزاء ما فعل إبراهيموفيتش، الذي تراجع مبتسمًا كطفل. طُرد بعدها، لكنه كان سعيدًا لأنه فعل ما أراد.

ليس زلاتان ذاك النوع من اللاعبين الذين يولدون في النادي ويموتون فيه.

لا يهتم زلاتان، يمازح أصدقاءه بطريقة فجَّة. يرفع قدمه ليضرب كاسانو في رأسه، بينما يُجري الأخير مقابلة مع التليفزيون عقب الفوز بالسكوديتُّو مع ميلان للمرة الأولى في سبع سنوات عجاف، أو يفاجئ صديقه مورينيو، المنهمك في حوار مع الكاميرا من الملعب، ويخبطه من الخلف وهو منحنٍ كما يفعل الصغار، ثم يقوم ليحتضنه على الهواء ويضحكان. يضع حذاءه على رأس زميله في باريس سان جيرمان، الفرنسي «زومانا كامارا»، على مقاعد البدلاء، أو يُزجي وقته على الدكة بإضحاك طبيب الفريق.

ليس زلاتان ذاك النوع من اللاعبين الذين يولدون في النادي ويموتون فيه. إبرا ليس جيرارد ولا توتي ولا مالديني ولا غيغز ولا بويول ولا سكولز، إبرا يحب التجارب الجديدة، لم يبقَ مع فريق أكثر من أربعة أعوام. تنقَّل بين عظماء أوروبا، بل كان أحد تسعة لاعبين فقط ارتدوا قمصان الأندية الثلاثة الأكبر في الدوري الإيطالي، يوفنتوس وميلان وإنتر، على رأسهم الأسطورة جوزيبي مياتزا.

منذ مغادرته السويد إلى هولندا عام 2001، فاز زلاتان بالدوري مع كل الفرق التي لعب لها؛ ثلاث عشرة بطولة دوري خلال ستة عشر عامًا، أليس هذا شيئًا ما؟

2- يعرف قدر نفسه: «كأس العالم من دوني لا يستحق المشاهدة»

ليس من الضروري أن يصاحب الموهبة تواضع. لسنا ملائكة، وبالتأكيد ليس زلاتان كذلك. حين انتقل إلى برشلونة استقبلوه كالفاتحين. كان قد صنع مجده الشخصي قبلها بالفعل، لكن جسده ارتعش لمرأى 60 ألف مشجع يرددون اسمه في استاد «كامب نو». لم يحضر هذا العدد لاستقبال صامويل إيتو، لم يحضروا عندما اشترت كتالونيا رونالدينيو. بدت الأمور في طريقها إلى أن تصير رائعة، لكن هذا لم يكن رأي غوارديولا.

لم يفهمه المدير الفني الإسباني، بالأحرى لم يتقبَّل وجوده. كان بالنسبة إليه لحنًا نشازًا، شعرة نافرة، ينعق خارج السَّرب، يخلُّ بتناغم المجموع. حاول أن يصلحه، لكن ذلك كان كمثل تقويم شجرةٍ عتيقةٍ راسخةٌ جذورُها بربطها إلى عصا مكنسة. كانا شديدي التنافر: الإسباني «ناظر مدرسة» ببدلة مكويَّة ولغة راقية، وإبرا هو ذاك المراهق الذي يقلِّد المعلم كلما أولاه ظهره. لم يكن يفعل ذلك إلا لأنه أمر مضحك، وهو يحب الضحك . قبل ذلك قال: «حين تشتريني، فإنك تقتني سيارة فيراري»، وغوارديولا ابتاع الفيراري، لكنه قادها «كأنها فيات».

في إحدى مبارياته مع باريس سان جيرمان في الدوري الفرنسي، شاهد الملايين الحكم يكاد يجن وهو يشير إليه أن يقترب ليحذِّره بعد ارتكاب خطأ، وإبرا يواصل التراجع بظهره غير مبالٍ، والحكم ينادي ويشير بيده: «تعالَ»، لكن، في الحقيقة، لم يذهب زلاتان إلى الحكم أبدًا في ذلك اليوم، خطواته كانت إلى الخلف، والحكم هو من مشى إليه.

3- لا ييأس: «يمكنني أن أؤدي جيدًا في الأحد عشر مركزًا على المستطيل الأخضر»

المدرب الهولندي المخضرم «ليو بنهاكر»، الذي كان يشرف على فريق الكرة في أياكس وقتها، قال له: «إذا عبثت معي سأقضي عليك، سأُنهي مهنتك كلاعب كرة». الذي حدث أن إبرا قضى موسمًا قاسيًا للغاية مع الفريق. كان شابًّا يانعًا قادمًا لتوِّه من السويد ولا يعرفه أحد. المصري ميدو كان أصبى منه وأكثر فعالية على المرمى، فجلس احتياطيًّا في أغلب الأوقات. في هولندا، الجمهور لا يأتي إلى الاستاد لتشجيع الفريق، بل للتأكد من أن اللاعبين يؤدون بصورة جيدة ، وبعد بضع مباريات سيئة لزلاتان، بدأ المشجعون في إطلاق صافرات الاستهجان ضده.

كان يركض باتجاه أصدقائه ويصرخ، يصرخ كما لم يفعل قبلًا.

عقب انتهاء الموسم، فكر المدير الفني للفريق، «رونالد كومان»، في بيعه للاستفادة من المقابل المادي وتعويض الملايين التسعة التي دفعها النادي ثمنًا له، لكن زلاتان انفجر في الموسم التالي وبدأ في كتابة أسطورته الخاصة، التي استمرت حتى اللحظة.

لعب إبرا أساسيًّا في أولى مباريات الموسم، فقط لأن «فان در فارت» أصيب وميدو أُبعِد. كانت مباراة في دوري أبطال أوروبا، الأولى له في «التشامبيونز ليغ». حجز يومها لأصدقائه أماكن مميزة في المدرجات، وعندما أحرز هدفين جُنَّ جنونه. كان يركض باتجاه أصدقائه ويصرخ، يصرخ كما لم يفعل قبلًا، وفي تلك الليلة رددت مدرجات أياكس اسمه للمرة الأولى.

4- لعِّيب.. على غير العادة: «أنا كالنبيذ: كلما تقدمت في العمر صرتُ أفضل»

اعتدنا أن اللاعبين ذوي المهارات العالية يكونون غالبًا قصار القامة، وزلاتان شذَّ عن القاعدة كعادته. مع طوله الفارع (195 سنتيمترًا)، القاعدة أن يكون هدَّافًا يجيد التسجيل برأسه والتسديد بقدميه، لكنه ليس مهاجمًا من النوع الذي يتقن فقط ختم هجمات فريقه داخل شباك الخصوم ، ليس راؤول أو دروغبا أو إنزاغي، بل إنه بارع كذلك في المراوغة وإذلال المدافعين بحركات قدميه، ويستفيد من حصوله على الحزام الأسود في التايكوندو، حين كان عمره سبعة عشر عامًا، في إحراز أهداف يعجز سواه عن تسجيلها.

ربما يكون أعظم تلك الأهداف هو الذي أحرزه في مرمى «جو هارت»، حارس المنتخب الإنجليزي، خلال مباراة ودية عام 2012 مع السويد. لم يكن المثير في تلك الليلة أن سجَّل إبراهيموفيتش رباعية في شباك إنجلترا، ولا أن رابعها كان بضربة خلفية مزدوجة، بل أن قدم زلاتان ارتفعت مترين في الهواء، لتسدد الكرة في المرمى مِن على بُعد أكثر من 20 مترًا.

هدف زلاتان الرابع في مرمى إنجلترا

5- رجلٌ بسيط طيب: «أفرح حين أساعد فريقي على الفوز»

يصدِّر زلاتان على الدوام انطباعًا بأنه عصبي، مغرور، مشاكس، يحب إحراج الآخرين، وهو كذلك بالفعل، لكن ماذا تتوقع ممَّن تربى مع أبٍ سكِّير فقير مطلَّق، واعتاد السرقة في طفولته؟ هل يصير عالم ذرَّة؟ بل أخذ بموهبته إلى الطريق الصحيح، فصار واحدًا من ضمن الأفضل في تاريخ اللعبة.

يخفي إبراهيموفيتش تحت القشرة المغرورة قلبًا نظيفًا، يهتم لأمر الناس ويسعى في مصالحهم، وليست الوشوم التي تملأ جسده إلا مثالًا على ذلك؛ إذ وضع الرجل 15 اسمًا لأشخاص يعانون الفقر على صدره وبطنه وظهره وذراعيه ليساند برنامج الأمم المتحدة للغذاء. «كان بودِّي أن أكتب كل الأسماء، لكن هناك 805 ملايين شخص يعانون الجوع في العالم».

لمَّا يُخطئ، يعتذر، لا يكابر.

عندما يطلق زلاتان تصريحًا مغرورًا، فإنه يلهو، هكذا ببساطة. هو الذي زعم أنه إله كرة القدم، وهو نفسه من أكد أنه «لا يوجد شخص كامل، حتى أنا».

عقب انتهاء آخر مبارياته مع مالمو قبل الرحيل إلى أياكس، سأله أحد المشجعين الصغار أن يعطيه الشورت الخاص به، فخلعه ببساطة ومنحه إياه. لم يفعلها مرة واحدة، بل كررها عقب مباراة بلاده ضد جزر فارو في تصفيات كأس العالم 2014.

لمَّا يُخطئ، يعتذر، لا يكابر. بعد مشاجرته مع زميله في ميلان، المدافع الأمريكي الضخم «أوجوتشي أونيوو»، تأسَّف إبراهيموفيتش لأدريانو غالياني، نائب رئيس النادي. أكد أنه أخطأ، ولا يحب إلقاء اللوم على الآخرين، ليس هذا من شِيَم الرجال. قال له إن بوسعه أن يعاقبه ما شاء، لكن غالياني، الخبير بقراءة الرجال، لم يفعل: «هذا ميلان، وهنا لا نعمل بتلك الطريقة. لقد اعتذرتَ، والآن نمضي قُدُمًا».

زلاتان مع غالياني لدى وصوله إلى ميلان

إنه رجل بسيط وغير متكلِّف، لا يخادع أو يناور، ذكي، لكنه يقول ما يشعر به ببساطة . في 2004 واجه هولندا مع منتخب بلاده. كان متوترًا وبدا كأنما يحاول إثبات شيء ما أمام زملائه في فريق أياكس. كانت مباراة ودية لكنه قاتل كأنه نهائي كأس العالم. في كرة مشتركة أمام منطقة الجزاء، اصطدمت قدمه بقدم قائده في الفريق الهولندي فان در فارت، خلال محاولته الاحتفاظ بالكرة. أكمل أحد اللاعبين السويديين اللعبة هدفًا، ووقع فان در فارت أرضًا يتألم، وزلاتان احتفل ولم يُعِره انتباهًا.

زلاتان يرغب في الفوز دومًا، بغض النظر عمَّا إذا كان يلعب مباراة مهمة في الدوري أو تقسيمة عادية خلال التمرين.

لدى عودته لم يكذب، صارح الهولندي بأنه لم يقصد أن يصيبه، لكنه حذره من أنه إن استمر في اتهامه بذلك، فسيكسر قدميه الاثنتين في المرة المقبلة. المشجعون كانوا متحفزين ضده في مباراة أياكس التالية، وسُمعت صافرات الاستهجان في الاستاد كلما لمس الكرة. في تلك المباراة أحرز زلاتان هدفين ولم يحتفل، ثم سجَّل الثالث الأسطوري الشهير. كان هدفًا تعجيزيًّا، وانفجر المشجعون يصرخون باسمه.

قال عنه الإنجليزي ديفيد بيكهام، الذي زامله لعام واحد في باريس سان جيرمان: «زلاتان يرغب في الفوز دومًا، بغض النظر عمَّا إذا كان يلعب مباراة مهمة في الدوري، أو حتى تقسيمة عادية خلال التمرين. إنه رجل رائع، وأحد أعظم من مارسوا كرة القدم. فخور بأني كنتُ جزءًا من عالمه، حتى لو كان ذلك لفترة قصيرة».

بيكهام يتحدث عن زلاتان خلال تسلمه جائزة أفضل لاعبي السويد للمرة الحادية عشرة

6- لا يندم: «لن أنظر إلى الماضي وأقول: ما كان عليَّ الذهاب إلى إنجلترا»

زلاتان يحب المغامرات، وكل فريق لعب له كان مغامرة. لا يهتم إذا كانت خاسرة أم رابحة، لأن الهدف من المغامرات هو الاستمتاع وفقط، وإبرا يعرف كيف يستمتع. لمَّا رفض الخضوع لاختبارات أمام «آرسين فينجر» في آرسنال، كان شابًّا وأمامه كل الخيارات متاحة. ربما فعل الشيء الصحيح وقتها، وربما لم يفعل، لكنه لم يندم على قراره، وبالمثل لن يندم على الانضمام أخيرًا لمانشستر يونايتد، وبخاصةٍ مع وجود صديقه مورينيو على رأس الجهاز الفني.

يقدم إبرا ذو الخمسة وثلاثين عامًا أداءً جيدًا بقميص الشياطين الحُمر حتى الآن، لكن الفريق يعاني في الدوري الإنجليزي. بالتأكيد لن يكون مانشستر آخر محطاته، هذا هو أسلوبه، يجوِّل إبراهيموفيتش في الأنحاء ويغزو البلد الذي يعجبه «مثلما فعل نابليون في أوروبا». ماذا ستكون وجهته المقبلة؟ ربما يعبر الأطلنطي ليغزو أمريكا كما فعل مَن قبله، وربما لا يفعل، لن تتمكن أبدًا من توقُّع ما قد يقوم به زلاتان.

مواضيع مشابهة