«أنت ضحية مجتمع فاشي»، ربما سمعتَ هذه العبارة يومًا في أثناء نقاش مع أحد الأصدقاء يصف نفسه بالمثقف، أو في برنامج هنا أو فيلم هناك. من يستخدمون كلمة «فاشية» يقصدون بها غالبًا اتهام الأنظمة الحاكمة بالديكتاتورية والتسلُّط والقمع، وغيرها من مرادفات كبت الحريات، إلا أنك إن تعمقت أكثر في معاني الفاشية ستجد أنها أسلوب حياة أكثر منها حركة سياسية.
«بينيتو موسوليني» (Benito Mussolini)، أحد أشهر مؤسسي الحركة الفاشية الإيطالية، حدد خلاصة الفكر الفاشي في أن القوة وحدها هي وسيلة فرض القانون وترسيخ أركان نظام الحكم، وليست إرادة الشعب.
لكن المفهوم الحقيقي للفاشية كحركة ومذهب سياسي كما يراه كبار الكتاب، مثل «أمبيرتو إيكو» (Umberto Eco)، يتسع ليشمل النظام الاقتصادي كذلك؛ إذ يهتم بالنقابات العمالية ويشدد على أن يكون أعضاؤها جميعًا من أبناء الحزب الفاشي فقط، وهو ما يتماشى مع مبدأ الدولة الشمولية، أي ذات الحزب الواحد.
«أمبرتو إيكو»، أحد أشهر فلاسفة وكُتَّاب إيطاليا المعاصرين، يرى أن الفاشية رغم كونها نظامًا ديكتاتوريًّا فإنها لا تصلح لفكرة الدولة الشمولية ذات الحزب الواحد، ويستدل على رأيه بأن الفاشية الإيطالية كانت بلا فلسفة واضحة، بل أيديولوجية ضعيفة لا ترقى لمستوى الدولة الشمولية، وكل ما نجحت فيه أن يكون لها نمط خاص بها في الملابس، وتحديدًا القمصان السوداء.
يتعجب «إيكو» من أن مصطلح الفاشية أصبح مستخدَمًا كصفة لكل الحركات الشمولية على اختلافها، ويرى أنه أكثر غموضًا من ذلك، إذ يتكون من شبكة معقدة من الفلسفات والأفكار السياسية التي قد تكون متناقضة فيما بينها.
يؤيد واقع عالمنا العربي رأي «إيكو»، فنجد كثيرًا من معارضي أنظمة الحكم العربية ينعتونها بالفاشية دون معرفة حقيقية بسمات هذا الفكر السياسي.
للخروج من هذا الإشكال، حدد «أمبرتو إيكو»، في مقال نشره عام 1995، 14 صفة تميِّز الحركة الفاشية، لا تصلح للاجتماع في نظام واحد لأن بعضها يناقض بعضًا، لكن وجود واحدة من تلك الصفات يكفي أساسًا لتكوين مجتمع فاشي، وهذه الصفات هي:
1. إعلاء التقاليد
يمكن لأي مُطَّلع على منهج الحركات الفاشية أن يلفت نظره اهتمام كبار مفكريها بالتقاليد التراثية، وتشترك النازية معها في هذه السمة؛ إذ تقوم روحها على تقديس التقاليد المتوَافق عليها بين المفكرين.
2. رفض الحداثة
تنظر الأنظمة الفاشية إلى التنوير وعصر إعمال العقل على أنه بداية عصر الفساد واللاعقلانية.
3. تقديس الأفعال
4. الخلاف خيانة
تؤمن الفاشية بأن النقد لا يبني؛ بل يتسبَّب في التفرقة، بعكس المجتمع الحديث الذي يشيد بالخلاف باعتباره وسيلة لتطوير المعرفة.
5. الخوف من الاختلاف
المطلب الأول لأي حركة فاشية هو اضطهاد المختلفين، وبذلك يمكن اعتبار الفاشيين عنصريين إلى حدٍّ كبير.
6. مخاطبة الطبقة الكادحة
أحد أهم سمات الفاشية مخاطبتها الطبقة الوسطى الكادحة، التي تتأثر بالأزمات الاقتصادية بشدة وتعاني القمع السياسي والتهميش الاجتماعي.
7. نظرية المؤامرة
الخوف من المؤامرات هاجس دائم لدى أتباع الفاشية، ولعلاجه يلجأون إلى الدعوة لكراهية الأجانب.
اقرأ أيضًا: الوصفة الصينية لترويج القمع
8. العدو قوي وضعيف في الوقت نفسه
من التناقضات الواضحة التي أظهرتها التحولات في الخطاب الفاشي، اعتبار أن العدو ذاته يمكن تارةً أن يكون غايةً في القوة، وفي منتهى الضعف تارةً أخرى.
9. لا تَصالُح مع العدو
يرى الفاشيون أن التصالح مع العدو صفقة مشبوهة، وأن النضال ضده فكرة دائمة الحضور، فهم لا يناضلون من أجل الحياة، بل يعيشون لأجل النضال.
10. احتقار الضعفاء
تفضيل نُخبة معينة والنظر إلى أفرادها على أنهم أعلى من غيرهم سمة مميزة لكل الأيدولوجيات الرجعية، والفاشية على رأسها.
11. كلهم أبطال
يُؤهَّل كل شخص في الحزب الفاشي ليكون بطلًا، فالبطولة في الفاشية هي القاعدة العامة وليست الاستثناء، ويتفق تقديس البطولة مع عشقهم للموت.
12. الذكورية
هذا يقتضي ازدراء المرأة وإدانة جميع الممارسات الجنسية غير التقليدية ومهاجمتها، بدايةً من قَصْرِ الجنس على علاقة الزواج وحتى محاربة المثلية الجنسية.
13. الشعبوية الانتقائية
تعني أن يعتمد القادة على الخطب الحماسية العاطفية التي تؤجج المشاعر دون إعطاء معلومات وبيانات تخاطب العقول؛ بهدف توجيه قوى الشعب وكسب تأييدها، كما يمكن استخدام وسائل الإعلام الحديثة والإنترنت في عصرنا للغرض ذاته.
14. اللغة الخيالية
يستخدم الخطاب الفاشي اللغة الخيالية أو ما يُعرف بـ(Newspeak) في الكتب المدرسية؛ أداةً لتحجيم حرية الفكر والقضاء على روح التفكير الناقد، الذي يخالف فكر الفاشية بطبيعة الحال.
يمكن من السمات الأربعة عشرة التي حددها «إيكو» الوصول إلى أن روح الجمود والتعصب تهيمن على الفاشية؛ إذ تدور معظم الصفات عن رفض الآخَر، سواءً كان آخر مختلفًا في الجنس أو الفِكر، بالإضافة إلى تقديس القوة ورفض أي مظهر ضعف، وكذلك رفض أي فرصة لإحلال السلام مع العدو.
هذه كلها صفات لا تصلح لإقامة دولة متقدمة، تقوم على التسامح والعدل والمساواة وتقبل الآخَر، وتسعى للتطور المستمر واحتضان الحداثة.