دَعْ عَـــنْــكَ لَــوْمِــي فَــإِنَّ اللَّــوْمَ إِغْــرَاءُ.. وَدَاوِنِــي بِــالَّــتِــي كَــانَــتْ هِــيَ الــدَّاءُ
هذا البيت للشاعر أبو النواس، وبغض النظر عما كان يقصده في هذا البيت الشعري، إلا أن عبارة "داوني بالتي كانت هي الداء"، تشير إلى أن العلة أو المرض يمكن أن يستخرج منها علاج ودواء يشفي من تلك العلة.. هذا بالضبط ما نجح في تأكيده علماء بحثوا مطولاً لعلاج لأحد أخطر أنواع السرطان، إلى أن وجدوا ما يبحثون عنه
فقد اكتشف باحثون بجامعة ولاية أوريغون، مركبات تعمل على تحويل بروتين معروف بقدرته على حماية الخلايا السرطانية إلى قاتل للأورام، يعني أن هذا البروتين بدل أن يوفر حماية للخلايا السرطانية، سيعمل على تدميرها بشكل مباشر.
المُركب الجديد المكتشف يعمل على تحويل بروتين Bcl-2 الذي كان يحمي الخلايا السرطانية إلى قاتل مأجور مهمته قتل الخلية المسرطنة بدل حمايتها
ويقول العلماء إن النتائج التي توصلوا إليها، والتي استغرقت عدة سنوات من العمل، تفتح الباب أمام علاجات واعدة لسرطان الثدي وغيره من الأورام الخبيثة التي تعتمد خلاياها على بروتين Bcl-2، للتهرب من العلاج وتطوير مقاومة للأدوية.
وأكد أستاذ العلوم الجزيئية في جامعة ولاية أوريغون، سيفا كولوري، أن "أهم مسار في أبحاث السرطان هو العثور على هدف جزيئي يلعب دورًا رئيسيًا وأساسيًا في نمو الخلايا السرطانية، والذي يمكن الوصول إليه دون التسبب في آثار جانبية، أي دون التأثير على الخلايا العادية، حيث تعمل الخلايا السرطانية على اختطاف أحد المسارات التي تتحكم في معدل انتشار السرطان، وبالرغم من أنه يتم إعادة تدوير العديد من الخلايا من خلال عملية موت الخلايا المبرمجة، إلا أن الخلايا السرطانية تعمل على تحييد المسارات التي تقتل الخلايا، مما يسمح لها بالنمو خارج نطاق السيطرة وفي كثير من الحالات تنتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم".
البروفيسور سيفا كولوري
أستاذ العلوم الجزيئية في جامعة ولاية أوريغون
أفضل وأسرع طريقة لحجز موعد مع طبيب عبر منصة داوي إضغط هنا
بروتين Bcl-2
ويقول البروفيسور كولوري، "إن بروتين Bcl-2 هو بروتين مضاد لموت الخلايا المبرمج، ينتج بمستويات أعلى في بعض خلايا السرطان، وقد استخدمه العديد من الباحثين في مجال الأدوية كهدف، وقد نجح تثبيط بروتين Bcl-2 في علاج بعض أنواع سرطان الدم، ولكن ليس في علاج أنواع السرطان الصلبة مثل سرطان الثدي".
ويضيف كولوري: "الخلايا السرطانية ذكية للغاية، فهي تكتشف طرقًا للبقاء على قيد الحياة، العديد من العلاجات تعمل لفترة من الوقت. لكن الأمر أشبه بإيقاف سيارة، ثم تعود تلك السيارة لتتحرك مرة أخرى، لكن من خلال تجربنا هذه نحن هنا نزيل العجلات من السيارة تمامًا، لقد استخدمنا نفس مسار Bcl-2، ولكننا توصلنا إلى اكتشاف جديد بشكل أساسي وهو تغيير كيفية عمل هذا البروتين حتى يبدأ في قتل الخلايا السرطانية".
تضمن البحث الذي قاده كل من البروفيسور سيفا كولوري، والبروفيسورة كريستيان لور، أستاذة علم الأمراض التشريحي في كلية كارلسون للطب البيطري، دراسة سرطان الثدي الثلاثي السلبي الذي يعتبر أحد أكثر أشكال سرطان الثدي عدوانية في خلايا مزورعة داخل مختبر، وأيضاً استخدموا الفئران في تجاربهم.
أفضل وأسرع طريقة لحجز موعد مع طبيب عبر منصة داوي إضغط هنا
مراحل البحث
يصف البحث الأول الذي نُشر في مجلة Cancer Research Communications، كيف قام العلماء باكتشاف واختبار مركب جديد يغير شكل جزيء Bcl-2، ويكشف التغيير عما أطلقوا عليه اسم "التكوين القاتل" لجزيء Bcl-2، والذي يؤدي إلى موت الخلايا.
وتُظهِر الدراسة الثانية التي نُشرت في مجلة ACS Pharmacology & Translational Science، أن مركبًا آخر يحفز موت خلايا سرطان الثدي في الخلايا المزروعة في المختبر، كما نجح هذا المكرب في منع انتشار سرطان الثدي إلى الرئة عند تطبيقه على الفئران، مع العلم أن الرئتين هي الموقع الأساسي الذي ينتشر إليه سرطان الثدي ويصبح عندئذ قاتلاً.
وتقول كريستيان لور: "هذا أمر واعد للغاية لأن العديد من أنواع السرطان النقيلي تحتوي على مستويات عالية من بروتين Bcl-2، كما أن زيادة مستويات بروتين Bcl-2 شائعة أيضًا في السرطان الذي أصبح مقاومًا للعلاجات"
إقرأ أيضاً:
• هل صحيح أن تناول السكريات يسبب فرط الحركة عند الأطفال؟
الخلايا السرطانية ذكية للغاية، فهي تكتشف طرقًا للبقاء على قيد الحياة، العديد من العلاجات تعمل لفترة من الوقت، لكن الأمر أشبه بإيقاف سيارة، ثم تعود تلك السيارة لتتحرك مرة أخرى، لكن من خلال هذه التجربة فالعلماء قاموا بإزالة عجلات من هذه السيارة لذا فالخلايا السرطانية لن تعود للحياة
البروفيسورة كريستيان لور
أستاذة علم الأمراض التشريحي في كلية كارلسون للطب البيطري
نهج مختلف
إن تغيير تكوين Bcl-2 واستخدام هذا المسار لقتل الخلايا هو نهج مختلف تمامًا عما تم تجربته من قبل، وبالتالي فتغيير وظيفة البروتين في الخلية الحية أمر مذهل للغاية، هذا ما يؤكده العلماء
كما أن القدرة على مهاجمة السرطانات التي أفلتت من العلاجات الأخرى، مع ترك الخلايا الطبيعية سليمة، أصبح ممكناً بالفعل وهو ما يعني أن علاج سرطان مستعصي مثل سرطان الثدي، بات ممكنًا.
وجد القائمون على الدراسة، أن نفس البروتين يقتل الخلايا أيضًا، وينتقل من النواة إلى الميتوكوندريا، وهو ما أكده الأستاذ كولوري قائلا: " إن هذه الهجرة تؤدي إلى موت الخلايا حيث يتفاعل هذا البروتين النووي مع Bcl-2 بهذه الطريقة ويتحول Bcl-2 إلى قاتل للخلايا السرطانية".
يعد سرطان الثدي الثلاثي السلبي، الذي سمي بهذا الاسم لأن خلاياه تفتقر إلى ثلاثة مستقبلات محددة موجودة في سرطانات الثدي الأخرى، أحد أكثر أشكال سرطان الثدي عدوانية.
ويشير العلماء إلى أن هذا المرض يمثل ما يقرب من 20% من جميع تشخيصات سرطان الثدي، بما في ذلك 15% من أولئك الذين يعانون من أسوأ التشخيصات.
ويؤكد البروفيسور كولوري، أنهم الآن بصدد البدء في إجراء تجارب بشرية، متوقعين أنها ستنجح وبشكل كبير وسيكون هناك علاج دائم للسرطان.
الدراستان اللتان توصلتا إلى هذه النتائج شارك فيها العلماء التالية أسماءهم:
براساد كوبارابو - من جامعة أوهايو
مارتن بيرس - من جامعة أوهايو
وشانتاكومار تيافاناجيمات - من جامعة أوهايو
هاريكريشنا ناكشاتري - من كلية الطب بجامعة إنديانا
الجهات الراعية للدراستين:
المعهد الوطني للسرطان التابع للمعاهد الوطنية الأميركية للصحة
المعهد الوطني للأغذية والزراعة التابع لوزارة الزراعة الأمريكية
معهد الأبحاث الطبية التابع للجيش الأمريكي