اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، هذا المصطلح أصبحنا نسمعه كثيراً في السنوات الأخيرة، وعلميًا هو اضطراب في النمو العصبي يبدأ في مرحلة الطفولة ويتضمن عادة عدم الانتباه وعدم التنظيم وفرط النشاط والاندفاع مما يسبب مشاكل للشخص المصاب به في محيطين أو أكثر، مثل المنزل والمدرسة.
وفق مستشفى مايو كلينك العالمي، قد يعاني الأطفال المصابون باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط من تراجع الثقة بالنفس، والعلاقات المضطربة، وضعف الأداء في المدرسة أيضًا، وقد تقلُّ الأعراض في بعض الأحيان مع تقدُّم العمر، ومع ذلك، لا يتخطَّى بعض الأشخاص أعراض اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط بشكل نهائي.
رئيسة الجمعية الكويتية لاختلافات التعلم: 60 ألف طالب في الكويت قد يكونون مصابين بصعوبات تعلم واضطرابات انتباه
إحصائيات الخليج
بالنسبة لدول الخليج، هناك إحصائية حديثة نشرت في دراسة جاءت بعنوان: "انتشار اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط لدى الأطفال والمراهقين والبالغين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، وتم نشرها في مجلة BMJ Open المرموقة، وتقول أن معدل انتشار اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه كان مرتفعًا بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ووفق هالدراسة اللي استندت إلى 3 دراسات سابقة فإن معدل انتشار اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في دول الخليج العربي والدول العربية وأفريقيا بين 5.9% و10.5%.
أرقام الكويت
أما بشأن الكويت، فهناك إحصائية صادرة عن معهد القياسات الصحية والتقييم بعام 2019، ومنشورة بموقع world population review المتخصص بالاحصائيات، وتقول أن عدد المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط في الكويت يبلغ 945 شخص لكل 100 ألف نسمة.
رئيسة الجمعية الكويتية لاختلافات التعلم (كالد) آمال الساير، قالت في تصريح سابق لها عام 2022 أن 60 ألف طالب في الكويت قد يكونون مصابين بصعوبات تعلم واضطرابات انتباه، وذلك استنادا إلى احصاء أجرته «كالد» أخيرا، مؤكدة أهمية دعم المصابين بالاضطرابات العصبية، لاسيما الأكثر شيوعا بين الأطفال، وبينها تشتت الانتباه وفرط الحركة، وشددت على أهمية التشخيص والتدخل المبكر الذي يمكن اجراؤه بعمر ثلاث سنوات، فضلا عن الدمج التعليمي والمجتمعي.
إذا أزلنا الشاشات فإن الشخص الطبيعي يستطيع التركيز بشكل أفضل.. في حين أن الشخص المصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه سيظل يعاني من صعوبة في التركيز
وهنا يطرح تساؤل عن طريقة التشخيص الصحيح الذي يكشف عن هذا المرض؟
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية نشرت تقريرًا لطبيب أميركي يدعى دوغلاس تينان، وهو طبيب نفسي متخصص في الأطفال والمراهقين بولاية ديلاوير، الطبيب كشف عن حالة صبي يبلغ من العمر ست سنوات، وأكد أن هذا الولد لم يكن يعاني من اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، والطبيب كان متأكد من هذا التشخيص، لكن معلمة الصبي في الصف الأول لم توافقه الرأي، ورأت أن الطفل مريض.
وهنا يشرح الدكتور دوغلاس، كان من الممكن أن يكون الطفل غير منتبه في الفصل، لكن سلوكه في المنزل لم يكن غريبًا بالنسبة لطفل في مثل عمره. كان قارئًا نهمًا، وأخبر الدكتور تينان أنه يحب إحضار كتبه إلى المدرسة لأن الكتب الموجودة في الفصل كانت سهلة للغاية.
قال الدكتور تينان "إن ما لم تأخذه معلمته في الاعتبار هو أن الطفل على الأرجح موهوب أكاديميًا، كما كانت والدته عندما كانت طفلة".
في الأخير، أظهرت الاختبارات الإضافية أن الدكتور تينان كان على حق، لم يكن الطفل غير منتبه في المدرسة بسبب اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، بل كان بسبب الملل.
تداخل الأعراض
أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ــ لدى الأطفال والبالغين على حد سواء ــ قد تتداخل مع عدد كبير من السمات والاضطرابات الأخرى.
وفي واقع الأمر، تعد صعوبة التركيز واحدة من أكثر الأعراض شيوعاً المدرجة في الدليل التشخيصي للجمعية الأميركية للطب النفسي، وهي مرتبطة بـ 17 تشخيصاً، وفقاً لدراسة نشرت في أبريل الماضي.
يحتاج المرضى إلى تقييم دقيق لتجنب التشخيص الخاطئ لاضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أو عدم تشخيصه، وهنا بعض الأعراض والمشكلات الشائعة التي يمكن أن تحاكي اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة
تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم مستخدمين كثيفين للتكنولوجيا الرقمية.. هم أكثر عرضة للإبلاغ عن أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
اضطرابات السلوك والمزاج
يمكن أن تظهر حالات الصحة العقلية مثل القلق أو الاكتئاب أو اضطراب المعارضة والتحدي في صورة أعراض تشبه أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
ويقول ماكس ويزنيتزر، طبيب أعصاب الأطفال في مستشفى رينبو بيبيز آند تشيلدرن في كليفلاند، وخبير في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إن هذه الأعراض قد تشمل الافتقار إلى التركيز أو الدافع، أو التصرف بشكل عاطفي، أو صعوبة في التخطيط ومتابعة المهام.
إقرأ أيضاً:
• كيف أتخلص من إدمان السجائر الإلكترونية.. قبل فوات الأوان؟
وهذا ينطبق على كل من البالغين والأطفال، ومن بين مرضى الدكتور ويزنيتزر، فإن القلق هو الذي يتم الخلط بينه وبين اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في أغلب الأحيان.
ويجيب الدكتور ماكس ويزنيتزر على السؤال الذي يقول: "هل يستطيع الشخص الذي يعاني من القلق التركيز؟" بالقول: "حسنًا، لا. إن سبب ضعف التركيز ليس هو نفسه اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، لكن النتيجة النهائية هي نفسها".
ولجعل الأمور أكثر تعقيدًا، من الشائع أن يعاني الأشخاص المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه من اضطراب سلوكي أو مزاجي أيضًا.
إن تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى البالغين قد يكون أكثر صعوبة لأن لديهم تاريخ حياة أطول.. مما يعني عددًا أكبر من العوامل المعقدة
استعمال المواد المخدرة لفترة من الزمن
يمكن أن يؤدي الإفراط في تعاطي المواد إلى نقص التركيز وكذلك فرط النشاط، من بين قضايا أخرى. إذا كان شخص ما يستخدم المخدرات لسنوات ثم اشتكى إلى الطبيب من انخفاض في القدرة الإدراكية - مثل صعوبة الانتباه أو الاحتفاظ بالمعلومات أو تذكر الأشياء - فمن الأهمية بمكان النظر في المدة التي عانى فيها الشخص من هذه الأعراض، كما قال الدكتور ديفيد دبليو جودمان، أستاذ مساعد في الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز.
وأضاف "أنه إذا لم تكن الأعراض موجودة قبل سن 12 عامًا، فلن يستوفي المريض معايير تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه".
وجدت دراسة أجريت عام 2017 أن حوالي 95% من المشاركين الذين ظهرت عليهم لأول مرة أعراض تشبه أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في سن 12 عامًا أو أكثر لم يصابوا بهذا الاضطراب، على الرغم من ظهور نتائج إيجابية في قوائم الأعراض.
ومن بين أولئك الذين ظهرت عليهم أعراض ضعف، كان السبب الأكثر شيوعًا هو الإفراط في تعاطي المخدرات، يليه اضطرابات مثل الاكتئاب والقلق.
مشاكل النوم
يحتاج البالغون ما بين سبع إلى تسع ساعات من النوم كل ليلة، ويحتاج المراهقون والأطفال الصغار إلى المزيد من النوم، ولكن وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، فإن أكثر من ثلث البالغين في الولايات المتحدة - وحوالي 77 بالمائة من طلاب المدارس الثانوية - لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم.
وأشارت الدراسات إلى أن الحرمان من النوم يؤثر سلباً على قدرة الشخص على التفكير بوضوح وأداء مهام معينة، كما يمكن أن يؤثر سلباً على الحالة المزاجية.
وجدت إحدى الدراسات الكبيرة أن الأشخاص الذين ينامون عادة ما بين ثلاث إلى ست ساعات كان أداؤهم أسوأ في الاختبارات الإدراكية التي تقيس قدرة الدماغ على الاحتفاظ بالمعلومات وطول الوقت الذي يستغرقه إنهاء مهمة ما، تحاكي هذه الإعاقات أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه الشائعة مثل الخمول العقلي أو النسيان أو عادة ترك المهام غير مكتملة.
التشتيت الرقمي
إن أي شخص يمتلك هاتفًا ذكيًا يغمره باستمرار الرسائل النصية والإشعارات وفرص التمرير - وقد نشعر وكأن انتباهنا يتحول باستمرار أو أن قدرتنا على التركيز قد تقلصت. لكن هذا لا يعني أننا جميعًا مصابون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة
ويقول الدكتور جودمان "إنه إذا أزلنا الشاشات، فإن الشخص الطبيعي يستطيع التركيز بشكل أفضل، في حين أن الشخص المصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه سيظل يعاني من صعوبة في التركيز حتى عند إزالة أي عوامل تشتيت خارجية".
تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم مستخدمين كثيفين للتكنولوجيا الرقمية، هم أكثر عرضة للإبلاغ عن أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ، ولكن ليس كل المستخدمين الكثيفين يعانون من هذا الاضطراب.
التدافع إلى الإنترنت للحصول على تشخيص سريع ووصفة طبية عند الشك في الإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.. خطأ جسيم
الظروف الجسدية والضغوط الخارجية
يقول الخبراء والباحثون الذين يركزون على الاضطراب إنه من المهم الحصول على تقييم طبي قبل تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، لأن هناك مجموعة واسعة من الأمراض التي يمكن أن تخلق أعراضًا تشبه أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، مثل عدم الانتباه أو مشاكل الذاكرة أو ضباب الدماغ، مما قد يجعل الناس يشعرون بالخمول وسهولة تشتيت الانتباه والنسيان.
وتشمل بعض الأمثلة إصابات الدماغ، والحالات المزمنة مثل الألم العضلي الليفي أو متلازمة عدم انتظام ضربات القلب الوضعي، أو مرض السكري، أو مشاكل القلب، أو اضطرابات الغدد الصماء مثل قصور الغدة الدرقية.
يمكن أن يؤدي التوتر - سواء المزمن أو الحاد - أيضًا إلى محاكاة اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، مما يؤدي إلى صعوبة في التخطيط والتنظيم الذاتي.
كيف تعرف إذا كان هذا هو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه فعلاً؟
يتطلب التشخيص الصحيح لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه عدة خطوات:
• مقابلة مع المريض
• التاريخ الطبي والتنموي
• استبيانات لمعرفة الأعراض الصحيحة
• وإذا أمكن، محادثات مع أشخاص آخرين في حياة المريض، مثل الزوج أو المعلم
مع العلم أن الاستبيانات وحدها لا تكفي، فقد وجدت إحدى الدراسات أنه عندما قام البالغون بملء مقياس اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، تم تشخيصهم في كثير من الأحيان على أنهم مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، حتى عندما لم يكونوا مصابين به.
وتقول مارغريت سيبيلي، أستاذة الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة واشنطن في سياتل، "إن تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى البالغين قد يكون أكثر صعوبة لأن لديهم تاريخ حياة أطول، مما يعني عددًا أكبر من العوامل المعقدة، بالإضافة إلى ذلك، لا توجد إرشادات ممارسة سريرية أمريكية لتشخيص وعلاج المرضى بعد مرحلة الطفولة".
خبراء: التشخيص الطبي ضروري.. لكن عليك أن تكون حذرًا لأنه إذا أخطأت في تشخيص أعراضك فقد يفوتك الحل الصحيح لمشاكلك
وقد دفع هذا بعض المرضى إلى التدافع عبر الإنترنت للحصول على تشخيص سريع ووصفة طبية، ويحاول آخرون كشف أعراضهم من خلال البحث عن الاضطراب على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتضيف الدكتورة سيبيلي: "هناك حركة نحو التشخيص الذاتي والتساؤل عما إذا كان التشخيص الطبي ضروريًا، لكن عليك أن تكون حذرًا، لأنه إذا أخطأت في تشخيص نفسك، فقد يفوتك الحل الصحيح لمشاكلك".
في النهاية، يعد الحصول على تقييم شامل هو أفضل طريق، وتقترح الدكتورة سيبيلي البدء بمقدم رعاية أولية ثم البحث عن متخصص في الصحة العقلية.
أما الدكتور تينان فيقول: "إنه يفترض عادة أن المريض لا يعاني من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ثم يحاول النظر إلى كل شيء آخر قد يكون سببًا للأعراض"، ويضيف: "إذا رأيت أدلة قوية على القلق والاكتئاب واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، يجب أن أسأل، ما الذي يحدث هنا؟"