في 14 يوليو 2017، توفيت الإيرانية مريم ميرزاخاني، أستاذة الرياضيات في جامعة ستانفورد الأمريكية، والمرأة الوحيدة التي حازت ميدالية «فيلدز» في مجال الرياضيات، وهي جائزة معادلة لجائزة نوبل في المجالات الأخرى.
وفي غضون ساعات قليلة من وفاتها، كان اسمها بالفارسية والإنجليزية هو الهاشتاغ الذي يتصدر تطبيقي فيسبوك وتويتر، وكانت وكالات الأنباء الكبرى تغطي نبأ وفاتها وتتحدث عن إنجازاتها العلمية الكثيرة.
ويتعقب مقال منشور على موقع «The Conversation» بعضًا من إسهامات ميرزاخاني في مجال الرياضيات، ويلقي الضوء على شخصيتها الملهمة.
تحقيق المعادلة الصعبة: العبقرية والتواضع
تقول كاتبة المقال إن وفاة ميرزاخاني بعد صراع مع سرطان الثدي، الذي كان قد انتشر في عظامها، سببت صدمة كبيرة لجيل من الأكاديميين الشباب الذين اتخذوا مريم قدوة، فقد عملت على إعادة تشكيل دور المرأة في مجالات العلوم، خصوصًا الرياضيات.
كانت مريم أول إيرانية تشترك في الأولمبياد الدولي للرياضيات، وحصلت فيه على ذهبيتين في عامين متعاقبين.
ابتعدت مريم دومًا عن أضواء الإعلام، واتسمت بتواضع وبساطة مثيرَين للإعجاب رغم أنها المرأة الوحيدة التي فازت بجائزة بحجم فيلدز، التي تُمنح كل أربعة أعوام لعدد من اثنين إلى أربعة علماء رياضيات من الشباب دون الأربعين.
تحكي الكاتبة، وهي إيرانية أيضًا، أنها لم تلتقِ مريم شخصيًّا، غير أنها مثل أقرانها من الإيرانيين في المجال الأكاديمي رأت في مريم نموذجًا دالًّا على أن العالم يمكن أن يرحب بإسهاماتها العلمية دون النظر إلى لون بشرتها أو جنسيتها أو دينها.
اجتهاد صنع تقدمًا واثقًا رغم صعوبة المعطيات
حصلت مريم ميرزاخاني على ميدالية فيلدز عام 2014، وهي الجائزة الأهم في مجال الرياضيات، تقديرًا لجهودها في مجال الهندسة الزائدية.
تخفي ملامح ميرزاخاني الهادئة وابتسامتها الدافئة شخصية محاربة، فقد عاشت وأسرتها التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تلت الثورة الإيرانية في عام 1970، وعاصرت حرب العراق وإيران التي استمرت ثمانية أعوام.
كانت مريم ترغب في أن تصبح كاتبة، وهو الشغف الذي ظل متَّقدًا داخلها حتى في أثناء قيامها بدراساتها العليا، غير أنها وجدت شغفها الأكبر وسعادتها في حل المسائل الحسابية، وكانت في مراهقتها أول عضوة أنثى في فريق إيران الوطني تشترك في الأولمبياد الدولي للرياضيات، وحصلت فيه على ميداليتين ذهبيتين في عامين متعاقبين، لتضيف رقمًا قياسيًّا آخر إلى سجلها المشرف.
حصلت ميرزاخاني على بكالوريوس من جامعة شريف التكنولوجية في إيران، ومن بعده الدكتوراه من جامعة هارفارد، وفي عام 2014 حازت ميدالية فيلدز، وهي الجائزة الأهم في مجال الرياضيات، تقديرًا لجهودها في مجال الهندسة الزائدية، التي عكفت من خلالها على دراسة الأسطح المنحنية، مثل الكرة وشكل الدونات (Donut)، وخصائصهما.
اقرأ أيضًا: هل تنتهي هيمنة الإنجليزية على العلوم؟
ميراث ميرزاخاني العلمي والشخصي
لإنجازات ميرزاخاني تطبيقات متعددة في مجالات علمية مختلفة، مثل نظرية المجال الكمي (الإطار الرياضي والمفاهيمي لفيزياء الجزيئات المعاصرة)، والهندسة، وعلم المواد (المعني بدراسة جميع أنواع المواد)، وقد يكون لها تأثير في نظريات تخص نشأة الكون، وفق كاتبة المقال.
وُلدت موهبة مريم في إيران وازدهرت في أمريكا، وأبطل نجاحها مزاعم كُره الأجانب والخوف من الاختلاف.
كانت مريم تُعزي نجاحها إلى المثابرة والعمل الجاد والصبر، وحين نالت شرف الحصول على ميدالية فيلدز كانت تصارع سرطان الثدي، الذي أودى بحياتها وهي بعد في الأربعين من العمر.
ستظل إسهامات ميرزاخاني في مجال الرياضيات محفورة في الذاكرة، ومعها نموذج الجَلَد والتحدي الذي قدمته، فباعتبارها امرأة إيرانية الأصل وكذلك مهاجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كانت لتواجه تحديات كبرى في عهد رئيس أمريكي مثل دونالد ترامب، الذي يرغب في تقييد الهجرة إلى بلاده.
وُلدت موهبة مريم في إيران وازدهرت في الولايات المتحدة، لذا فإن نجاحها يُبطِل مزاعم الأشخاص الذين يكرهون الأجانب وتشجعهم السياسات الاستبعادية المبنية على الخوف من الاختلاف، فقد تحدت الظروف وصعدت سلم النجاح دون أن يعطلها المشككون والمتخوفون.
قد يهمك أيضًا: بهناز شفيعي تتحدى النظام الإيراني بدراجة نارية
ميرزاخاني مصدر لانهائي للإلهام
قد تصبح ميرزاخاني أسطورة بعد وفاتها، فحتى في أمريكا لا تشكل النساء اللاتي يعملن بدوام كامل سوى 20% من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات في مجال الرياضيات، وفق مسح ديموغرافي شمل 213 قسمًا أصدره مجتمع الرياضيات الأمريكي في 2015.
أظهر بحث أن الصور النمطية عن الرجال والنساء تؤثر في رؤية الأشخاص لأنفسهم باعتبارهم يصلحون لوظائف معينة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، لذا فإن نموذجًا ناجحًا لامرأة في مجال الرياضيات، الذي يسيطر عليه الرجال عادةً، قد يلهم الأجيال الصاعدة وفق الكاتبة.
إن كانت عالمة الفيزياء ماري كوري رائدة من النساء، فإن مريم ميرزاخاني مرشحة كذلك لأن تصبح رائدة ملهمة لعاشقي الرياضيات، الذين سيتذكرون دائمًا بالتأكيد مقولتها إن «الرياضيات لا تكشف عن جمالها سوى لمحبيها الصبورين».