لماذا تنتشر الحملات المضادة للتطعيم؟

الصورة: PAHO

حور الزاهر
نشر في 2019/07/04

الحملات المضادة للتطعيم ليست حركة اجتماعية جديدة، بل بدأت في فرنسا عام 1763، وحظرها البرلمان الفرنسي لسوء استخدام اللقاحات في بادئ الأمر.

بطريقة أو بأخرى استمرت الحملات حتى يومنا هذا، ولكن صداها بدأ يكبر ويعلو ويصبح مسموعًا أكثر في الفترة الأخيرة، وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الشائعات والمفاهيم المغلوطة، لكن ما سبب استمرار هذه الحملات؟ وهل من أساس علمي لها؟ 

علاقة التطعيم بالتوحد: بداية الحكاية وتأثيرها في العامة 

طفل مصاب بالتوحد - الصورة: maxpixel

بدأت هذه الحركة الاجتماعية بالظهور على السطح في عام 1998، بعد أن نشر الطبيب «أندرو ويكفيلد» ورقة بحثية تنص على أن اللقاح الثلاثي، لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، يسبب التوحد.

أدت هذه الدراسة إلى انخفاض معدلات التحصين في أمريكا وبريطانيا وجمهورية أيرلندا، وارتفاع مماثل في الحصبة والنكاف، وأدى استمرار تحذيرات ويكفيلد ضد اللقاح الثلاثي إلى خلق مناخ من عدم الثقة في جميع اللقاحات، وعودة ظهور الأمراض التي كانت تحت السيطرة لزمن طويل. أجريت الدراسة على 12 طفلًا، وكانت أكذوبة من الطبيب واحتيالًا على المجتمع الطبي والرأي العام. 

وفي يناير 2010، وجد المجلس الطبي العام في بريطانيا، المسؤول عن حماية وتعزيز الصحة العامة، أن هناك 16 تهمة ثابتة على ويكفيلد، منها 4 تهم تتعلق بخيانة الأمانة و12 تنطوي على إساءة معاملة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك بعد ثلاثة أشهر من سحب المجلة الطبية «The Lancet» الورقة البحثية، وطرد ويكفيلد من السجل الطبي في المملكة المتحدة، وإصدار بيان يحدد التزييف المتعمد في الأبحاث المنشورة في المجلة، ومن ثَم منعه من ممارسة الطب في بريطانيا.

وفي يناير من العام التالي، نشرت المجلة تقريرًا لـ«بريان دير»، وهو صحفي بريطاني كتب تقارير سابقة بخصوص عمل ويكفيلد. تحدث دير مع آباء الأطفال الذين خضعوا للدراسة المسحوبة، ليكتشف ارتكاب ويكفيلد احتيالًا بحثيًا عن طريق تزييف البيانات بخصوص حالات الأطفال. 

دراسة المليون طفل لإثبات انعدام علاقة التوحد بالتطعيم

في عام 2014، نشر مركز «وايتلي مارتن» للأبحاث التابع لجامعة سيدني الأسترالية دراسة ضخمة أجريت على مليون وربع المليون طفل، تثبت أنه لا توجد علاقة إطلاقًا بين اللقاح الثلاثي والتوحد وأطيافه. هذه الدراسة لم تكن الوحيدة، بل أجريت عدة دراسات في الدنمارك وغيرها على مجموعة كبيرة من الأطفال، لتثبت أيضًا انعدام العلاقة بين اللقاح الثلاثي والتوحد.

قدمت عدة مراكز ومنظمات وأكاديميات تصريحات مهمة في ما يخص ذلك، مثل:

  • أعلن مركز الوقاية والسيطرة على الأمراض في أتلانتا (CDC) أنه «لا علاقة بين التطعيم ومرض التوحد»، وأن «محتويات التطعيمات لا تسبب التوحد»، مستندًا في ذلك إلى دراسات من المركز وخارجه
  • وضحت منظمة الصحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة والتي تضم 194 دولة، أن «ادعاءات وجود علاقة بين التطعيم والتوحد نشأت خلال التسعينيات بعد ظهور دراسات تدعي ذلك. لكن المراجعات المستقلة لهذه الدراسات أثبتت ضعفها، واستنتجت أنه لا توجد أدلة تدعم وجود علاقة بين التطعيم الثلاثي والتوحد»
  • أكدت الأكاديمية الوطنية للطب، وهي واحدة من أرقى الأكاديميات وتتبع الأكاديمية الوطنية للعلوم والهندسة والطب، أنه «بعد مراجعة سند الدراسات المنشورة وغير المنشورة في مجال علم الأمراض الوبائية، تؤيد الأدلة عدم وجود علاقة بين التطعيم الثلاثي الذي يحتوي على نسبة زئبق، ومرض التوحد»

لماذا ظل هذا الاعتقاد منتشرًا؟ 

يبدو أن التمسك بهذا الرأي له منحى آخر، ديني وشخصي، فهذه الادعاءات تمسكت بها مجتمعات سياسية في الولايات المتحدة، اليمين المتطرف تحديدًا في ولاية تكساس، وهذه المجتمعات تزعم بأن اللقاحات تدخُّل حكومي في أفكار الأفراد وحياتهم الشخصية، وهذا التدخل سبب في تزايد مرض التوحد، وأن هذا المرض ما هو إلا إصابة لقاح. 

في 28 من مايو 2019، أدرجت ولاية مين الأمريكية قانونًا لمنع طلبات الاستثناء من التطعيم إلا لو كانت لأسباب طبية موثقة، أما الأسباب الدينية والمعتقدات الشخصية فلم تعد مقبولة.

أيضًا، نجد التفشي في المجتمعات الأرثوذوكسية واليهودية بشكل أكثر من غيرها، فاليهود يدعون أنهم يتعرضون للاضطهاد، وأن العالم ينظر إليهم على أنهم حاملي أمراض، وأنهم يتعرضون للهجوم في شوارع نيويورك لمجرد العطس في الشارع. هذه الاعتقادات تحقق أثرها بشكل مخيف، بل كانت سببًا في تفشي الحصبة عام 2017 في ولاية مينيسوتا، وكذلك في نيويورك عامي 2018 و2019.

أدرجت منظمة الصحة العالمية الحملات ضد التطعيم كواحدة من 10 مشاكل عالمية تهدد الصحة لعام 2019، فهذه المشكلة تهدد التقدم الذي وصل إليه الطب الحديث في وقاية ومنع أمراض كانت في زمن ما متفشية ومميتة. التطعيم من أكثر الوسائل حماية من الأمراض من ناحية قلة التكلفة البشرية والمادية، فهو يمنع ما بين مليونين وثلاثة ملايين وفاة سنويًا، والرقم قابل للزيادة بين مليون ونصف المليون لو أصبحت تغطية التطعيمات على نطاق أكبر.

في 28 من مايو 2019، أدرجت ولاية مين الأمريكية قانونًا لمنع طلبات الاستثناء من التطعيم إلا لو كانت لأسباب طبية موثقة، أما الأسباب الدينية والمعتقدات الشخصية فلم تعد مقبولة. وستتخذ بقية الولايات هذا الإجراء قريبًا، إذ يبدو أن خطر عدم التطعيم وصل إلى مستوى لا تستطيع القوانين غض النظر عنه. 

نرجو أن تتوقف هذه الحملات عن الانتشار، وأن ننتقي ما نتلقى من معلومات ونتأكد من اعتبارها العلمي، ونفرق بين الأخبار الطبية ورسائل التواصل الاجتماعي التي تنتشر بغرض الثرثرة والعبث والإثارة ونشر الشائعات، وأن نشكك في أي شائعة طبية قد تؤثر في الصحة.

مواضيع مشابهة