معنى السعادة: دروس مهمة من دراسة نفسية استمرت 78 عامًا

الصورة: Getty/Kyle Monk

أيمن محمود
نشر في 2017/09/18

هل تخيلت يومًا أن بإمكانك السفر إلى المستقبل لتعاين ثمار قراراتك المصيرية التي اتخذتها في وقتك الحاضر، وترى كيف لتلك القرارات أن تحقق لك الرضا والسعادة؟ إن كان هذا الحلم مستحيلًا، فقد جعله البحث العلمي أقرب إلى الواقع، بعد أن أتمَّ الباحثون النفسيون أطول دراسة نفسية عرفها تاريخ العلم.

أجرى علماء من جامعة هارفارد الأمريكية دراسة على 724 شخصًا، تتبعوا مراحل حيواتهم المختلفة طيلة 78 عامًا، ورصدوا تطورهم النفسي والعقلي، وبحثوا تطور علاقاتهم بأصدقائهم وعلاقاتهم العاطفية، وأجروا كذلك مقابلات شخصية معهم، وأخضعوهم لفحوصات طبية مثل قياس ضغط دم وأشعة على المخ.

نشر موقع «TED Ideas» مجموعة من الدروس المستفادة من هذه الدراسة المطولة، هي خلاصة ما توصل إليه الباحث النفسي «روبرت والدنغر» وزملاؤه في نهاية ذلك العمل البحثي الطويل.

استطاع العلماء الخروج بقائمة طويلة من النتائج، كان الدرس الأكبر فيها أن العلاقات الاجتماعية والعاطفية الناجحة تجعلنا أكثر صحةً وسعادة، أما الوحدة فتقتل، ومن بين أكثر من مئة ورقة بحثية عُرضت فيها نتائج الدراسة، شارك والدنغر الأربعة دروس الأساسية التالية.

1. تأثير الطفولة يدوم طيلة العمر

الصورة: ArmyAmber

منحُ الطفل مشاعر دافئة وعلاقة قوية بوالديه يعني أن تأثير هذه العاطفة سيستمر معه إلى أن يصل مرحلة البلوغ، فالطفولة السعيدة تمنح الإنسان القوة التي تمتد معه لعقود، بل إنها تضمن له علاقات سوية مستقرة في زواجه وصداقاته.

لا يتطلب «الميل التربوي» أن يكون الإنسان أبًا أو أمًّا، فالحرص على تنشئة جيل جديد يأتي لمن يتبنون الأطفال، أو من يتولون تعليم النشء مهنة أو مهارة معينة.

تضمن الطفولة السعيدة كذلك الصحة الجسدية التي تعين الإنسان في عمره المتأخر. وليست العلاقة الجيدة بالآباء فقط ما يمنحنا القوة النفسية والجسدية في مستقبلنا، فعلاقة الأطفال بأشقائهم، أو على الأقل بأحد الأشقاء، لا تقل أهميةً عن العلاقة بالوالدين.

اقرأ أيضًا: ما هو سر السعادة الذي لا يعترف به أحد؟

2. تربية النشء تمنح السعادة

الصورة: MartinPrescott

من لم يُتَح له أن يعيش طفولة سعيدة، فلا يظن أن الفرصة فاتته لإقامة علاقات ناجحة في المستقبل، إذ تبين للباحثين أن الإنسان في المرحلة العمرية بين 50 و65 عامًا قد يحقق السعادة إذا اهتم بما سمَّاه الباحثون «الميل التربوي»  (Generativity)، الذي يعني الحرص على تأسيس وإرشاد جيل جديد، وهي حالة كفيلة بأن تعوض الإنسان عن الحرمان النفسي الذي حدث بسبب طفولة تعيسة.

قد يعجبك أيضًا: 10 خطوات بسيطة تفتح لك أبواب السعادة

أكد الباحثون أن مثل هذه الحالة تجعل الإنسان أكثر سعادةً وتكيفًا مع الظروف المحيطة به في هذا العمر. ولا يتطلب ذلك أن يكون الإنسان أبًا أو أمًّا، فإحساس الحرص على تنشئة جيل جديد يمكن أن يأتي لمن يتبنون الأطفال، أو من يتولون تعليم النشء مهنة أو مهارة معينة.

3. طرق للتعامل مع الضغط العصبي

الصورة: David Dennis

يطور الإنسان تلقائيًّا طرقًا شخصية للتعامل مع التوتر والضغط العصبي الذي يواجهه في مراحل حياته المختلفة، ووجد والدنغر ورفاقه أن ثَمَّة طرقًا بعينها يمكن أن يكون لها تأثير أكبر وأفضل من غيرها.

يتمتع من يستخدمون طرقًا ناجحة في التعامل مع الضغط والتوتر بسعادة أكبر من غيرهم.

من بين هذه الطرق ما يُعرف في علم النفس بـ«التسامي» (Sublimation)، وتعني أن يحاول الفرد التعبير عن رغبات مكبوتة يرفضها مجتمعه لكن بصورة مقبولة، مثل أن يتعرض موظف للظلم من صاحب العمل ولا يقدر على رده، فينشئ منظمة تدافع عن حقوق العاملين.

الإيثار كذلك من طرق التعامل مع التوتر والضغط العصبي، وهو تصرف الشخص لصالح الآخرين وليس لصالحه، مثل أن تكرس حياتك لمكافحة الإدمان رغم أنك لست مدمنًا. وهناك ما يعرف بـ«الكبت» (Suppression)، مثل أن تكون قلقًا بشأن احتمال تسريحك من وظيفتك، لكنك تدع مخاوفك جانبًا حتى تستطيع التركيز على خطة بديلة لعملك الحالي.

تبيَّن من دراسة باحثي هارفارد أن أولئك الذين يستخدمون طرقًا ناجحة في التعامل مع الضغط والتوتر يتمتعون بسعادة أكبر من غيرهم، إضافةً إلى أن التخلص من الضغط أولًا بأول يساعد الإنسان على التمتع بصحة جيدة في السبعين والثمانين من عمره.

قد يهمك أيضًا: كيف تجبرنا «التنمية البشرية» على السعادة؟

4. قضاء الوقت مع الآخرين يحمينا

الصورة: Candida.Performa

الشائع هو أن نوعية العلاقات ما يهم وليس عددها، إلا أن دراسة والدنغر أثبتت أن عدد العلاقات أيضًا مهم، فعندما فحص الباحثون أولئك الذين قضوا وقتًا أطول مع آخرين، وجدوا أنهم شعروا بسعادة أكبر وبفخر لأن لديهم هذه العلاقات، وقالوا إن قضاء وقت أطول مع شريك الحياة يحمي من التقلبات المزاجية التي تزيد من الآلام المصاحبة لفترة الشيخوخة.

حقق والدنغر نتائج مبهرة من دراسته المطولة، ويعمل فريق من جامعة هارفارد حاليًّا على الاستمرار في دراسة حياة 1300 من أطفال أولئك الذين خضعوا للدراسة السابقة، من بينهم 51% من الإناث، ويأملون أن تكشف المرحلة الجديدة من الدراسة المزيد عن موضوع السعادة وسبل الوصول إليها.

مواضيع مشابهة