تُظهر الشتائم العربية الشائعة محورية فَرْج الأنثى في ثقافة المنطقة، فمجرد ذكر العضو الأنثوي يُعد سبًّا، وكأنه تذكير بأمر مشين. الأمر ليس مقتصرًا على العرب وحدهم، ثَمَّة شتائم في لغات عديدة تتمحور حول إناث العائلة، بل وتذكر العضو التناسلي الخارجي للمرأة صراحةً، وكأنه بحد ذاته عيب.
الأمر في الحقيقة له أصل تاريخي في الثقافة العربية في العصور السالفة، فقد أحصى الشيخ أبو عبد الله النفزاوي في كتابه «الروض العاطر في نزهة الخاطر» أكثر من 40 اسمًا لفرج الأنثى، ناهيك بأسماء أجزائه، وكثرة الأسماء دليل على أهمية المسمَّى في ثقافة الشعب، وشناعة بعض هذه الأسماء دليل آخر على أنه يُعد أمرًا مشينًا.
المجازات توضح الأمر من زاوية مختلفة، فقد أورد البخاري مروية حديثية عن النبي محمد اسمها «حديث الغار»، تَرِد فيها قصة مشهورة بين الناس عن ثلاثة رجال أُغلق عليهم كهف، وجاءت فيها عبارة «اتقِّ الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه»، وفي هذه العبارة تشبيه واضح لغشاء البكارة بختم على ظرف مغلق.
غشاء البكارة: الاعتقاد الشائع وأساس المشكلة
كما يوضح مجاز الختم، يظن كثير من الناس أن غشاء البكارة غشاء مغلق يتمزق بمجرد ممارسة الجنس ويُحدِث نزيفًا يمكن مشاهدة أثره. يترتب على هذا الاعتقاد الرئيسي اعتقادات فرعية خاطئة، مثل:
- إذا لم يحدث نزيف في أول ممارسة جنسية، فهذا يعني أنها ليست المرة الأولى التي تمارس فيها الأنثى الجنس.
- يمكن الكشف عن عذرية الفتاة بالفحص الطبي، مع أنها تكون تتعرض للفحص للمرة الأولى، أي أنه لم يوثَّق شكل غشاء بكارتها من قبل.
- الأنثى التي سبق لها الزواج لا يمكن الكشف عن ممارستها الجنس.
- غشاء البكارة هشٌّ ويمكن أن يتمزق إثر نشاطات رياضية، مثل ركوب الدراجات ولعب الجمباز أو الألعاب القتالية.
أثر الخرافات الطبية في الثقافة الشعبية
في الثقافة العربية الشعبية نجد تقليد «منديل الشرف» الملطخ بالدم، الذي يقدَّم دليلًا على عذرية الفتاة ليلة الدُّخلة، وقد تتعرض الفتاة للقتل تحت اسم «جريمة شرف» إذا لم تثبت عفَّتها عن طريق المنديل. ورغم أن هذه العادة توقفت في مناطق كثيرة، فإنها لا تزال مستمرة حتى اليوم في كثير من الأماكن الشعبية.
مع «تقدم» الطب، نشأت ظاهرة جديدة هي كشف العذرية، الذي قد يطلبه الشاب من خطيبته، أو تطلبه الشرطة من إحدى المتظاهرات، أو يطالب نائب بإجرائه للطالبات المتقدمات لدخول الجامعة.
تعاني الأنثى المطلقة أو الأرملة في بلاد العرب، فلا يمكن إثبات «عفَّتها» بسبب غشاء البكارة.
اعتقاد البسطاء بأن غشاء البكارة يشبه الختم جرَّهم إلى الخوف على «شرفهم» من الفضيحة عند الزواج، ممَّا أدى بهم إلى ارتكاب جرائم القتل تحت اسم الشرف، ويحدث هذا في أحيان كثيرة دون أن تكون الضحية نفذت أي اتصال جنسي. في الأردن مثلًا نسبة «جرائم الشرف» في ازدياد مستمر رغم كل الحملات الرافضة، وأكثر الضحايا إناث قُتلن بسبب شبهة ضعيفة للغاية.
بسبب هذا الاعتقاد تُمنع كثير من الفتيات من ممارسة هوايات كركوب الخيل أو الدراجات، ويحدُّ هذا من حرية الأنثى في البيئات المحافظة بشكل كبير. ولا يفوتنا هنا ذكر الفيلم السعودي «وجدة»، الذي تطرق إلى قضية منع الفتيات من ركوب الدراجات الهوائية.
كيف يرى العلم غشاء البكارة؟
«كشف العذرية» أثبت عذرية فتيات يعملن في الجنس، ونفاها عن فتيات لم يمارسن الجنس قط.
أُجريت دراسات كثيرة حول فكرة «كشف العذرية» القائمة على الاعتقاد السابق، وقد أجرت الباحثتان «روز ماكين أولسن» من جامعة مينيسوتا، و«كلاوديا جارسيا-مورينو» من منظمة الصحة العالمية، مراجعة علمية لـ1219 دراسة سابقة شملت كل ما نُشر في هذا الصدد، واستبعدت الباحثتان 1202 دراسة منها، بغض النظر عن نتائجها، لأنها لم تطابق الحد الأدنى من الشروط العلمية.
اعتُمدت 17 دراسة طابقت المعايير، منها ما تناول فكرة فعالية «كشف العذرية»، وما تناول أثره الاجتماعي والنفسي على الفتيات اللاتي خضعن له. هذه المراجعة تمثل دراسة عن الدراسات، وهي دراسة علمية محكمة تقدمت الباحثتان بها في 20 أكتوبر 2016، ونُشرت بعد أن تم التأكد من حصافتها علميًّا في 18 مايو 2017.
خَلَصت الدراسة إلى توصيات بإلغاء «كشف العذرية»، الذي لم يزل معتَمَدًا، لعدم وجود دليل على فائدته طبيًّا، أي أنه لا ينتج معلومة صحيحة، ولِمَا ثبت من أضرار يتسبب بها على الصعيدين الاجتماعي والنفسي. كذلك، أوصت الدراسة بإجراء تعديلات على الكتب الطبية لكي تعكس آخر ما توصل إليه العلم، وإجراء تعديلات قانونية في الدول التي لا تزال تعتمد «كشف العذرية» قانونًا.
في عام 2015، نشرت طالبتا الطب «نينا بروكمن» و«إيلين ستوكن دال» كتابًا حول الصحة الجنسية للأنثى بعنوان «دليل المستخدِم إلى حقيقة الفَرْج»، استعرضتا فيه دراسات عديدة بعض نتائجها صادمة.
تنقل الكاتبتان أن نتائج «كشف العذرية» كانت في بعض الدراسات من الفشل بمكان، لدرجة أنها أثبتت عذرية فتيات يعملن في الخدمات الجنسية، ونفت العذرية عن فتيات عذراوات لم يسبق لهن أن مارسن الجنس قط.
لماذا فشل «كشف العذرية»؟
علميًّا، شكل غشاء البكارة وفتحة المهبل (يُعتمد على كليهما لمعرفة حصول ممارسة جنسية في «كشف العذرية»)، كأي ملامح إنسانية، تتغير حسب المورَّثات وليس لهما شكل ثابت، ولا يمكن بفحصهما إثبات أي شيء.
حدوث نزيف بسبب الممارسة الجنسية الأولى ليس أمرًا حتميًّا، إذ أنه ببساطة لا يحدث لـ50% من النساء، كما تقرر الباحثتان بروكمن ودال.
في الحقيقة، هذا ليس كشفًا علميًّا حديثًا بل حقيقة طبية معروفة منذ مئة عام تقريبًا، لكن للأسف ما يزال «كشف العذرية» وانتظار النزيف ليلة الدخلة معمول بهما في كثير من دول العالم.
شد عكسي
تسمية «غشاء البكارة» جزء من الثقافة الخاطئة، لارتباطه بمعنى العفَّة في جميع الثقافات.
إذا كان غشاء البكارة لا يمكن أن يدل على البكارة، أو العذرية في تسمية أخرى، فلماذا لم تختفِ أسطورة الغشاء والاعتقادات الخاطئة المتعلقة به؟ لماذا لم يزل ثمة «فحص عذرية» يمارسه أطباء مجازون مهنيًّا؟ لماذا لم تزل الزوجات تخضعن لـ«عار» عدم النزيف ليلة الدخلة؟
قد يتسرع المرء في تقديم الإجابة فيظن أن السبب ببساطة هو الجهل، لكن هذا ليس العامل الوحيد، إذ أن «كشف العذرية» موجود في دول متقدمة علميًّا كما هو موجود في دول العالم الثالث، تختلف أسباب إجرائه لكنه موجود، وأحيانًا قد يجريه الأهل لبناتهم للتأكد من استقامتهن جنسيًّا.
يظهر أن للتسمية ذاتها علاقة كبيرة بديمومة الأسطورة، فالاسم بالعربية هو «غشاء البكارة»، وهي تسمية خاطئة تشريحيًّا كما أسلفنا، لكن التسميات لا تتعدل بسرعة، وقد يستغرق الأمر مئات السنين.
الاسم الإنجليزي «هايمن» يعود إلى الثقافة الإغريقية القديمة، حين كان «هايمينوس» إله الزواج، والاسم الروماني له هو «هايمن». وفي الثقافات جميعها تقريبًا نجد ارتباط التسمية بمعنى العذرية أو العفَّة.
لا بد أيضًا من الإشارة إلى أن وجود هذه الأسطورة يُستغل ثقافيًّا، إذ من شأنه أن يبث الخوف في صدور الفتيات من ممارسة الجنس لأول مرة، وهذا يعمل على تشكيل رقابة ذاتية يريح وجودُها المحافظين من الأهالي.
علينا أن لا نُغفِل السبب التجاري لوجود مثل هذا الفحص، فهذه الأسطورة في النهاية سبب آخر لزيارة الطبيب وباب من أبواب الرزق، إضافةً إلى وجود صناعة كاملة تُدفع فيها مبالغ ضخمة للغاية في سبيل إجراء عمليات رتق الغشاء أو «استعادة العذرية»، وهي موجودة بشكل قانوني أو غير قانوني في دول العالم.
ما دام الأمر كذلك، فلا نتوقع من جميع الأطباء توعية الناس بهذه المغالطة، ناهيك بالصناعة القائمة على إنتاج غشاء بكارة صناعي يدر دخلًا هائلًا على منتجيه وبائعيه.
عدم وجود تعليم جنسي في المدارس العربية سبب آخر، فلو كان اليافعون يتلقون تعليمًا علميًّا صريحًا حول الأعضاء التناسلية لما استمرت الخرافة كل هذه المدة. التثقيف الجنسي في المناهج المدرسية غير شائع عالميًّا، ففي الولايات المتحدة مثلا، ثَمَّة 13 ولاية فقط تحرص على دقة المعلومة الطبية المقدَّمة في التعليم الجنسي من أصل 27 ولاية تشرِّع وجوده في المدارس، وهذه الإحصائية تعود إلى العام 2012.
كل ما سبق يوضح أن الأمر ليس طبيًّا بحتًا، فهو، عدا كونه مغالطة طبية، له أثره الثقافي المتعلق بالعادات والتقاليد والأديان، وله أهمية سياسية كذلك، إذ يؤثر على شعبية الساسة بتبنيهم الصواب السياسي لمجتمعاتهم، فالقانون لا يحتكم إلى العلم فقط، بل وفي أحيان كثيرة لا يحتكم إلى العلم إطلاقًا.
هل سيأتي يوم يُستدعَى فيه أطباء خبراء لتقديم شهاداتهم أمام مجالس النواب لمنع «كشف العذرية»؟ وهل سيؤثر هذا على وجود «جرائم الشرف» التي باتت تحدث لأسباب أدنى من النتائج السلبية لهذا الفحص؟ وهل تستعيد المرأة العربية ملكيتها الطبيعية لجسدها في ظل هيمنة الثقافة التقليدية؟