لعبت السيارات دورًا مهمًّا في حياتنا لمدة قرن، فمنذ اختراعها كانت السيارة الحديثة تجربة فريدة أثبتت تقدُّمنا، إلا أنها حملت أضرارًا كذلك، مثل الاحتقان المروري، والكُلفة العالية، وزيادة التلوث والحوادث، بالإضافة إلى ظهور التقنيات الجديدة التي جعلت السيارات في تصميمها الحالي غير صديقة للبيئة مقارنةً ببدائلها المحتملة.
لو حدث تحول شامل من استخدام السيارات العادية إلى السيارات دون سائق، ومن ملكية السيارات إلى دفع ثمن الركوب، سيُحدث هذا تأثيرًا ملحوظًا على أنواع المركبات التي نستخدمها، وشكل المدن والحياة في المستقبل.
ورغم اعتقاد البعض أن التطور الوحيد سيكون إلغاء عجلة القيادة وإمكانية دوران المقاعد، إلا أن خبير التصميم «ماثيو كوكيريل» يقترح في مقال له على موقع «Fast Co.Design» تصورًا جديدًا للسيارة المستقبلية، يتضمن توديع إشارات المرور والترحيب بالسيارات الطائرة.
سيارة بسرير وأخرى تصنع لك القهوة
مثلما اختُرعت السيارة في البداية على غرار شكل العربات التي تجرها أحصنة، كمركبة على أربع عجلات، ستتحول السيارة الحالية ببطء لتراعي أُلفة التصميم وتطويره التدريجي، خصوصًا في المراحل الأولى التي تتضمن قلقًا إزاء السلامة والتكلفة. ومن وجهة نظر صناعية، يعد إنتاج جيل جديد تمامًا من السيارات بنفس التصميم الحالي تحديًا كبيرًا.
يمكن مع ذلك التنبؤ بالمراحل التالية مباشرةً لتصميم السيارة الحالي، فمثلًا، سيؤدي التحول من ملكية سيارة إلى تأجيرها بالرحلة إلى تصميمات جديدة تلبي احتياجات الأفراد وتقدم تجارب فريدة للركاب، وسيلجأ صناع السيارات الحاليين بالتالي إلى اقتحام أسواق جديدة من أجل منافسة الشركات التي تسعى بالفعل إلى تقديم خدمة تأجير سيارات دون سائق، مثل أوبر أو أبل، أو وايمو التابعة لغوغل.
قد يعجبك أيضًا: حكاية مصورة: قصص الاقتصاد التشاركي كما يرويها سائقو أوبر وكريم وتاكسي القاهرة
ستبدأ هذه الشركات في التركيز على السيارة من الداخل وخبرة الراكب أكثر من أي شيء آخر، مثل تصميم خدمات يمكن تقديمها في أوقات مختلفة من اليوم أو الأسبوع أو السنة، كسيارات مخصصة لساعات الذروة، وغيرها للتوصيل في الليل. إضافة إلى ذلك، ستحدد قرارات المستهلك نوع المركبة المناسبة، فربما يحتاج الراكب إلى سيارة بسرير مريح في حالة الرحلات الطويلة، أو سيارة تقدم أفضل قهوة وأسرع إنترنت في حالة عقد اجتماع خلال التنقل.
كل ذلك سيؤدي في رأي الكاتب إلى حاجة أكبر للمرونة، لذا ستحتاج هذه التصاميم إلى استخدام أجزاء أو وحدات قابلة للتغيير، يمكن تبديلها وتطويرها وإصلاحها تبعًا للوظائف المختلفة.
ربما تصير قيادة السيارات مجرد هواية
قد تصبح قيادة السيارات هواية مثل ركوب الخيل الآن.
مع اتجاه الكثير من صناع السيارات إلى تصميم نماذج أكثر مرونة، سيظل المستخدم بالتأكيد مُحِبًّا للقيادة وتجربة السفر، وستسعى المركبات دون سائق في رأي الكاتب إلى تعزيز هذه التجربة، لتهتم بالمشهد الذي يراه الراكب من النافذة، كما تتيح له مستويات من الراحة مثل تلك المقتصرة حاليًا على الدرجة الأولى في الرحلات الجوية.
كان اليخت البري دون سائق، الذي أعلنت عنه شركة «رولز رويس» في عام 2016، خطوة مبكرة في هذا الاتجاه، إذ قدم تجربة قيادة سلسة وتصميمًا داخليًّا فاخرًا، ويتوقع الكاتب أن تحذو شركات السيارات الراقية الأخرى هذا النهج كذلك كي تظل في المنافسة.
لكن ربما تستمر الشركات في إنتاج سيارات عادية، إذ ستصبح القيادة عندئذ هواية مثل ركوب الخيل، الذي كان وسيلة مواصلات في السابق ثم تحول إلى نوع من الترفيه الآن.
الأرض للأشجار.. السيارات إلى السماء
سنضع البشر في اعتبارنا عند تخطيط المدن أكثر ممَّا نفكر في السيارات.
يرى الكاتب أن تصميم البنية التحتية الحالية يتمحور حول السيارة، لكن اللافتات وإشارات المرور الموجودة على الطرق ستختفي كما يحدث دائمًا عندما تتطور تكنولوجيا جديدة، كما اختفت أعمدة التلغراف والأسلاك الكهربائية المتشابكة التي نراها في الصور الفوتوغرافية القديمة مع تطور تكنولوجيا الاتصالات.
وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، قد يعني التحول من امتلاك السيارات إلى استئجارها انخفاضًا بنسبة %90 في عدد المركبات على الطريق؛ لأن استخدام كل سيارة سيزيد بدرجة كبيرة، وهذا يعني فرصةً لجعل مدننا أكثر اخضرارًا واتساعًا وصحة ومتعة في السكن.
لن تحتاج المنازل إلى جراجات، وسنستغني عن طرق ومواقف السيارات، أو سنجد لها استخدامات جديدة. باختصار، سنضع البشر في اعتبارنا عند تخطيط المدن أكثر ممَّا نفكر في السيارات، عن طريق أنظمة مختلفة للنقل يتصل بعضها ببعض لخلق بيئة حركة سلسة، دون حاجة إلى المساحات الشاسعة من الأسفلت الذي يغطي مدننا اليوم.
اقرأ أيضًا: كيف تهدد السيارات الكهربائية اقتصاد دول الخليج؟
كل ذلك، من وجهة نظر الكاتب، سيمهد الطريق نحو نقلنا إلى السماء، خصوصًا أن شبكات المواصلات الحالية تعتمد بشكل كبير على الأرض، بينما يقتصر استخدام السماء على عدد قليل من الطائرات في الرحلات الطويلة، بسبب ارتفاع التكلفة وعدم قدرة الطائرات على الاقتراب من بعضها (تحتاج الطائرة إلى البقاء على بعد تسعة كيلومترات تقريبًا من أي طائرة أخرى).
تخيَّل استخدام السماء كشبكة مواصلات، بأسعار وكفاءة مناسبة، ومساحة حرة لمزيد من الابتكار في تطوير المدن، وفكّر في استخدام طائرات دون طيار من كل الأحجام للتنقل. يعتمد كل ذلك على اختيار المكان الأنسب فعلًا لبناء شبكة مواصلاتنا، ولم يقل أحد إن هذا المكان هو الأرض بالضرورة، لكن ربما يحتاج صناع السيارات فقط إلى أنواع جديدة من الدعاية، بدل مطاردة الأحلام الفردية التي روَّجوا لها طوال القرن العشرين.