كثيرون منا يُضمرون الإعجاب لهؤلاء الذين نجحوا باختراعاتهم واكتشافاتهم في تغيير شكل العالم، هؤلاء المبتكرون دائمًا ما نتمنى أن تصبح لدينا نفس قدرتهم على التفكير، لكن هل ما يميزهم فقط هو القدرة على الابتكار؟
دراسة حديثة أشار إليها موقع «Inc.» تقول إن الشخص المبتكر أو المبدع يختلف في كثير من النقاط عن الشخص العادي، أو بعبارة أخرى: العبقري يرى العالم بعيون مختلفة.
الانفتاح على التجارب
يحرك الفضول بعض الأشخاص ليروا المزيد من الجوانب في الأشياء من حولهم، أكثر ممَّا يرى الشخص التقليدي.
تشير الدراسة إلى أن علماء النفس عادةً ما يحصرون مفهوم الإبداع في قدرة الشخص على التفكير المتشعب، أو بمعنى آخر: القدرة على استخراج استخدامات مختلفة من عنصر تقليدي، لا يرى له الأشخاص التقليديون سوى استخدام واحد.
من بين السمات المختلفة التي تميز الشخصية، يُعرف الجانب الذي يحرك الابتكار داخلنا باسم الانفتاح على التجارب (Openness to Experience). هذه السمة توضح قدرة الشخص على التفكير المتشعب، بجانب القدرة على تقديم ابتكارات حقيقية والبحث عن المزيد منها يوميًّا.
اقرأ أيضًا: كيف يعادي البشر الابتكار؟
يحرك الفضول هؤلاء الأشخاص ليروا مزيدًا من الجوانب في الأشياء من حولهم أكثر ممَّا يرى الشخص التقليدي، أو طبقًا لدراسة أخرى، يكتشفون جوانب معقدة في أشياء تقليدية.
نظرة مختلفة
ترى الدراسة أن المبتكرين لا يبحثون عن جوانب مختلفة في ما يرونه فقط، بل يرون الأشياء أساسًا بنظرة مختلفة.
للتأكد من هذا أجرى العلماء اختبارًا بصريًّا يسمى «التنافس بين العينين». في هذا الاختبار توضع صورتان مختلفتان، واحدة على كل عين في الوقت نفسه. هكذا يضع العلماء رقعة حمراء على العين اليمنى وأخرى خضراء على العين اليسرى، ويرى الشخص موضع التجربة في العادة انتقالًا متقطعًا بين اللونين الأحمر والأخضر، ومن هنا جاءت فكرة المنافسة، فكل مؤثر يحاول أن يأخذ الغلبة.
لكن من بين الأشخاص الذين يخضعون للتجربة هناك من يرى مزيجًا من اللونين معًا، وهذه اللحظة التي يتغلب فيها الشخص على المنافسة بين اللونين تعد حلًّا مبتكرًا وجده عقله للمشكلة التي واجهته.
بعض الأشخاص يستطيعون رؤية مزيج اللونين لفترة أطول من الآخرين، وبتعريضهم لأجواء إيجابية تحفز الإبداع، فإنهم يرون مزيج اللونين لفترة أطول. هكذا يمكن استنتاج أن الأشخاص المنفتحين لديهم القدرة على الإبصار بطريقة مختلفة عن الإنسان الطبيعي.
أن ترى ما لا يراه الآخرون
من العلامات الأخرى التي تميز المبتكرين ظاهرة «العمى غير المقصود»، وتحدث عندما نركز على شيء ما بدرجة كبيرة حتى أننا لا نلاحظ أي شيء آخر يحدث أمام أعيننا.
واحد من الاختبارات الشهيرة على هذه الظاهرة ما يحدث في مقطع الفيديو بالأعلى، إذ يُطلب من المشتركين مشاهدة الفيديو والتركيز على عدد مرات نقل الكرة بين مُرتدي الزي الأبيض، ويمكنك مشاهدة الفيديو قبل معرفة النتائج.
في الفيديو، يوجد شخص يرتدي زي غوريلا، يدخل من اليمين ويتوقف في المنتصف قبل أن يخرج من اليسار، إذا لم تكن قد لاحظته لانشغالك بمتابعة حركة الكرة فلست وحدك، فقرابة نصف المشتركين في التجربة، وعددهم 192 شخصًا، لم يشاهدوه كذلك، لكن هل هناك تفسير لهذا؟
يمكن تطوير الشخصية بتدريبات تزيد من نسبة انفتاح الوعي، والأشخاص الذين يدرسون خارج بلادهم يكونون أكثر انفتاحًا.
توصلت دراسة حديثة إلى وجود رابط بين قابلية العمى غير المقصود وطبيعة الشخصية، وذهبت إلى أن الأشخاص المنفتحين على التجارب أكثر قدرةً على رؤية الغوريلا من الآخرين، وهكذا نرى مرة أخرى أن هؤلاء الأشخاص يستطيعون إبصار مزيد من التفاصيل التي لا ينتبه إليها الآخرون.
هل بإمكاني أن أصبح عبقريًّا؟
يرتبط الانفتاح بالتعرض لبعض الأمراض العقلية، مثلما حدث مع العالم «جون ناش» في فيلم «A Beautiful Mind».
يبدو ممَّا سبق أن الأشخاص المبتكرين لديهم إمكانيات أكثر من الأشخاص التقليديين، لكن هل من الممكن لهؤلاء الأخيرين ممارسة تدريبات لزيادة إمكانياتهم؟ وهل سيكون لهذا نتائج جيدة؟
لوحظ أن الشخصية يمكن تطويعها وتطويرها بممارسة بعض التدريبات التي تزيد نسبة انفتاح الوعي، ومن الملحوظات التي تبدو غريبة أيضًا أن الأشخاص الذين يدرسون خارج بلادهم يكونون أكثر انفتاحًا، وهو ما يؤكد أن السفر عمومًا يزيد وعي الإنسان.
لكن قبل الاندفاع وراء البحث عن زيادة الوعي والانفتاح على التجارب، يجب معرفة أن الأمر له جانب سلبي كذلك.
قد يعجبك أيضًا: ما العلاقة بين الكسل والإبداع؟
الأشخاص المنفتحون يتميزون بما يسمى نفاذية الوعي (Permeability of Consciousness)، وهذا هو الجانب المظلم، إذ يرتبط الانفتاح بالتعرض لبعض الأمراض العقلية مثل الهلوسة، وعندها يصبح هناك خطًّا رفيعًا بين أن ترى ما لا يراه الآخرون وأن ترى أشياء غير موجودة من الأساس.
من شاهدوا فيلم «A Beautiful Mind» ربما لاحظوا حدوث شيء من هذا القبيل مع شخصية العالم العبقري «جون ناش» الذي كان مصابًا بالفصام.
هكذا يمكن الوصول إلى نتيجة، فالشخصيات المختلفة تعني خبرات مختلفة، ولا تعني بالضرورة أن نوعًا من الشخصيات يتفوق على غيره دائمًا.