العالم مكان قاسٍ: ثلاث أفكار غير منطقية تجعل حياتنا صعبة

الصورة: Startup Stock Photos

فدوى علي
نشر في 2017/07/06

تصبح الحياة في بعض الأحيان صعبة، ليس فقط بسبب الأحداث الخارجة عن سيطرتنا مثل الحروب والكوارث الطبيعية والموت والأمراض التي تصيب أعزاءنا وتطرحهم على الفراش، بل أيضًا بسبب ما نشعر به من مشاعر سلبية مثل الضيق والإحباط عند الفشل، وخسارة الوظيفة أو الأصدقاء، وكذلك عندما يتوجب علينا المخاطرة أو اتخاذ قرار مصيري، والتوتر الذي ينشأ عن ملاحقة المثالية والكمال في كل ما نفعله.

لماذا يتفاقم الشعور بالمشاعر السلبية؟

كيف تقضي على المشاعر السلبية بتغيير طريقة تفكيرك؟

يمتلك الإنسان قدرة على أن يكون غير عقلاني بسبب ميله إلى ملاحقة المثالية.

من بين عديد من النظريات التي قدمها علم النفس لتفسير أسباب الانفعالات والمشاعر السلبية، ما يقوله رائد علم النفس المعرفي ومؤسس العلاج السلوكي العقلاني العاطفي (REBT)، «ألبرت إليس»، في كتابه «كيف تجعل حياتك سعيدة؟»، من أن معظم انفعالاتنا السلبية وقلقنا ينشأ من طريقة تفسيرنا للأحداث من حولنا،  ذلك لأن البشر يعبِّرون عن مشاعرهم عن طريق اللغة بالجمل والكلمات، التي تتحول بدورها إلى أفكار تشكِّل عدسة رؤيتنا للعالم من حولنا.

قد تكون تلك الأفكار منطقية، لكنها أيضًا ربما تكون غير منطقية وتؤدي إلى انفعالات شديدة مثل الغضب والتوتر والقلق، التي تتراكم لتتحول إلى هلع وإحباط واستسلام وقنوط.

ما مصدر الأفكار غير العقلانية؟

ما علاقة السعادة بملاحقة الكمال والمثالية؟

طبيعة الإنسان البيولوجية تجعله يمتلك القدرة على أن يكون غير عقلاني، ويرى إليس أن هذا بسبب ميله إلى ملاحقة الكمال والمثالية في ما يفعله، بالإضافة إلى ثقافة المجتمع الحالية التي تعلمه أنه يستحق ويجب عليه أن يكون ناجحًا في ما يفعله، ويحظى بالقبول الاجتماعي، ويحقق كل ما يرغب فيه وإلا فهو إنسان فاشل.

هذه المعايير غير المنطقية تُرسَّخ بشكل متكرر عن طريق الإعلانات وبعض الأفلام وحتى المدارس، التي تضع بدورها معايير معينة للإنسان، بالإضافة إلى الأفكار التي ينشأ عليها البشر خلال مراحل الطفولة.

قد يهمك أيضًا: ما سر السعادة الذي لا يعترف به أحد؟

يرى إليس أن هناك ثلاث أفكار رئيسية غير منطقية تسيطر على أذهاننا وتجعل حياتنا أكثر صعوبة، ويعتقد أن هذه الأفكار لا تصبح خطيرة على الإنسان إلا عندما يكررها ويحولها من أمنيات إلى مطالب وواجبات قاسية على نفسه،  فتتحول الفكرة من «أتمنى أن أصير ناجحًا» إلى «يجب أن أصير ناجحًا»، والعديد من المتطلبات الأخرى التي تتراكم لتصبح هي المنظور الوحيد للحياة.

يختزل ألبرت إليس تلك الأفكار في ثلاث فئات رئيسية:

  1. يجب أن يكون أدائي ممتازًا وأن أفوز برضا وإعجاب الآخرين، وإلا فأنا شخص عاجز وفاشل.
  2. يجب أن يعاملني الناس الذين ساعدتهم وكنت لطيفًا معهم بشكل جيد وعادل، وإلا فهُم سيئون ويستحقون العقاب.
  3. يجب أن تكون الظروف التي أعيشها جيدة ومريحة، وإلا فإن الحياة فظيعة والعالم مكان سيئ لا أطيق احتماله والعيش فيه.

تعرف إلى العلاج السلوكي العقلاني العاطفي


ألبرت إليس يشرح العلاج السلوكي العقلاني العاطفي

نشأ هذا العلاج في عام 1950 على يد ألبرت إليس، الذي كان يرى أن الاضطرابات والانفعالات ليست إلا انعكاسًا لأفكارنا غير المنطقية وتفاعلنا غير العقلاني مع المواقف التي تحدث من حولنا، وبالتالي يهدف هذا العلاج إلى تخفيف أو إنهاء أنماط التفكير والسلوك غير العقلانية التي تبقينا عالقين في دوامة من الانفعالات السلبية، وبالتالي تمنعنا من اتخاذ خطوات تدبيرية لمواجهة الأحداث في حياتنا.

غالبًا ما يُشرح هذا الأسلوب بطريقة بسيطة أشبه بالمعادلات الرياضية عن طريق الرموز (ح) و(أ) و(ن)، فترمز (ح) إلى الحدث، و(أ) إلى الأفكار غير العقلانية عن هذا الحدث، و(ن) إلى النتيجة.

كمثال، لنفترض أن حدثًا وقع (ح) وهو طردك من وظيفتك، هذا الحدث ينشط أفكارًا غير عقلانية (أ) مثل «لا يمكن أن يحدث هذا لي، أنا أحتاج هذه الوظيفة، لقد فقدتها وهذا يعني أني فاشل، وهذا أمر فظيع لا أحتمله». النتيجة العاطفية (ن) تكون ضيقًا وغضبًا وفقدان تقدير الذات، الذي يتراكم ليصبح اكتئابًا ينشأ عنه «اجترار سوداوي» (طغيان مشاعر الذنب على الشخص) وسلوك سلبي ونتائج انفعالية سيئة أخرى.

كيف يمكن إيقاف التأثير السلبي للأفكار غير العقلانية؟

ألبرت إليس يشرح العلاج السلوكي العقلاني العاطفي

بإستخدام تقنية «REBT»، يمكن التغلب على تأثير الأفكار غير العقلانية وإيقاف تأثيرها، عن طريق التفنيد المستمر لهذه الأنماط غير العقلانية في التفكير والسلوك.

يمكن تغيير الانفعالات السلبية الناتجة والمحافظة على الصحة النفسية ببساطة إذا غيرنا ما نقوله لأنفسنا، وعملنا على مهاجمة وتفنيد المنطق الخاطئ في أفكارنا ومتطلباتنا.

كذلك، المراجعة المستمرة للحوار الداخلي وتفنيد الأفكار غير العقلانية من شأنه أن يُسهم في اكتساب الإنسان مرونة عقلية تجعله يتبنى مواقف بناءة وفلسفة جديدة للحياة، ليحظى بصحة نفسية جيدة مع مرور الوقت.

ينقسم التفنيد إلى ثلاث فئات، نُسقطها في ما يلي على مثال الفصل من الوظيفة:

1. التفنيد الواقعي: أين الدليل على أن هذا لا يمكن أن يحدث لي؟

لا يوجد دليل إلا في الخيال، ولو أن هناك قانونًا يمنع هذا لَمَا حدث لي، وهذا شيء يمكن أن يحدث لكل الناس.

2. التفنيد المنطقي: ما الذي يجعلني أعتقد أن خسارتي لهذه الوظيفة نهاية العالم؟

بالتأكيد ما وقع ليس نهاية العالم، لكنه حدث سيئ لإنسان يمتلك الكثير من العيوب والمميزات أيضًا، وبالتالي لا يمكن أن أحكم على نفسي بالفشل.

3. التفنيد العملي: ماذا سيحدث لو واصلت التفكير بأن ما وقع أمر فظيع لا يمكن احتماله؟

سأجعل من نفسي إنسانًا بائسًا ومحبَطًا، وسأعاني في البحث عن وظيفة أخرى لانكبابي على نفسي، ولأن خسارة الوظيفة، من زاوية عملية، يعني توفر الوقت لتعلم مهارات جديدة والبدء في البحث عن وظيفة أفضل.

إن الشعور بالحزن وخيبة الأمل وحتى الضيق مشاعر طبيعية تمامًا، لهذا فإن العلاج لا يسعى لإزالتها، بل التقليل منها وعدم تغذيتها بالمنطق الخاطئ الذي يؤدي إلى انفعالات مدمرة مثل الإحباط وكُره الذات، التي ربما تتطور إلى اكتئاب يجعل الإنسان تعيسًا، وبالتالي ينسحب من الحياة لينطوي على نفسه.

اقرأ أيضًا: ربما يكون الاكتئاب مفيدًا للإنسان

استمد إليس القواعد الأساسية للعلاج من بعض الفلسفات القديمة، خصوصًا الفلسفة الرواقية، وقُدِّم العلاج السلوكي العقلاني العاطفي على أنه الفسلفة الإنسانية العقلانية النمائية التي تساعد الإنسان على إدارة حياته بفعالية، ليصبح أكثر قدرةً على التحكم في توجيه ذاته ويتجنب الوقوع في فخ التعميمات والأفكار غير العقلانية، التي تنتج عنها انفعالات سلبية واجترار سوداوي، وبالتالي تعطل التفكير والسلوك التدبيري عند مواجهة المواقف المختلفة في الحياة.

مواضيع مشابهة