لم تعد العقول البشرية فقط ما يفكر ويرى ويحلل العالم من حوله، فهناك اتجاه يسعى نحو خلق عقول إلكترونية أكثر تطورًا من نظائرها البشرية، وبإمكانيات أفضل.
ضربة البداية كانت من داخل معامل البحث والتطور لشركات تصنيع الهواتف المحمولة، فهي المنصة الأكثر انتشارًا وعملية، وأي تقنية جديدة تجد طريقها إلى شرائحها الذكية ودوائرها الإلكترونية السيليكونية، وتصل إلى أكثر من ملياري مستخدم في دول العالم.
عصر السوفت وير
طَوَال ما يقارب عقدين من الزمن، تسابقت شركات الهواتف الذكية لتطوير إمكانيات العتاد الداخلي للهاتف، من معالج وذاكرة داخلية وأخرى عشوائية (RAM)، وإضافة عديد من المزايا مثل شرائح البلوتوث، و«NFC» (تقنية لإرسال البيانات على المدى القريب بين الأجهزة)، والأشعة تحت الحمراء (Infrared)، وتطوير الكاميرات والتصميم الخارجي ورفع كفاءة البطارية، ومن ثَمَّ تغيير جودة الشاشة ونوعيتها وطريقة عرضها ومدى صلابتها.
مراحل طويلة مرت بها الشركات لتجعل الهواتف خارقة من حيث إمكانيات الهاردوير، لكن يبدو أن تلك الشركات قررت أن تلتقط أنفاسها وتغير مضمار السباق.
تتوجه أنظار الشركات حاليًّا إلى استخدام الذكاء الصناعي والشبكات العصبية العميقة (Deep Neural Networks) لتخزين وتحليل وتبويب أحجام ضخمة من البيانات، بحيث تتطور الشبكات العصبية وتتعلم كيف تتعامل مع المواقف المستقبلية، بناءً على الخبرة والخلفية المعلوماتية التي اكتسبتها من التعامل مع تلك البيانات، وبالتالي يسهُل عليها أن تتخذ قرارات بشكل مستقل دون أي تدخل بشري.
بهذه الطريقة، سيتمكن المستخدم من إنجاز مزيد من المهام عبر هاتفه بشكل آلي، مما سيوفر عليه كثيرًا من الوقت والجهد.
يساعد المعالج الخاص بأجهزة آبل على تطور الهاتف من خلال تحليل البيانات فيسهل عليك إنجاز مهامك في وقت أسرع.
ركزت شركات الهواتف في عام 2017 على تقديم مزيد من التطور في أنظمة التشغيل، واعتمدت أكثر على الخوارزميات الذكية، التي تستطيع تحليل البيانات بشكل أفضل كي يفهم الهاتف صاحبه جيدًا.
مثلًا، خطفت شركة غوغل الأنظار بهاتفيها الجديدين «Pixel 2» و«Pixel 2 XL»، اللذين زودتهما بمساعد شخصي (Google Assistant) ذي إمكانيات متطورة، فصار محورًا يربط الهاتف بجميع الأجهزة التي تقع تحت مظلة الشركة، مثل السماعة الذكية «Pixel Buds» وعائلة الأجهزة المنزلية «Google Home».
كل تلك الأجهزة تشترك في وجود المساعد الشخصي، وجميعها يتشارك بياناتك بشكل سلس ومنظم، ويصب كل ذلك في ميزة تُدعى «Routines»، تحدد عبرها عاداتك اليومية الروتينية، مثل ذهابك صباحًا في ساعة معينة إلى العمل، ومغادرتك العمل إلى الصالة الرياضية، ثم عودتك إلى المنزل في وقت معين. يتعلم المساعد الشخصي هذا الروتين، ثم يعمل بمجرد أن تخاطبه عبر أحد أجهزة غوغل بعبارة مثل «Ok Google, I'm leaving my work now» (غوغل، أنا أغادر العمل الآن)، فيرد فورًا ببيانات وأخبار عن حالة الطريق والطقس، إلى جانب أخبار تتعلق بمجالات تهمك.
كذلك، دخلت شركة «آبل» المجال بمعالجها الجديد «A11 Bionic»، الذي قدمته في هواتفها «iPhone 8» و«iPhone 8 Plus» و«iPhone X».
يحمل المعالج نواتين تعملان على تحليل البيانات الناتجة عن تعاملك مع الهاتف، بحيث يستطيع الهاتف أن يتطور ويسهل عليك إنجاز مهامك في وقت أسرع، إلى جانب تطوير مساعدها «Siri» وإمكانيات التصوير.
اقرأ أيضًا: ذكاء صناعي مؤمن: هل حان وقت التساؤل بشأن دين الروبوتات؟
كيف تصنع عقلا صناعيًّا؟
يستدعي تخزين وتحليل البيانات أن يظل هاتفك متصلًا بالإنترنت لفترة طويلة، مما يؤثر في عمر البطارية على المدى الطويل.
تعتمد فكرة الذكاء الصناعي بشكل رئيسي على الشبكات العصبية (Neural Networks) التي تتعلم بالتجربة، عن طريق السماح لها بالوصول إلى قاعدة بيانات عملاقة تتضمن ملايين البيانات، ومزودة بعلامات وإشارات تَفهمها الشبكات العصبية، فتتعلم منها تفاصيل تلك البيانات، وبالتالي عندما تقابل بيانات جديدة لم ترها من قبل، ستتمكن من فهمها بناءً على الخبرة التي اكتسبتها.
تدريب الشبكات العصبية عملية معقدة لأنها تحتاج إلى تزويدها بكم هائل من المعلومات وتحليلها، وهناك طريقتان للتدريب:
- تخزين قاعدة بيانات التدريب داخل خوادم الشركة (أجهزة ضخمة تخزَّن فيها المعلومات، ومنتشرة عبر العالم ليسهل الوصول بسرعة للمعلومات من أي مكان)، وهناك يتم تحليلها ثم إرسال نتائج التحليلات في صورة تحديثات إلى الخلايا العصبية على الهاتف. عيب هذه الطريقة أنه قد يحدث انتهاك لخصوصية بيانات استخدام صاحب الهاتف، إضافةً إلى أن ذلك سيستدعي أن يظل الهاتف متصلًا بالإنترنت لفترة طويلة لإرسال البيانات واستقبال التحديثات، مما يؤثر في عمر البطارية على المدى الطويل.
- تحليل البيانات محليًّا على الهاتف نفسه وتخزينها داخله، وبالتالي الحفاظ على خصوصية بيانات المستخدم، وفي نفس الوقت تطبيق التحديثات بشكل سريع ودون حاجة إلى الإنترنت، لذلك تستخدم معظم الشركات هذه الطريقة.
الذكاء الصناعي يطور هاتفك
يوفر الذكاء الصناعي في هاتفك خطوة كنت تحتاجها دائمًا لإتمام ما تريد.
على سبيل المثال، زوَّدت شركة «هواوي» وحدة المعالجة العصبية (NPU) في معالجها الأحدث «Kirin 970»، داخل هواتفها «Mate 10» و«Mate 10 Pro»، بقاعدة بيانات مكونة من 100 مليون صورة، وعن طريقها ستتدرب الخلايا العصبية داخل وحدة المعالجة كي تميز عناصر الصور بشكل واضع ودقيق، لدرجة أن كاميرات هذه الهواتف قادرة على التمييز بين القطط والكلاب في الصور.
تتيح الوحدة الجديدة أسلوب تصوير مميز لهواتف «هواوي»، إذ تضبط الكاميرا وضع التصوير المناسب بحسب البيئة التي ستلتقط فيها الصورة بشكل أوتوماتيكي، فوضع تصوير الطعام «Food Mode» يختلف عن التصوير الليلي أو الإضاءة الضعيفة «Night Mode» و«Low Light Mode».
بالإضافة إلى ذلك، تفهم الوحدة العصبية داخل الهواتف ما تحتاج إليه، وتعرف التطبيقات التي تفتحها أكثر من غيرها، بحيث تفتحها لك في الأوقات التي تحتاجها فيها، وبالتالي يوفر الهاتف عليك خطوة كنت تحتاجها دائمًا لإتمام ما تريد.
قد يعجبك أيضًا: تقنيات الذكاء الصناعي: هل حان أوان القلق بشأن مستقبلنا؟
هل القادم أفضل حقًّا؟
عائق واحد يواجه تلك الأنظمة، هو معرفتها بكل شيء تفعله عن طريق الهاتف. لذلك، تعمل الشركات على تجميع المعلومات من داخل هواتف مستخدميها بشكل يُخفي هوية المستخدمين، وفي نفس الوقت تعكس المعلومات التي تجمعها صورة واضحة عن طبيعة تعامل المستخدمين مع هواتفهم والخدمات والتطبيقات المختلفة عليها.
تنفذ غوغل ذلك في نظامها الذي يجمع معلومات باستخدام الهواتف العاملة بنظام أندرويد، «Federated Learning System»، وكذلك «آبل» مع نظامها «Differential Privacy».