انسجامًا مع العهد الذي قطعه على نفسه حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح -حفظه الله ورعاه- بإعادة تصويب النهج وتصحيح المسار، وتناغمًا مع رؤية سموه -رعاه الله- بتطهير ملف الهوية الوطنية، جاءت القرارات التي أعلنها النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الداخلية، رئيس اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية، الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، ترجمة لتفهم القيادة السياسية لبعض الملاحظات التي رافقت قرارات سحب الجنسية للفئات المشمولة بالمادة 8، رفقًا بهن، نظرًا للآثار الاجتماعية والإدارية والمالية التي نتجت عن القرارات التصحيحية لملف الهوية الوطنية، والتي تأكد أنها نهائية ولا رجعة فيها، مثلما تأكد للقاصي والداني أن الكويت وفيةٌ لصفتها وتاريخها كعاصمة للإنسانية لا يُظلم فيها الغريب.. فكيف بالقريب!؟
عطفًا على ملف الجنسية وموادها، وبلغة سياسية لم نتعود عليها من المسؤولين طيلة سنوات مديدة، فإن القادم من الأيام يبشر بقرارات تصحيحية كشف عنها الشيخ فهد اليوسف، ملمحًا إلى الغاية منها دون تفصيل في آلياتها المتروكة لمزيد من الدراسة والبحث، والتي تحوم في مجملها حول تفكيك ألغام ملف "البدون"، مع تحديد مدة زمنية في حدود "شهرين" لحل هذه القضية التي تراوح مكانها منذ أجيال، وقد حان الوقت لمواجهتها بكل شجاعة وحزم وإنسانية، جلباً للمصالح ودرءً للمفاسد.
شهران تفصلنا عن موعد فك طلاسم هذه العقدة، التي نفثت فيها السنون والظنون سموم الفُرقة وخدش السمعة والمساس بالأمن القومي، وتهديد الأمان الاجتماعي، في مسعى حقيقي من القيادة السياسية لتمكين الإخوة "البدون"، من تجاوز هذا الوسم والوشم الذي لازمهم عمرًا مديدًا، إنصافًا للمستحق بتعديل وضعه القانوني في البلاد، وإنصافًا للأجيال اللاحقة منهم، تمكينًا من فرصة أفضل في الحياة المنسجمة، ليس فقط مع القانون بل أيضا مع روح القانون.
المدى المنظور ستكون فيه الكويت على موعد مع تعديل بعض مواد العقد الاجتماعي، الذي أسس لديموقراطية عريقة شابها بعض الاعوجاج في الممارسة، التي بلغت حدًا لم يكن بالإمكان السكوت عنه، حين قررت القيادة السياسية بعد تشخيص لعلل الممارسة الديموقراطية، إخضاع الملف لبروتوكول علاج جذري تستعيد فيها كويت المؤسسات عافيتها التشريعية والتنفيذية، بما يضمن التعاون والتعاضد والتناغم، بعيدًا عن التنافر والتنابز والتنازع المهدد لمناخ الحرية الذي ميزنا سنين عديدة كمجتمع كويتي ينبض بمسؤولية إبداء الرأي والمشاركة في بناء الوطن الغالي، ليبقى دولة القانون ومنارة للريادة الديمقراطية وقلعة للحريات المنضبطة شرعًا وقانونًا.