إذا كان آخر العلاج الكي فماذا كان مبتدأه؟ الجواب على هذا السؤال البديهي يصاغ أحيانًا بلغة الأرقام ليكون أبلغ قولاً وأوقع أثرًا، حيث سجلت الكويت أكثر من 6 آلاف قضية تتعلق بالاتجار بالمخدرات أو تعاطيها بين يناير 2023 ويوليو 2024، واستنادًا إلى التقارير الرسمية والتغطيات الإعلامية فإنه منذ عام 2015 وحتى سبتمبر 2023 راجع مركز علاج الإدمان في الكويت 81072 حالة.
بناءً على هذه المعطيات كان لابد من تشدّد أكبر في إجراءات مكافحة المخدرات ووقاية المجتمع من تداعياتها المدمرة للأجيال، عبر ترسانة قانونية تضمن حماية حاضر ومستقبل الكويت صحيًا واجتماعيًا وأمنيًا، وهي بذلك لا تبتدع نصوصًا أو آليات غير مجربة في دول عدة مثل ماليزيا التي يذكر رئيس وزرائها الأسبق مهاتير محمد بشأن محاربة المخدرات: "القانون الصارم بما في ذلك الإعدام ليس لإخافة الناس بل لحماية المجتمع من التهديد الأكبر"، ويشهد بذلك مؤسس سنغافورة الحديثة لي كوان يو، حين قال: "لو لم نطبق حكم الإعدام على كبار تجار المخدرات لكانت سنغافورة اليوم جحيماً من الإدمان والجريمة".
إن رسالة الإعدام التي يبعث بها مشروع القانون الجديد تعني بشكل جلي أنه لا تسامح مع تجار الموت، فحين تُفرض عقوبة الإعدام على تجار المخدرات فهي لا تُعلن رغبة في الانتقام بل تعكس فهمًا عميقًا لمعنى السيادة والحماية المجتمعية، إنها رسالة صريحة بأن الكويت ليست ممرًا ولا مأوى للعصابات العابرة للقارات، فكما لم تُتهم سنغافورة وغيرها بالقسوة حين حدّت من الجريمة بالتشدد، فإن الكويت تكرس مبدأها وقناعتها في أن الحياة الآمنة تُستحق ولا تُمنح لمن يعبثون بأمان البلاد ومقدراتها البشرية.
ويتضح من هذه المنطلقات أن فلسفة مشروع القانون الجديد لمكافحة المخدرات في الكويت لا يُقرأ كمجرد مواد تشريعية، بل كبيان وطني صريح يعكس رؤية استباقية تتعامل مع الإدمان لا كمشكلة صحية أو سلوكية أو جنائية فحسب، بل كتهديد مباشر لأمن الدولة واستقرارها الاجتماعي.
حين اختارت الكويت التشدد في تجريم تعاطي المخدرات والاتجار بها من خلال عقوبة الإعدام فإنها لم تفعل ذلك من منطلق القسوة بل من منطلق المسؤولية، فالدولة التي تسمح بتحوّل أراضيها إلى ممرات للسموم تفقد سيادتها تدريجيًا أمام شبكات الجريمة العابرة للحدود، وعليه فإن العقوبة هنا ليست انتهاكًا لحقوق الإنسان، بل دفاع عن أقدس حق وهو الحق في الحياة وإلا فما الفرق بين قاتل يطعن فردًا في شارع صاخب وتاجر يقتل جيلاً كاملاً عبر جرعة صامتة؟.
ويتضح جليًا أن التعديلات الجديدة تشير إلى أن الكويت تضع سلامة المواطن والمجتمع في سُلّم الأولويات وتُعيد تعريف الأمن ليس كسلاح بل كمنظومة وعي ورؤية ومسؤولية، وكلما أيقنت كل أسرة في الكويت أن القانون ساهر على حماية أبنائها وبناتها، حينها يُمكن القول إن هذا هو النصر الحقيقي في الحرب على المخدرات.