كلمة منشور: إجراءات جريئة.. لاقتصاد منيع

نشر في 2025/04/10

في عالم يتناحر فيه عمالقة الاقتصاد الدولي باستخدام الرسوم كأسلحة في حرب تجارية باتت معلومةً بحقيقتها مجهولةً بكلية عواقبها، تجد الكويت نفسها أمام اختبار حاسم، إما أن تكون رهينة النفط وتدفع الفاتورة غالية أو أن تتحول إلى نموذج للاقتصاد المرن القادر على التعامل مع الأعاصير التجارية وسط عاصفة عالمية.. فكيف السبيل إلى تمكين الكويت من تحصين حاضرها ومستقبلها؟

السؤال قديم في صيغته متجدد في سياقه، سهل في ظاهره لكنه معقد في جوهره من أوجه عدة تلتقي عند حقيقة أن الاقتصاد الكويتي واقع في فخ الثروة النفطية، فرغم عائدات النفط التي تعتبر شريان الحياة للخزينة العامة بنسبة تفوق 90 %، إلا أن الاعتماد الأحادي عليها يشبه السير على حبل مشدود فوق فوهة بركان، إذ أن التقلبات التجارية الأخيرة وإن لم تستهدف النفط مباشرةً، فقد عرّت الأنظمة الاقتصادية الهشة لافتقارها إلى التنوع، خاصة في ظل تحذيرات البنك الدولي من أن اقتصادًا يعتمد على سلعة واحدة قد يفقد 40% من قوته خلال عقد واحد في حال استمرار الحروب التجارية بوتيرتها الحالية، فيما تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن انخفاض سعر النفط بنسبة 30% قد يقلص الناتج المحلي الكويت بنحو 15%.

إن التحدي الأبرز أمام الاقتصاد الكويتي في زمن "الترامبية" الاقتصادية والتجارية، يكمن في القدرة على تجاوز حالة الرهاب من اتخاذ القرارات غير المألوفة، مثل تبني قانون إنشاء الشركة في يوم واحد وإلغاء أي رسوم على التأسيس، عطفًا على إبرام شراكات غير تقليدية مع "سيليكون فالي" و"كوبنهاغن للتصميم" وغيرهما للاستفادة من الخبرات كسباً للوقت.

كل المؤشرات تحتم التعامل مع استراتيجيات التحصين بنقلها من النظري إلى التنفيذي، وفقًا للخطوات التي تجعل الكويت قادرة على تحويل تحدياتها إلى وقود للنمو، عبر تعزيز التوجه لإنشاء المزيد من المدن الصناعية المتكاملة للبتروكيمياويات والهيدروجين الأخضر لتقليل نسبة تصدير النفط الخام، كما أن هناك ضرورة حيوية الآن للاستثمار في الطاقات الشبابية للابتكار وإنشاء منصات تمويل المؤسسات الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، ما يسهم في تحويل الكويت إلى مركز تكنولوجي إقليمي، فضلاً عن المضي قدمًا في مشاريع إنجاز وتطوير الموانئ الذكية التي تجعل من الكويت محطة عالمية لإعادة التصدير، بفضل موقعها الاستراتيجي بين الشرق والغرب.

ولا مناص من الانفتاح أكثر فأكثر على السياحة وعائداتها الكبيرة، بالنظر إلى ما تمتلكه البلاد من كنوز معطلة حان الوقت لتفعيلها عبر سلسلة إجراءات تتعلق بالجذب السياحي والاستثمار في الفعاليات الثقافية والرياضية والتسوقية وتسهيلات تتعلق بتأشيرات الدخول ومضاعفة عدد الفنادق بأنواعها.

الرسوم الترامبية التي باتت استراتيجية أمريكية لتحقيق مآرب ضيقة تعيدنا إلى أجواء الكساد الكبير 1929-1939، الذي هيأ الأجواء لحرب عالمية ثانية، إذ نشهد إرهاصات تحويل الاقتصاد العالمي إلى الركود التضخمي "stagflation"، فهل الكويت مستعدة للتداعيات؟
سؤال آخر يضاف إلى قائمة الاستفهامات المحفوفة بضبابية الجزم بالإجابات الشافية، غير أن الواضح والأكيد أن الكويت أمام لحظة الحقيقة تدرك أنها ليست فقيرة في مواردها بل غنية بالفرص المهدرة، وما الرسوم "الترامبية" سوى جرس إنذار يدعونا لكتابة فصل جديد في المشهد الاقتصادي المحلي حيث يكون تصدير التكنولوجيا بموازاة تصدرينا للنفط، واستيرادنا للاستثمارات أكثر من السلع، إن الفرصة سانحة ولكن الساعة تدق، وحتى إن تراءت للقريب كما البعيد أن الوقت ليس في صالح الكويت لكن التاريخ علمنا مرارًا أن الأزمة تلد الهمة فتكون دافعًا للإبداع حين تُدار بحزم وعزم وحكمة.

مواضيع مشابهة