يحكى أن رجلاً في ديمقراطية أثينا القديمة، استطاع من خلال تلك الديمقراطية أن يجمع ويحصل على تأييد عدد كبير من الجهلاء وغير المثقفين، من خلال مخاطبة المشاعر بدلاً من العقول وإثارة النعرات الطائفية والطبقية والدينية، كان هذا الرجل يعد كل الناس بكل شيء.
اسم الرجل "ديماجوج".
أهلا بك في الكويت بلد الديماجوجية، الظاهرة السلبية الأكبر للديمقراطية بالكويت، هذا البلد الذي جَنَحت به الأجيال اللاحقة عما خطط له الآباء.
أهلا بك في بلد يولي المسؤوليات لغير أهل الاختصاص، فيتقلد فيها ضابط متقاعد بالداخلية زمام اللجنة المالية، وخريج حقوق مسؤوليات وزارة النفط، وقائد للدراجة البخارية في الشرطة زمام وزارة الأشغال، وحارس مدرسة بالكاد يقرأ ويكتب كرسي النيابة البرلمانية، ثم يتساءل فيه البعض لماذا سبقنا الأشقاء والجيران بإنجازاتهم الاقتصادية والصحية والتعليمية والفنية والرياضية... إلخ؟ -حاشا لله- أن نقول ذلك من باب الاستهزاء بالشخوص الذين نكن لهم الاحترام مهما كانت مناصبهم، ولكن من باب إيضاح سلبيات الوضع الحالي الذي يقودنا للخراب.
أهلا بك في بلد يقوم فيها السفهاء بالتطاول على المقام السامي، بالمخالفة للأعراف التي جبلنا عليها والدستور، ويستخدم فيه بعض السياسيين صورهم في بدلات السجن، لإيهام العامة بأنها تضحيات، فيصدقهم الرعاع بينما أفعالهم هي في حقيقتها عبارة عن خرق للقانون وخروج عن الأعراف، تتطلب عدم تمكينهم من الوصول لكرسي النيابة البرلمانية.
أهلا بك في بلد لا يستحي فيه السياسيون، من الدفاع وبكل صفاقة عن المزورين للجنسية والمزورين للشهادات العلمية والمزورين لشهادات الإعاقة.
إن الأوضاع الإقليمية لا تبشر بالخير، والزمن يسابقنا والأجيال القادمة لن ترحمنا، نحتاج لمراجعة جذرية لما آلت إليه أوضاعنا السياسية التي تشوهت في ضوء النزعات العصبية والقبلية والطائفية وغيرها، ولم يعد مقبولاً الاكتفاء بالقول في كل مرة يثار فيها هذا الموضوع، أن العيب ليس في منظومتنا السياسية بل في البشر، بعد أن جربنا كل أنواع البشر في الحكومة والمجلس.
نعم تتحمل الحكومات المتعاقبة جزءا كبيرا من مسؤولية التعثر، فثمة قضايا أساسية، أهمها الإسكان واستدامة المالية العامة التي عجزت تلك الحكومات عن وضع حلول لها، ولكن في ذات الوقت، كيف لحكومة أن تعمل بكفاءة واستقرار في ظل نظام سياسي يُمكِّن بعض النواب من التهديد باستجواب رئيس الوزراء حتى قبل أداء القسم؟ وتظل هذه الحكومة تحت تهديد مستمر بالاستجوابات العبثية وطلبات طرح الثقة، مدفوعة بمصالح ابتزازية وانتخابية ضيقة؟
وزارة المالية كمثال صارخ لعدم الاستقرار تعاقب عليها ٦ وزراء خلال ٤ سنوات! مقارنة مع المملكة العربية السعودية التي تقلد فيها وزيران للمالية مقاليد العمل خلال الثلاثين سنة الماضية!!
إن مسؤولية مراجعة الأوضاع السياسية الحالية وأوجه القصور فيها تقع علينا جميعاً، حكاماً ومحكومين، من خلال تقييم دقيق ومراجعة متأنية وجرأة لا تخلو من العقلانية للتعثر السياسي الذي أثر بشكل سلبي كبير على تطور الكويت وعزز تخلفها عن الركب.
ونختتم بمقولة لجوزيف جوبلز، الوزير الألماني في عهد هتلر (القائد المجنون الذي تم انتخابه من خلال النظام الديمقراطي!)، يقول جوبلز: "المثير للضحك أن الديمقراطية تُمكِّن ألد أعدائها الوسائل التي تؤدي إلى فنائها".
وقياسا على ذلك، يبدو أن المنظومة السياسية في الكويت أصبحت تمكن من لا يريد الخير لهذا البلد من تدميره من الداخل وبوسائل دستورية وقانونية.