تزوج الأمير «هاري»، حفيد ملكة إنجلترا «إليزابيث الثانية»، من الممثلة الأمريكية «ميغان ماركل»، في حفل كبير تابعه ملايين الناس حول العالم، وحضرته الملكة و600 مدعو.
في ظل هذا الإعجاب الكبير الذي تحظى به العائلة الملكية البريطانية، والاهتمام بتفاصيل أحدث زفاف لها، بدءًا بفستان الأميرة البسيط، ومرورًا بسر جلوس والدتها وحدها في الكنيسة، وانتهاءً بأسباب تجهم «فيكتوريا بيكهام» في أثناء العرس، تتساءل «صوفي غيلبرت» في مقال نُشِرَ على «The Atlantic» عن سر هذا الافتتان بكل تفصيلة تخص بيت ويندسور، وما إن كان انضمام ميغان إلى العائلة يعكس تحديًا لأنماط العائلة، وكسرًا لعاداتها وتاريخها العريق، أم إعادة إنتاج الأفكار نفسها في هيئة مختلفة.
العائلة الملكية: إعجاب عفوي أم هيستيريا؟
ما تفسير متابعة 18 مليون مشاهد في بريطانيا و29 مليون في أمريكا لعرس ممثلة وضابط سابق في الجيش؟
شبَّهت الكاتبة البريطانية «هيلاري مانتل» العائلة الملكية في بلدها بـ«الباندا في حديقة الحيوان»، موضحة أن تكلفة العناية بالباندا باهظة في حين أنها حيوان غير قادر على التأقلم مع البيئات الحديثة. أما الروائي الإنجليزي «مارتن أميس»، فرأى أن العائلة المالكة لا تقدِّر الفن والثقافة.
وفي عام 2000، أكد الكاتب البريطاني-الأمريكي «كريستوفر هيتشنز» أن إعجاب البريطانيين بالعائلة الملكية يعود إلى حالة من الهيستيريا الخفيفة الممتزجة بعبادة الشخصية (ثقافة تملق منظمة غير عفوية).
استنتج أميس قبل الاحتفال باليوبيل الذهبي لتنصيب الملكة إليزابيث الثانية في عام 2002 أن السبب يرجع، مثلما هو العادة في المسائل الملكية، «ليس إلى مميزات وعيوب، أو رأي ورأي مضاد، وإنما إلى إشارات ورموز، وحُمَّى حماسية وسحر». في رأيه ليس هناك تفسير آخر لجلوس 18 مليون مشاهد في بريطانيا و29 مليونًا في أمريكا أمام شاشات التلفزيون لمتابعة عرس جمع ممثلة وضابطًا سابقًا في الجيش.
اختيار ميغان: زواج أم ثورة؟
في كسر واضح للتقاليد الملكية، ألقت ميغان خطاب عرسها بنفسها، رغم أن الأب هو الذي يلقيه عادةً.
زواج هاري من ميغان لم يكن مَلكيًّا عاديًّا، يمكن أن يمر دون إثارة كثير من الأسئلة وعلامات التعجب، فالعروس تبلغ من العمر 36 عامًا (تقريبًا ضعف عمر الأميرة ديانا حين خطبها الأمير تشارلز)، وهي كذلك امرأة متحققة، لديها عملها وثروتها التي جمعتها بنفسها، ولم ترثها جاهزة.
سارت ميغان وحدها في الجزء الأول من ممشى كنيسة «سانت جورج» في قلعة «ويندسور»، على عكس الأميرة «كيت ميدلتون» التي اصطحبها والدها، على سبيل المثال. والأهم من ذلك أن الاحتفال احتوى على لفتات كثيرة متعمَّدة للتذكير بأن ميغان صاحبة أصول مختلطة إفريقية-أوروبية.
ألقى القس «مايكل كري»، الأمريكي من أصول إفريقية، خطبة مثيرة للمشاعر ذكر فيها «مارتن لوثر كينغ الابن»، الزعيم الأمريكي ذا الأصل الإفريقي، وأناشيد روحية غنَّاها السود المستعبَدون في الجنوب الأمريكي في الماضي. تعليقًا على هذه الاختيارات رأت الكاتبة «ديانا إيفانز» أن تلك الخطبة «سيسجلها التاريخ كلحظة وُضِعَ فيها كرسي الاستعمار الصلب أمام الله، وتعرَّض للمساءلة في بيته».
ليست مهمة ميغان، التي أصبحت بزواجها من الأمير «دوقة ساسكس» و«كونتيسة دومبارتون» و«بارونة كيلكيل»، أن تعمل وحدها على تحديث مؤسسة قاومت التغيير بإصرار منذ البداية. رغم هذا، شهد بيت ويندسور ثورة، شاء أم أبى.
تدعونا الكاتبة إلى مطالعة صفحة الدوقة ميغان على موقع العائلة الملكية، إذ تتضمن اقتباسًا من الخطاب الذي ألقته في الأمم المتحدة في يوم المرأة العالمي عام 2015، وتقول فيه: «أنا فخورة لأني امرأة ونِسوية».
في كسر واضح للتقاليد الملكية، ألقت ميغان خطاب عرسها بنفسها رغم أن الأب هو الذي يلقيه وفق العادة. وهي شخصيًّا تفتقر إلى الطابع الرسمي المتكلِّف في التصرف، إذ تشير التقارير إلى أنها فاجأت الجميع باحتضان الحرس الخاص للأمير هاري، وذلك في بيئة يحكمها البروتوكول الرسمي.
بعيدًا عن المنطق: الشعب مفتون بالعائلة الملكية
ضحَّت ميغان بالكثير للانضمام إلى العائلة الملكية، لكنها في المقابل أعادت تعريف كلمة «أميرة».
هناك أسباب منطقية كثيرة تدعو إلى معارضة وجود الملكية في القرن الحادي والعشرين. ولكن ما يعرفه البريطانيون أن الموضوع أعقد من ذلك، فمن الصعب فصل المنطق عن العاطفة، والتراتبية عن التاريخ.
ما زال ثلثا البريطانيين يدعمون وجود العائلة الملكية، ويبدو أن الأمريكيين أكثر افتتانًا بفكرة الامتياز الموروث من البريطانيين أنفسهم، وهذا ما تكشفه حالة ترقب العرس ونسبة المشاهدة العالية للاحتفال.
هذا الافتتان جزء منه ثقافي، فمنذ أن وُجِدَت الملكية وهي صاحبة مكانة في الأعمال الأدبية، إضافة إلى تعرضها للنقد من خلاله أيضًا. وَظَّف «شكسبير» مسرحيته «الملك لير» لانتقاد الملكة إليزابيث الأولى بشكل خبيث، ومسلسل «The Crown» واحد من أعلى برامج «نتفليكس» مشاهدة.
هذا التحول من شخص عادي إلى عضو في عائلة ملكية جذاب للغاية، فهو كالحكايات الخيالية، وهذا ما قدمته أفلام مثل «The Princess Diaries» و«King Ralph».
ميغان تجسيد لتحقق هذا الحلم القديم، فهي فتاة أمريكية عادية انتهى بها الأمر عضوًا في واحدة من أسمى العائلات مقامًا في العالم بسبب زواجها من أمير.
ربما يصعب أن ندرك أن العامة هم المستفيدون من انضمام ميغان إلى العائلة الملكية. ضحَّت الأميرة الجديدة بالتمثيل من أجل التركيز على العمل الخيري الذي انشغلت به منذ زمن. وبالمثل ضحت بخصوصيتها واستقلاليتها وقدرتها على التسوق، أو حتى قص شعرها دون أن يشاهدها العالم عن كثب، لكنها في المقابل أعادت تعريف كلمة «أميرة».
يرمز سن ميغان ماركل وسيرتها، اللتان يختلفان كل الاختلاف عن كل من تزوج من «آل ويندسور» قبلها، إلى حجم التطور الذي طرأ على مفهوم المرأة العصرية. في خضم افتتاننا بآل ويندسور وأميرات «ديزني» وديانا، ربما يريحنا أو يشجعنا أن أحدث ممثلَين لكلا الفريقين، ميغان وهاري، لديهما إرادة تغيير ما يمثلانه، بل وتحديه.