بينما ينشغل العالم بتأمين لقاح كوفيد-19، أجرى مستشار الدولة ووزير الخارجية الصيني «وانغ يي» خلال مارس 2021 جولة استمرت 6 أيام في الشرق الأوسط، زار خلالها السعودية والبحرين والإمارات وسلطنة عمان، بالإضافة إلى إيران وتركيا.
لم يكن للصين حضورًا سياسيًا لافتًا قبل عقد من اليوم في منطقة غرب آسيا والعالم العربي، لكن تزايد الاهتمام الصيني بالمنطقة في السنوات الأخيرة وتناسقه مع استراتيجيات تنموية واقتصادية اتخذتها دول جنوب غرب آسيا مؤخرًا، يجعل من استكشاف طبيعة هذه العلاقات أمرًا جديرًا بالاهتمام، خاصة في ضوء تقلص الدور الأمريكي واتجاه الدول الغربية بعيدًا عن الدول العربية نحو شرق آسيا.
تعتبر الصين نفسها قائدة للجنوب العالمي وإحدى القوى العظمى في العالم، وبذلك فهي تطمح لتطوير شراكات استراتيجية مع دول العالم النامي لأسباب استراتيجية واقتصادية شتى. كما أن دبلوماسية الصين والأدوار التي تلعبها في الخارج تساعد في كسب الرأي العام الداخلي وضمان استمرار الحزب الشيوعي في الحكم، وبالتالي فإن تعزيز علاقاتها مع دول منطقة الشرق الأوسط يخدم هاتين المصلحتين ويعزز نفوذها السياسي عالميًا.
لا ترى الصين نفسها كقوة إمبريالية، ولطالما انتقدت التدخلات الغربية في منطقة الشرق الأوسط، وعبرت عن تضامنها مع قيادات المنطقة ورفضها لاستغلال راية «حقوق الإنسان» من قِبل الغرب للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، فضلًا عن أنها عبّرت مرارًا عن رغبتها في التعاون مع دول الخليج في مجال محاربة الإرهاب.
أما على الصعيد الاقتصادي، فإن الصين تركز كما هو واضح في خطاب وزير الخارجية خلال زيارته الأخيرة، على إيجاد حلقات وصل بين مبادرة «الحزام والطريق» الصينية والاستراتيجيات التنموية الوطنية في الخليج، كرؤية 2030 في السعودية، والرؤية الاقتصادية 2030 في البحرين، ورؤية 2040 في عمان.
خلال زياراته للقادة الخليجيين في مارس 2021، أكد وانغ يي رغبة الصين في الوصول إلى اتفاق نهائي بخصوص مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، مستغلًا بذلك مرحلة التصالح الخليجي بعد توقيع بيان العلا. وقد تزامنت جولة وانغ يي في الشرق الأوسط مع توقيع مبادرة التعاون بين الصين وجامعة الدول العربية في مجال أمن البيانات في 29 مارس 2021، وهي مبادرة تهدف إلى تعزيز دور الدول النامية في وضع القواعد الدولية في ما يتعلق بالحوكمة الرقمية والاقتصاد الرقمي، مما يعمق بصمات «طريق الحرير الرقمي» في المنطقة.
أولوية الصين في الشرق الأوسط
كانت السعودية وجهة وانغ يي الأولى، حيث التقى ولي العهد السعودي في نيوم ليؤكد أولوية المملكة على خارطة السياسة الخارجية للصين في الشرق الأوسط، ويدعو لتفعيل دور «اللجنة السعودية الصينية رفيعة المستوى»، والتي تشكلت في عام 2016 خلال زيارة الرئيس الصيني للملك سلمان في السعودية كجزء من الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين.
وكانت الصين قد أعلنت عن استراتيجيتها في الشرق الأوسط والتي ترتكز على خمسة محاور، من ضمنها إيجاد حلول سياسية للأزمات في سوريا وليبيا واليمن. وفي هذا السياق، عبرت الصين عن تأييدها لمبادرة وقف إطلاق النار في اليمن التي أعلنتها المملكة مؤخرًا، وعبرت كذلك عن استعدادها للعمل كوسيط واستضافة مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أراضيها، وهي مبادرة كانت قد اتخذتها الصين منذ سنوات عدة لتعزيز السلام في الشرق الأوسط، رغم أن علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل تنحاز وتعزز من قوة الأخيرة في المنطقة.
شكّل الوباء فرصة لتعميق علاقات الصين مع الإمارات إذ ازداد التعاون بين الطرفين في مجال إدارة الأزمة الصحية وتطوير اللقاح.
تلقت الصين انتقادات عديدة من جهات وشخصيات مؤثرة في العالم الإسلامي في ما يتعلق بإجراءاتها تجاه الأقلية المسلمة من الإيغور، ولذلك فإن استخدامها لأدوات قوتها الناعمة بخصوص القضية الفلسطينية يعكس اهتمامها بكسب الرأي العام في الأوساط العربية والإسلامية خاصة، مقابل استمرار الولايات المتحدة في تهميش حقوق الفلسطينيين خلال رئاسة دونالد ترامب، فالصين ليست الوسيط الأمثل، كما أن محاولاتها السابقة لم تكلل بالنجاح.
تسارع العلاقة بين الصين والإمارات
تبدو علاقات الصين مع الإمارات هي الأكثر تسارعًا بين دول مجلس التعاون الخليجي وعلى مستوى غرب آسيا بشكلٍ عام. وتتماشى الاستراتيجيات الصينية مع رغبة الإمارات في تطوير اقتصاد معرفي، وتنويع حلفائها الاستراتيجيين في ظل تقلص الدور الأمريكي.
شكّل وباء كوفيد-19 فرصة جيدة لتعميق هذه العلاقات، إذ ازداد التعاون بين الطرفين في مجال إدارة الأزمة الصحية وتطوير اللقاح.
وإلى جانب التعاون المشترك في مجال التجارب السريرية للقاح، دشنت الصين والإمارات خلال زيارة وانغ يي الأخيرة لأبو ظبي مشروع «علوم الحياة وتصنيع اللقاحات» تحت عنوان «الشراكة الاستراتيجية لأجل الإنسانية»، وهو مشروع يطمح لخلق نقلة نوعية في مجال العلوم الحياتية بالمنطقة، بالإضافة إلى تصنيع لقاح كوفيد-19 في دولة الإمارات تحت مسمى «حياة فاكس»، عبر تعاون بين مجموعة «G42» الإماراتية ومجموعة «سينوفارم CNBG» الصينية.
تطمح الصين أيضًا بالتعاون مع الإمارات لإصدار شهادات تطعيم عالمية لتسهيل التنقل الدولي، وهو ما يرمز إلى استعداد الطرفين لخلق الموائمة بينهما، رغم ضبابية المستقبل وزيادة القلق حول مدى إمكانية العودة إلى عالم ما قبل كوفيد-19.
باقي دول الخليج وتوازنات المستقبل
تستقبل الصين حصة كبيرة من نفط الخليج، وفي المقابل، فإن الدول الخليجية التي تواجه تحديات اقتصادية كالبحرين وعُمان تتوقع من الصين أن تستثمر في قطاعاتها غير النفطية، لتسهم في دعم الاستراتيجيات الوطنية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط.
في عمان، ورغم توقيع اتفاقيات اقتصادية عديدة مع الصين في قطاعات غير نفطية كالكهرباء والسياحة، فإن استثمارات الصين لا تنافس الاستثمارات البريطانية والأمريكية والخليجية في السلطنة.
رغم ذلك، ترى الصين في عمان مساحة مناسبة لكسب نفوذ دبلوماسي أكبر، وذلك بحكم سياسة السلطنة الخارجية الوسطية الشاملة وانفتاحها على أطراف متنازعة كإيران وإسرائيل، وهذا ما صرح به وزير الخارجية الصيني خلال زيارته الأخيرة إلى مسقط، حين قال إن سلطنة عمان ستلعب دورًا استثنائيًا في تحقيق السلام في الشرق الأوسط.
تُطرح تساؤلات كثيرة حول مسار العلاقات الخليجية الصينية بعد اتفاقية الـ25 عامًا الأخيرة بين بكين وطهران في مارس 2021، والتي تأتي ثمرة اقتراح كان قد أدلى به الرئيس الصيني خلال زيارته إلى إيران في عام 2016. تقترح بعض وسائل الإعلام أن حجم الاستثمار الصيني في إيران سيصل إلى 400 مليار دولار، لكن الجهات الرسمية في الصين وإيران لا تصرح بحجم الاستثمار الحقيقي الناتج عن هذه الاتفاقية.
في الواقع، تولي الصين أهمية كبرى لدول مجلس التعاون الخليجي، خاصة مع ارتكاز هذه العلاقات حول التبادل التجاري بين المنطقتين وأهمية الخليج للصين كمُصّدر رئيسي للنفط. تحاول الصين الحفاظ على التوازن في المنطقة دون تهديد علاقاتها الاقتصادية المتينة مع دول الخليج ممن يعتبرون إيران خطرًا أمنيًا. ورغم التغطية الواسعة التي نالتها اتفاقية الصين وإيران، فإن حجم المنجزات الصينية في الخليج والإمارات خصوصًا وقيمتها الاقتصادية أعمق بكثير من تلك التي حققتها في إيران.