بدأت في مايو الماضي موجة احتجاجات في الشارع العماني، مطالبةً بفرص للعمل، في ظل مرور السلطنة بأزمة اقتصادية نتج عنها إيقاف العمل في القطاع الحكومي منذ سنوات، والدعوة إلى إسهام القطاع الخاص في احتواء القوى العاملة الوطنية.
إلا أن جائحة كورونا فاقمت من هذه الأزمة بعد تسريح عدد كبير من العمانيين، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول الحلول المطروحة لاحتواء الأزمة. هل متطلبات هذه المرحلة، التي تقضي بتطوير مساحة الاستثمار في عُمان، تعني بالضرورة حلًا لأزمة البطالة؟ وما المجالات التي من الممكن أن تجلب الاستثمارات إلى عمان، وفي أي قطاعات بالتحديد؟ وهل ينبغي التركيز على قطاع الترفيه، أم القطاع اللوجستي المتمثل في المواني؟ وما موقع ميناء الدقم من مواجهة هذه الأزمة؟ ولماذا تغيب في سلطنة عمان الدراسات الآنية التي تتناول بنية الاقتصاد والأزمات الحديثة وتربطها بالسياسات الاقتصادية الأخيرة؟
واقع الاستثمار الخليجي والأجنبي في عمان
تصدرت العناوين الاقتصادية العُمانية المحلية في الفترة الأخيرة تساؤلات حول واقع الاستثمار الأجنبي بشكل عام، بما فيه الخليجي والعالمي، ونسبة إسهامه في الاقتصاد المحلي، وتحديدًا بعد توقيع الاتفاقية العُمانية السعودية في العاصمة الرياض، والتي خرجت بصفقات استثمارية تصل إلى ما يقارب 4 مليارات دولار من جهة، والتركيز على الدبلوماسية الاقتصادية للسفراء من الجهة الأخرى، والتي تقضي، بحسب تصريح وكيل وزراة الخارجية العُمانية للشؤون الدبلوماسية، بأن مقياس نجاح السفير العُماني يعتمد على قدرته على جذب الاستثمارات، وعقد الصفقات مع الدول الأجنبية أو التي يمثل السلطنة فيها كسفير.
ترافق ذلك أيضًا مع التعديل الوزاري الذي أعلنته وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، بهدف تعزيز بيئة الاستثمار في البلاد من خلال برنامج «إقامة مستثمر»، والذي يمنح المستثمرين حق الإقامة الطويلة لمدة 5 أو 10 سنوات قابلة للتمديد وفق ضوابط محددة.
في هذا السياق، وبالأرقام، نجد أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في عُمان حتى نهاية الربع الثاني من العام الماضي 2020، قد بلغت نحو 15 مليارات و440 مليون ريال عُماني (أي ما يزيد عن 40 مليار دولار أمريكي)، مقارنة بـ13 مليارًا و642 مليون ريال عُماني (أي ما يزيد عن 35 مليار و 433 مليون دولار أمريكي) مع نهاية الربع الثاني من العام 2019، وذلك حسب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.
ورغم هذه الزيادة الطفيفة، فإن الاستثمار الأجنبي في عُمان يعتبر ضعيفًا مقارنة بالموارد الطبيعية من جهة، وبالاستقرار الذي شهدته البلاد بشكل عام في الفترات الماضية التي امتدت إلى 50 عامًا من الجهة الأخرى، وكذلك بالمقارنة بالجهود العالمية التي بذلتها الحكومة في السنوات الماضية، بما فيها الوساطة بين الدول، وبشكل خاص الاتفاق الأمريكي الإيراني.
بالإضافة إلى ذلك، يتزايد الحديث عن الاستثمار الأجنبي في كل أزمة مالية تمر بها الدول، ويُطرح السؤال حول نسبة الاستثمار الأجنبي ونوعيته في هذه البلاد أو تلك، ليس بهدف معرفة نسبة إسهامه في المنتجات الاستهلاكية ونوعية الحياة فقط، بل أيضًا في ضخ الأموال إلى السوق المحلي، وزيادة فرص التوظيف، ونمو الإيرادات الخارجية، وزيادة التنافس عن طريق خلق بيئة عالمية للعمل تسهم في رفع معايير التدريب والمهارات للموظفين.
نحاول هنا اكتشاف الأسباب المؤدية لهذه الجهود في استقطاب الاستثمار الأجنبي من جهة، في الفترة التي أطلقت عليها الحكومة «خطة التوازن المالي متوسطة المدى» الممتدة من 2020 إلى 2024، والتي لجأت إلى الكثير من الإجراءات التقشفية والكثير من الخطوات الاقتصادية المختلفة، كما تسعى من الجهة الأخرى للبحث في التحديات المحلية التي تواجه الاستثمار الأجنبي وعدم انتعاش هذه الاستثمارات لتحفيز الاقتصاد المحلي، بما فيها التشريعات والقوانين، مثل: التعمين، والقوة الشرائية للمواطن، وغيرها، لو أخذنا في الاعتبار وبحسب التقارير المعتمدة في هذا الشأن أن هذه الاستثمارات الأجنبية تتركز في استخراج النفط والغاز بالدرجة الأولى، وفي الصناعات التحويلية في المقام الثاني، وأخيرًا في قطاع الوساطة المالية.
الاستثمار الأجنبي وخطة التوازن المالي
لا يعتبر الحديث عن الاستثمار الأجنبي في السلطنة جديدًا، فمن الممكن رصد هذا الاهتمام مع إنشاء الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات في عام 1996، وما رافق ذلك من جهود موازية لها لم تُكلل بالنجاح. هناك كذلك الكثير من الدعوات المتكررة، والتشخيصات المختلفة، التي ناقشت هذه المسألة من جوانب مختلفة. وربما كانت النقاط الأهم في هذا المجال تذهب لمناقشة دور التشريعات والقوانين في المقام الأول في هذا الإخفاق كما يذهب البعض، فتوفير المناخ الجاذب لها لا يقتصر فقط على «استعمال عبارات عامة مثل تحسين مناخ الاستثمار»، كما يذكر الكاتب العماني مرتضى بن حسن بن علي في مقاله «لماذا أخفقنا في جذب الاستثمار الأجنبي؟».
يتعدى الأمر إلى ضرورة «التركيز على دولة القانون، وما يترتب على ذلك من احترام كامل لحقوق وواجبات المستثمر، ووضوح المراكز القانونية، وخضوع الجميع للقانون واستبعاد الاستثناءات»، فالمستثمر يحتاج إلى الاستقرار في التشريعات والقوانين المتعلقة بهذا الشأن، ذلك أن التعديل المستمر لهذه القوانين وتعديلاتها يجعله «قلقًا على استثماراته»، الأمر الذي يجعل باب الفساد مُشْرعًا في هذا المجال بدرجة كبيرة، لأنه «ينشئ جوًا من عدم اليقين وعدم تكافؤ الفرص. التعامل في الظلام وداخل الغرف المغلقة يحُول دون القدرة على الحساب السليم، لذلك فإن أكثر الشركات الكبيرة والناجحة تبتعد عن مواطن الفساد، فلا ينجح في هذه الأجواء إلا الكيانات غير الجادة، التي لا تبحث عن فرص الاستثمار بقدر ما تبحث عن فرص الاستغلال والربح السريع. ومن هنا يبقى الفساد العدو الأكبر للاستثمار المنتِج، ويبقى أيضًا العنصر الأهم في خراب الدول. المستثمرون لا يأتون إلى البلدان التي يضربها الفساد، بل يتابعون التقارير الدولية عن الدول التي ينتشر فيها، أو على الأقل وجود انطباع قوي بوجود الفساد»، بحسب رأي مرتضى بن حسن.
في هذا السياق، ومع خطة التوازن المالي الموضحة أعلاه، نجد التركيز واضحًا على المحاور الاقتصادية بشكل عام، وعلى تحفيز بيئة الاستثمار المحلي والأجنبي بشكل خاص، من خلال بعض المبادرات الحكومية المختلفة التي تسعى للتركيز على «نجاح الاستدامة المالية، وتحسين بيئة العمل»، عن طريق «التحول نحو الحكومة الإلكترونية، وتنشيط السوق العقاري، ومبادرة مراجعة الرسوم الجمركية»، وغيرها من القوانين المختلفة في هذا الشأن. غير أن هذه الدعوات ليست جديدة أو مقترنة بخطة التوازن المالية الحالية، فمنذ فترة طويلة تتكرر هذه النداءات، وتُنظم الكثير من الندوات دون إحراز أي تقدم يذكر.
في مقابل هذه التحفيزات، نجد أن هناك الكثير من التحديات الواجب أخذها بعين الاعتبار عند الحديث عن رغبة جذب المستثمر الأجنبي، ومنها التعمين، والقوة الشرائية للمواطن، والمستوى التنافسي.
التعمين، والقوة الشرائية، والضرائب: تحديات المستثمر الأجنبي
لا شك أن تزايد أعداد العاطلين عن العمل في سوق التوظيف المحلي يعتبر تحديًا جوهريًا في خطط تقليص هذه الأعداد من جهة، وتزايد أعداد المُسرَّحين عن العمل من الجهة الأخرى، الأمر الذي جعل الحكومة تتجه إلى خطة «التعمين» (Omanization)، أو الإحلال.
غير أن هذه الخطوة بالرغم من جانبها الإيجابي على العاطلين عن العمل، فإنها تشكل تحديًا كبيرًا للعديد من الشركات الدولية الراغبة في الاستثمار في السوق المحلي، بحسب تقرير مركز إدارة التجارة الدولية من واشنطن (ITA)، فهي أولًا تعتبر تدخلًا من جانب الحكومة في الاستثمار وخططه، التي يصعب على الشركات الوفاء بها، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن التنافسية في سوق العمل ليست محلية، بل عالمية. بمعنى أن المشاريع لا تستهدف فقط السوق المحلي، بل تستهدف بدرجة أساسية السوق المحلي والإقليمي المجاور. وبالإضافة إلى ذلك، نجد أن تعهد الشركات المستثمرة بتدريب الموظفين على رأس عملهم، يضاعف الإنفاق على المؤسسة في قطاعات متوفرة بسهولة في دول أخرى.
علاوة على ذلك، تشكل العلاقة الوثيقة بين القوة الشرائية للمواطن، التي تأثرت بخطة التوازن المالي عن طريق توقيف العلاوات وتقليص الحوافز للموظفين، مؤثرًا كبيرًا على الأوضاع في سلطنة عمان، ليس على الجانب النفسي للمواطن، بل على الجانب الاقتصادي، بما يعني دخوله مرحلة تقشف طويلة المدى من جهة، وتآكل المبالغ والأصول المدخرة من الجهة الأخرى، وتزايد أعداد المسرحين من أعمالهم من الجهة الثالثة، الأمر الذي يؤثر على التدفقات المالية في السوق والقوة الشرائية التي تصل إلى حدودها المتدنية.
في هذا السياق، وفي مسار غير متوافق مع خطة التحفيز الاقتصادي المعلنة، نجد أن الضرائب المتزايدة التي تفرضها الحكومة على الكثير من القطاعات بما فيها الكهرباء للمقيم، والقرارات التي تهدف لرفع رسوم العمل على العاملين غير العمانيين، تسهم إلى حد كبير في تأخير سداد المتأخرات نظير المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية للمؤسسات الحكومية، الأمر الذي يعني تزايد القروض على هذه الشركات ودخولها في أزمة مالية غير متوقعة.
من الواضح أن المستثمر الأجنبي يحتاج إلى الكثير من الحوافز المختلفة للاستثمار، وقد تكون العوامل السياسية على نفس القدر من الأهمية بالنسبة للعوامل الأخرى في هذا الجذب. وتعد البنية التحتية، بما تعنيه وتتضمنه من سهولة الوصول للمواد الخام، والتواصل المباشر بين جميع أطراف الاستثمار، ومهارات العمالة وأجورهم، والضرائب المفروضة على هذه الشركات، عوامل حاسمة ومهمة.
وفي الجانب الآخر، من الضروري عدم التركيز على قطاع استثماري واحد كما هو الحال الآن، لأن دعم بقية القطاعات الموجهة لعموم السكان، بما توفره من منافع مختلفة، من الممكن أن يسهم بطريقة أو بأخرى في تحسين مستوى معيشة المواطن، وخلق فرص تنافسية بين الشركات الأجنبية.
إن الدعم الخليجي لدولة تعاني من وضع اقتصادي متعثر، ضروري لدرء الفوضى وتقليل البطالة، عن طريق استثمار الأموال الخليجية في عُمان.