كان أقرانه يسخرون منه قائلين إنه سيطلق عليهم النار يومًا ما، لكن النكتة تحولت إلى نبوءة، وتحققت.
بعد ظهر يوم الأربعاء 14 فبراير، أطلق المراهق «نيكولاس كروز» النار عشوائيًّا على زملائه السابقين في المدرسة الثانوية مارجوري ستونمان دوغلاس في مدينة باركلاند جنوب شرق ولاية فلوريدا، بسلاح آلي اشتراه بشكل قانوني. أسفر الحادث عن 17 قتيلًا، منهم مدرب كرة القدم الذي حاول إنقاذ طلابه، وأكثر من 12 جريحًا.
إطلاق نار عشوائي؟ السبب اضطراب عقول المواطنين
في اليوم التالي، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في حديثه المتلفز، أن أمان التلاميذ والمدرسين مكفول في المدارس الأمريكية.
وفي إشارة إلى ما اتُّهِم به كروز من اضطراب، ألحّ ترامب على ضرورة معالجة مشكلة «الاضطراب العقلي» لبعض المراهقين في جوٍّ من التواصل الإنساني والصداقة والجيرة. انطوى حديث ترامب على لوم ضمنيّ للتلاميذ والأهالي، لاستهانتهم بمُطلِق النار وعدم إبلاغهم السلطات بسلوكه، فقد كان مضطربًا عقليًّا.
خلا حديث ترامب من أي احتمالات للسيطرة على السلاح. وخلا كذلك من توضحيات مهمة، مثل جدوى الصداقة والجيرة في وقف الهجمات في بلد مدجج بالسلاح، أو ماهية معايير تكوين «فريق إنقاذ» من الأهالي والتلاميذ للبَتِّ في اضطراب عقلي لشخص ما حولهم، فضلًا عن أن محيط الطالب الاجتماعي قد تحرك بالفعل، بدايةً من طلب أمه بالتبني المساعدة من الشرطة بشأن سلوك ابنها المشاغب، وحتى فَصْله من المدرسة بسبب سلوكه المنحرف.
بعد وفاة أمه وانتقاله إلى أسرة جديدة، لم تلحظ أسرته الجديدة أي إشارات لاضطرابه العقلي سوى المزاجية والاكتئاب اللذين يصاحبان أي شخص فقد أمه. حتى أن امتلاكه بندقية لم يحمل أي إشارة مقلقة، لأنه ببساطة قانوني. وقبل الحادث، وصل تقريران إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي يشيران إلى أن حسابًا يحمل نفس اسم المراهق على موقع يوتيوب يرغب صاحبه في تعلم إطلاق النار بشكل محترف.
أحدهم يطلق النار العشوائي بسلاح اشتراه بشكل قانوني، وضحايا لا يتوقعون ما حدث لهم، وسياسيون ينعون الضحايا، ويصلون من أجل إبعاد الشياطين.
كل تلك التحذيرات لم تكن كافيةً بالنسبة للسلطات من أجل منع حدوث إطلاق النار. واختزال أسباب المشكلة في الاضطراب العقلي لبعض المواطنين يبدو انتهازيًّا، لأن التجريم القانوني لشراء بندقية أكثر منطقيةً من تجريم مرض يُعالج عند مختصين.
أمريكا: القانون في خدمة الأسلحة
يعطي قانون حمل السلاح بأمريكا كل المواطنين الحق في شراء الأسلحة، باستثناء الذين أودِعوا مصحات عقلية، أو صدر في حقهم حكم قضائي بالاختلال العقلي. لكن القانون لم يحدد ماهية الاختلال العقلي، فهل يتضمن ذلك الاكتئاب والإدمان واضطراب الشخصية النرجسية؟
لم يحاول الجمهوريون ولا الديموقراطيون تغيير هذا القانون المُلتبس، بسبب الأموال الطائلة التي يتلقاها الحزبان من اجتماعات «الاتحاد القومي للأسلحة»، وهو أكبر لوبي للسلاح في أمريكا.
حتى لو تسلّح الأساتذة، فالجاني في مثل هذه الحالات لا يخشى فقد حياته، بل غالبًا ما يكون ذلك جزءًا من خطته.
هذا الالتباس في القانون يمنع السلطات حتى من مصادرة بندقية في حوزة شخص مثير للشغب، لأن القانون يحمي المِلكيات الشخصية. ونتيجةً لعدم فعالية القانون، كَثُرت حوادث إطلاق النار العشوائي، فقد وقعت ثلاث حوادث في ولاية فلوريدا وحدها خلال السنتين الماضيتين. ويتكرر سيناريو الحادث بنفس التفاصيل: أحدهم يطلق النار العشوائي بسلاح اشتراه بشكل قانوني، وضحايا لا يتوقعون ما حدث لهم، وسياسيون ينعون الضحايا ويُصلون من أجل إبعاد الشياطين.
تسليح المدرسين للدفاع عن طلابهم
البندقية «AR-15»، التي استخدمها كروز في إطلاق النار العشوائي، تُستخدم للاقتحام، وتتدرب عليها قوات مشاة بحرية الولايات المتحدة (المارينز) لأكثر من أسبوعين قبل السماح لهم بتلقيمها بالذخيرة، لمعرفة كيفية استخدامها وصيانتها. وطوال هذين الأسبوعين، يحمل الجندي البندقية دون طلقات. ومن أجل زيادة الأمان، يغلق الجندي بندقيته خلال النوم في الثكنة.
يحكي «أنتوني سووفورد»، وهو مدرس للغة الإنجليزية وضابط سابق في قوات المارينز، أنه كان يُسمح له بتلقيم بندقيته في أثناء التدريب في الميدان فقط، وأنه قضى 12 ساعة لتفكيك البندقية وتنظيفها ثم إعادة تجميعها. وكان التدريب على يد متخصص، والهدف «قتل الأعداء». في حين لم يتدرب القاتل كروز ساعة واحدة حتى، ولا يوجد أي سبب لاقتنائه البندقية.
سووفورد يرى أن حل الرئيس ترامب سخيف، لأن فايس لن يستطيع بمسدسه العادي ردع الجاني ببندقيته السريعة. وحتى لو تسلّح الأساتذة، فالجاني في مثل هذه الحالات لا يخشى فقد حياته، بل غالبًا ما يكون ذلك جزءًا من خطته.
ماذا لو طبقنا حل ترامب في المدارس؟
لو افترضنا أن حل ظاهرة إطلاق النار العشوائي داخل المدارس من قِبل الطلاب هو تسليح الأساتذة، فيجب إذًا أن يفوق تسليح الأساتذة التسليح العادي الممكن قانونًا، لتكون لهم اليد العليا في الاشتباكات، ويجب كذلك أن يكون بداخل كل مدرسة وحدة تدخل سريع مكونة من المدرسين المسلحين، ليستطيعوا مواجهة إطلاق النار في بدايته.
هذه الوحدة، كي يكون تدَخُّلها متناغمًا وفعالًا، يجب أن يكون لها قائد ذو رتبة من المدرسين، ليتصرف الباقون حسب أوامره، وهنا ستوازي تراتبية المدرسين المسلحين التراتبية الإدارية للمدرسة نفسها.
وبتعميم النظام، سيكون هناك قائد عسكري من المدرسين لكل مجموعة مدارس، وهكذا، حتى نصل إلى منصب القائد العام للمدرسين المسلحين في الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا حدث ذلك، فإن مطلقي النار العشوائيين هؤلاء سيطوِّرون تسليحهم بدورهم، وبشكل قانوني أيضًا، وسيكون في خطتهم أنهم سيواجهون مدرسين مسلحين، ما سيجعلهم يصنعون خططًا أكثر تركيبًا وطموحًا، وربما يشترك فيها عدة تلاميذ بدلًا من تلميذ واحد، ليهجموا بذخيرة أكبر، وساعتها سيكون على المدارس أن توفر مخزنًا للذخيرة في الجوار لإمداد المعلمين بالذخيرة وقت الاشتباكات.
وبالطبع، سيكون على المدارس وضع نقاط تفتيش قبل المدرسة نفسها بمسافة كافية، وسيكون على المدرسين الالتزام بنوبات حراسة للمدرسة، وسيكون لكل نقطة تفتيش معلم مسؤول. ومع كل حادثة جديدة، ستتوسع المسافة بين المدرسة ونقطة التفتيش.
ستزيد نقاط التفيش، حتى يكون على المدرسة تأمين المدينة بأكملها، لتكون قد فعلت كل ما بإمكانها فعله لحماية تلاميذها.
هذا طبعا تخيل كاريكاتيري لما يمكن أن نصل إليه بامتدادات منطق تسليح الأساتذة، لكنه لا يبتعد تمامًا عن منطق ترامب في حل المشكلة.
إذا كان ترامب يقترح زيادة علاوات الأساتذة الذين يحملون أسلحة، فإن الأصوات التي تدعو إلى السيطرة على السلاح تعلو داخل أمريكا. لكن «واين لابيار»، رئيس الاتحاد القومي للأسلحة، يصف تلك الأصوات بأنها تصدر من «كارهي الحرية الفردية، والمستغلين»، لأنهم استغلوا الحادث المأساوي من أجل نشر فكرة إلغاء حقوق حمل السلاح، كأنه من الغريب أن نُسائل منظومة امتلاك السلاح بعد حوادث إطلاق النار العشوائي.