منذ ما يقرب من عام، تحديدًا في أكتوبر 2017، صرحت «كرستين لاغارد»، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، في أثناء عرض رؤيتها عن آفاق الاقتصاد العالمي، مستخدمة اقتباسًا شهيرًا للرئيس الأمريكي الأسبق «جون كيندي»، لوصف الحالة التي يمكن أن تلخص حالة الاقتصاد العالمي الآن في انتظار الأزمة المالية القادمة، إذ قالت: «يجب إصلاح السقف حينما تكون الشمس مشرقة».
كان هذا المجاز الشديد عن الشتاء القادم للاقتصاد العالمي بعد أشعة الشمس الجميلة، معبِّرًا بشدة. في سبتمبر 2018، صرح رئيس الوزراء البريطاني السابق «ديفيد كاميرون» بأنه يبدو أن العالم يسير نائمًا دون وعي، نحو الأزمة الاقتصادية القادمة.
هذه التصريحات، وإن بدت في أحيان كثيرة مفرطة في التفاؤل بإمكانية تدارك الوضع الحالي للاقتصاد العالمي، الذي يسير نحو حافة الانهيار حرفيًّا، رغم المؤشرات الإيجابية الكثيرة.
عشر سنوات كاملة مرت على الأزمة الاقتصادية الأخيرة في 2008، والتي ضربت العالم لتكشف بشكل كبير عن مدى الهشاشة التي تعتري نظامنا المالي والاقتصادي العالمي. دفعنا فرط الثقة إلى عدم توقُّع تلك الأزمة قبل 2008، وتأثيراتها المباشرة في حياة الناس.
تسببت تلك الأزمة في فقدان تسعة ملايين شخص في الولايات المتحدة فقط وظائفهم، وخمسة ملايين آخرين فقدوا منازلهم بسبب عدم دفع أقساط الرهون العقارية التي حفَّزت الأزمة منذ البداية.
ظهرت تحليلات كثيرة تتوقع الأزمة قبل 2008، حتى إن صندوق النقد الدولي يحذر في تقريرة السنوي على مدار الأربع سنوات الأخيرة من الأخطار التي قد تمثل قنبلة للاقتصاد العالمي، أيضًا وصل الأمر إلى رئيس مجموعة «جي بي مورغان تيش»، أحد أكبر البنوك العالمية، لوضع موعد محدد للأزمة التي توقعها في 2020.
بعد 2008، حذر اقتصاديون كثيرون من أن الإصلاح اللازم للرأسمالية، وبخاصة القطاع المالي، لم يكن كافيًا. لم تكن القوانين الجديدة التي سنتها الإدارة الأمريكية والإجراءات التي اتخذتها حكومة الحزب الشيوعي الصيني، كافية لمنع حدوث التلاعب مرة أخرى. بكلمات بسيطة يمكننا القول إن القطاع المالي ما زال يشكل الخطر الأكبر على الاقتصاد العالمي.
الدواء قد يكون الداء
من أجل أن تعالج الحكومات آثار أزمة 2008 الاقتصادية، كان عليها أن تضخ المال في السوق من أجل الخروج من حالة الكساد، ورفع معدلات التشغيل وتقليل معدلات البطالة.
يبدو هذا شيئًا جيدًا. فمعدلات البطالة الآن بالدول الكبرى، في أقل مستوياتها منذ 2009، إذ تشكل 5.2% فقط في الدول العشرين الصناعية. أما في الولايات المتحدة، الاقتصاد الأكبر، فإن تلك النسبة انخفضت من 10% في 2009، إلى 3.7% في أكتوبر 2018.
كانت معظم تلك الوظائف المضافة في قطاعات خدمية، مثل الخدمات المالية والإلكترونية، وهي قطاعات ذات قيمه مضافة أقل للاقتصاد بالطبع، ومعظمها، أو في الولايات المتحدة على الأقل، مجرد وظائف رخيصة.
ديون الشركات الأمريكية تقارب ستة ترليونات دولار، ما يسبب أخطارًا كبيرة على سوق العمل، حال تعثر تلك الشركات.
غير أنه في النهاية انخفضت البطالة، وتباهى السياسيون بهذا النجاح. لكن كيف جرى تمويل هذا التوسع الاقتصادي؟ كيف عالجت الدول الكبرى آثار الأزمة المالية؟ أسئلة تشكل إجابتها خطرًا حقيقيًّا قادمًا، والأساس المحتمَل لأزمة مالية مقبلة.
كان الجواب السهل أنه على الحكومات أن تشجع الاقتراض، للشركات والأفراد، من أجل زيادة الطلب المحلي في تلك الاقتصادات. تمويل النمو من خلال التوسع في الدين لم يكن سمة الأسواق الكبرى فقط، بل حتي الأسواق الناشئة. ولعل أزمة تركيا والأرجنتين الحالية خير مثال على النتيجة المباشرة للإفراط في الاقتراض، سواء من الشركات الخاصة أو الحكومات.
في أمريكا على سبيل المثال، وبينما ظلت معدلات الفائدة التي يقرها «الاحتياطي الفيدرالي» عند مستويات دنيا، فإن هذا شجع الشركات والأفراد على الاقتراض، حتى الحكومة الفيدرالية نفسها.
اليوم يقترب الدين الفيدرالي الأمريكي من 21 ترليون دولار، أي ما يعادل 105% من الناتج المحلي. هذا الرقم الكبير في حد ذاته ليس مشكلة، فجميع الاقتصادات المتقدمة تعتمد بشكل ما على الديون من أجل تنشيطها، لكن هيكل الديون هو الذي يقلق جميع الأطراف.
ديون الشركات الأمريكية أيضًا تقارب ستة ترليونات دولار، ما يسبب أخطارًا كبيرة على سوق العمل، حال تعثر تلك الشركات، ومن ثَم يُعرِّض الولايات المتحدة لأزمات توظيف مستمرة. ديون السيارات تقارب 1.2 ترليون دولار، وهو أشبه بديون الرهن العقاري في الأزمة السابقة. تعثًّر هذا القطاع يعني انخفاض أسعار السيارات كما حدث مع أزمة السكن في 2008، ما يعني امتداد تلك الفقاعة لعدد من القطاعات المرتبطة هيكليًّا بقطاع السيارات.
«الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي» ليس الوحيد الذي انتهج تلك السياسة المالية، بل انتهجت معظم البنوك المركزية في الدول العشرين الكبرى نفس السياسة لمعالجة الكساد الاقتصادي الناتج عن أزمة 2008. يمكن تلخيص تلك السياسة في أن ضخ مزيد من الأموال في السوق، سيعيد تشغيل الماكينة الاقتصادية من جديد، سواء كانت تلك الأموال عن طريق الإنفاق الحكومي المموَّل بالاقتراض، أو خفض أسعار الفائدة، ومن ثَم تشجيع الشركات والأشخاص على الاقتراض.
قد يعجبك أيضًا: الدولار الأمريكي: هل يمكننا الفكاك من فخ الأخضر؟
أزمة الديون الصينية
في الصين، الاقتصاد الثاني على مستوى العالم من حيث حجم الناتج المحلي، هناك أزمة تشبه إلى حد كبير أزمة الديون في الولايات المتحدة وأوروبا. نجحت بكين، منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين حتى الآن، في أن تقدم معجزة اقتصادية حقيقة: معدلات نمو مرتفعة، وأكثر من نصف مليار صيني عبروا خط الفقر بنجاح.
لكن في مايو 2017، خفَّضت «موديز»، إحدى أكبر ثلاث وكالات ائتمان عالمية، التصنيف الائتماني للديون الصينية، ما يعني أنه قد أصبح هناك مخاطرة حقيقية في شراء السندات الصينية. كان تقرير «موديز» مدفوعًا بعاملين اثنين: أولهما انخفاض التوقعات بشأن نمو الناتج المحلي هناك، رغم جهود الحكومة في ضخ الاستثمارات، وثانيهما تضخم حجم الديون الصينية ليصل إلى نحو 260% من الناتج المحلي.
في الصين، كما في أمريكا، هناك مرض لم يُعالَج منذ الأزمة الأخيرة في 2008. وهو غياب الرقابة الحقيقية على القطاع المالي.
انخفضت معدلات النمو الصينية حتى وصلت إلى نحو 6.8% في 2017، وهي النسبة الأقل منذ 1990. المشكلة ليست في انخفاض معدلات النمو، فالصين ما زالت تحقق نموًّا في الصادرات، وهي قلب الاقتصاد الصيني النابض، لكن المشكلة في كيفية تمويل هذا النمو.
معظم تلك الديون تخص شركات صينية كبيرة، موَّلت زيادة استثماراتها في دول العالم المختلفة عير الديون. عمليات الاستدانة التي وجهت أموالها بشكل كبير لقطاع البناء والتشييد في الصين، أو خارجها، في الثلاث سنوات الماضية، عبر مبادرة «حزام واحد طريق واحد»، والتي تعمد لضخ استثمارات كبيرة في شبكة من الطرق السريعة وخطوط السكة الحديد والموانئ، من أجل تقليل تكلفة نقل البضائع الصينية إلى الأسواق الخارجية، تجعل من الصعب على الشركات الصينية تحقيق معدلات ربح سريعة، لأن دورة رأس المال في القطاع بطيئة أكثر من القطاعات الأخرى، ولذلك لن تستطيع تلك الشركات تسديد جزء من مديونيتها من خلال الأرباح.
لكي نعطي نبذة عن هذا التوسع العمراني المدفوع بالدين في الصين، يكفي أن تعلم أن الشركات الصينية استخدمت كمية من الإسمنت في الثلاث سنوات الماضية، أكبر من الكمية التي استخدمتها الولايات المتحدة طيلة القرن العشرين.
إذًا، ما الذي جعل الاقتصاد الصيني مدمنًا على الديون؟
لمعرفة السبب، علينا الرجوع بالزمن قليلًا إلى عام 2008، وقت الأزمة المالية الكبيرة التي ضربت الاقتصادات الكبرى في العالم (الولايات المتحدة - أوروبا - اليابان)، والتي أرعبت الحكومة الصينية التي تعتمد على تلك الأسواق لتصريف منتجاتها، ومن ثَم كان لزامًا عليها التسريع في تحويل الصين إلى اقتصاد يعتمد على الطلب المحلي وليس العالمي، لدفع عملية النمو الاقتصادي. هذا يعني أن تعطي أموالًا كثيرة إلى الشركات والأفراد داخل الصين. كيف يمكن أن يحدث هذا؟
بالطريقة القديمة الفعالة: زيادة الإنفاق الحكومي. بعد 2008، بدأت الحكومة الصينية تطبيق زيادة الإنفاق على مشروعات البنية التحتية بما يقارب 600 مليار دولار. استُخدِمت تلك الأموال في تشييد مشروعات القطارات فائقة السرعة والسدود والمدن جديدة، لينمو قطاع التشييد الصيني، ما جعلها تحافظ على وتيرة نموها، ولو بدرجة أقل، بعد الأزمة المالية في 2008.
لم يقف الصينيون عند هذا الحد. ففي 2009، خفَّض البنك المركزي الصيني معدلات الفائدة، ما حفَّز اقتراض الشركات والأفراد بشكل كبير. أصبح هناك مزيد من السيولة في السوق، ما يعني مزيدًا من التضخم وزيادة الأسعار في جميع قطاعات الاقتصاد.
كان هذا التضخم المدفوع بزيادة الطلب المحلي الذي ارتفع بسبب زيادة الإنفاق الحكومي، أحد أعراض الأزمة الاقتصادية. لقد حفز الصينيون الطلب المحلي أكثر من اللازم، أو بمعنى أصح، حفزوة بالطريقة السيئة (الاقتراض).
قد يهمك أيضًا: كيف تتعامل الصين مع الحرب التجاربة الأمريكية؟
أيضًا في الصين، كما في الولايات المتحدة، هناك مرض لم يُعالَج منذ الأزمة الأخيرة في 2008. وهو غياب الرقابة الحقيقية على القطاع المالي، وبخاصة القطاع المالي غير البنكي أو ما يسمى اصطلاحًا «بنوك الظل».
بنوك الظل
الاحتيالات البنكية وأساليب الإقراض المفرط أسهمت في أزمة 2008 المالية. وبعد عقد كامل، لم تنجح الإجراءات الحكومية في السيطرة على هذه الممارسات.
يعبر مصطلح «بنوك الظل» الذي استخدمه أول مرة الاقتصادي الأمريكي «بول ماكلاي»، في معرض حديثه عن الأنشطة المالية التي لا تراقبها الحكومة، عن مفهوم أكثر تعقيدًا يربط كثيرًا من العوامل التي تسهم في زيادة الأخطار حول مستقبل الاقتصاد العالمي.
يعبر المصطلح عن مجمل الأنشطة المالية (عمليات الإقراض والاقتراض) التي تجري بعيدًا عن القطاع البنكي الرسمي، وتخضع بدورها لرقابة أقل من البنوك المركزية. إضافة إلى استخدام مفهوم «بنوك الظل» منذ 2008، لوصف مجمل العمليات التي تُجريها البنوك للتحايل على نِسَب الإقراض إلى نسب الودائع المقررة من البنك المركزي.
هذا التحايل الذي تمارسه البنوك الرسمية من أجل الحصول على مزيد من الأرباح، يُعرِّضها لأن تكون أكثر هشاشة، لأن الإقراض المفرِط أو ضخ هذا الإقراض في قطاع ما، يجعل التعثر أمرًا مرجَّحًا بشدة، تمامًا كما حدث عندما أفرطت تلك البنوك في ضخ الأموال في القطاع العقاري قبل أزمة 2008.
تلك الاحتيالات البنكية وأساليب الإقراض المفرط كانت أحد أهم السمات التي أسهمت في انتشار أزمة 2008 المالية. وبعد عقد كامل من الأزمة، لم تنجح الإجراءات الحكومية في السيطرة على هذه الممارسات.
فالبنوك الصينية نجحت في ما بعد 2008، في استنساخ نفس طرق التحايل التي استخدمتها البنوك الأمريكية من أجل الرهون العقارية. فالمشتقات المالية، وهي منتجات مالية مثل الأسهم والسندات، لا ترتبط قيمتها بقيمة الأصل الثابت بشكل مباشر، لكنها ترتبط بمنتجات مالية أخرى غير مباشرة، كالأسهم والسندات، أو بالعقود المستقبلية لشراء السلع والخدمات.
المشتقات المالية أصبحت سمه مميزة لسوق الدين الصينية. في 2016 فقط، زادت قروض الرهون العقارية في الصين بنسبة 35%. هذا ليس كل شيء، فهناك نمو مطرَد في الشركات المالية غير البنكية، أي الشركات التي تحتفظ بمدخرات الصينيين لتستخدمها في استثمارات.
هذا يشكل خطرًا لأن تلك الشركات لا تخضع لنفس القواعد الرقابية التي تنطبق على البنوك الرسمية، ولذلك هي الأكثر عرضة للإفلاس.
أما في الولايات المتحدة، التي اخترعت «بنوك الظل»، فما زالت تلك المشكلة قائمة، بل ينمو حجم النشاط في هذا القطاع، ونشهد زيادة الاعتماد على الصناديق السيادية، وبخاصة تلك التي تموَّل من عائد البترول في الخليج، وتتزايد نشاطاتها داخل الولايات المتحدة. تضخ تلك الصناديق استثمارات كبيرة في السوق الأمريكية، وفي الأسواق الكبيرة في العالم، وما زالت تخضع لقدر قليل جدًّا من الرقابة، ما يجعل النظام المالي العالمي أكثر هشاشة.
من أين يبدأ العالم في الاشتعال
هناك عدة تحليلات تربط بين أزمة الديون السيادية الأوروبية، والأزمة الاقتصادية القادمة التي يمكن أن تبدأ من أوروبا. فدول اليونان وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال ما زالت تعيش أزمة ديون حادة، سواء على مستوى الدين الحكومي للمؤسسات والبنوك الكبرى الأوروبية، مثل بنك «دويتشه»، أو حتى ديون الشركات في تلك البلدان وديون القطاع العائلي كما في إيطاليا مثلًا، والتي تصل فيها نسبة ديون القطاع العائلي إلى 41% من الناتج المحلي.
مولت تلك الدول برامج الإنفاق الاجتماعي من خلال القروض الرخيصة من المؤسسات الأوروبية الرسمية، أو من خلال البنوك الكبرى في القارة العجوز، وخصوصًا في ألمانيا. ولذلك قد يشكل تضخم هذا الدين خطرًا على الاقتصاد العالمي، وليس فقط على اقتصاد الاتحاد الأوروبي.
تجلت تلك الأزمة في السياسة بالطبع، وتغيير شبه كامل في المؤسسة السياسية الرسمية في البلاد الأربعة، وبالتالي علاقتها بالاتحاد الأوروبي. إذ ظهر العداء الشعبي للمؤسسية الأوروبية، وأسهمت الأزمة في صعود اليمين الشعبوي في إيطاليا وفرنسا والمجر، وغيرها من البلدان الأوروبية.
يطرح هذا اليمين خطابًا مفاده أن الاتحاد الأوروبي هو الذي دفع الحكومات المحلية إلى الاقتراض، ما يعني أن تلك الدول أكثر عرضة لأزمة اقتصادية، إذا تأزمت أمورها مع كبار الاتحاد الأوروبي، وتحديدًا ألمانيا وفرنسا.
أيضًا، تربط تحليلات أخرى من جهة بين الديون الصينية المتضخمة، وبخاصة ديون الشركات، ومن جهة أخرى أزمة تعثُّر يمكن أن تعانيها تلك الشركات الصينية الكبرى، والمرتبطة كليًّا بالبنوك الأوروبية والأمريكية.
أيضًا، أطلقت أزمة الأسواق الناشئة تحديدًا (تركيا والأرجنتين) جرس إنذار كبير، محذرًا من أن الأزمة القادمة يمكن أن تبدأ من تلك الأسواق، التي تعاني صعوبة كبيرة في الحصول على التمويل اللازم لاستمرار نموها الاقتصادي المعتمد على الاقتراض.
تعبِّر تلك الحالة التي يمكن أن نسميها «إدمان الديون»، عن سمة أساسية في الرأسمالية الحديثة، التي تعتمد على القطاع المالي بشكل كبير، في توفير التمويل اللازم لبقية أنشطة الاقتصاد. لكن انصراف هذا القطاع عن دوره منذ ثمانينيات القرن العشرين، وصعود السياسات النيوليبرالية، جعل الإقراض بالنسبة إلى القطاع، هو الأساس. فتحقيق الأرباح للبنوك الرسمية أو لبنوك الظل، أضحي الأساس، ومن ثَم، فالإفراط في الإقراض ليس عَرَضًا للمرحلة الحالية فقط، وإنما شيء ضمني داخل النموذج الرأسمالي الحالي.
لا يمكن أن يجزم أحد بتوقيت نشوء الأزمة الاقتصادية القادمة ومكانها. لكن المؤكد أنه إذا استمر العالم في حالة الإدمان على الديون التي يعاني منها، فإن الشتاء الحقيقي قد يأتي حقًّا، ويمتد إلى عدد كبير من الأسواق المتقدمة والناشئة.
حينها لن يكون هناك مهرب من تلك الأزمة سوى إعادة النظر في علاقة الاقتصاد الحقيقي والإنتاجي الذي يولد الأرباح، ويتحمل القدر الأكبر من التوظيف بالاقتصاد المالي الذي تديره المؤسسات المالية، التي لا يهمها شيء سوى أرباحها الخاصة.
لن يكون هناك مهرب سوى إعادة التفكير في: ما الذي ينبغي أن تفعله «وول ستريت» من أجل العالم، وليس ما يفعله العالم من أجل «وول ستريت»؟