لا يبدو أن قرار مجلس الأمن بالدعوة إلى وقف إطلاق نار فوري في سوريا سيوقف بأي شكل المآساة التي تعيشها الغوطة الشرقية، ويبدو أن القرار الدولي سيلحق بقرارات وتحركات دولية سابقة فشلت جميعها في وضع حد للحرب، أو لإيغال النظام السوري في استخدام القوة الوحشية لتركيع معارضيه واستعادة السيطرة على البلاد.
في مواجهة هذه الحقيقة، يناقش «فريدريك هوف» في تقريره الذي نشره موقع «The Atlantic»، مدى احتمال أن تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية بشن هجمات انتقامية على نظام بشار الأسد، جراء ما ارتكبه من مذابح وعمليات قتل جماعية واستخدام الأسلحة المحظورة دوليًّا مثل غاز الكلور والأعصاب.
فباستمرار المذبحة في غوطة سوريا الشرقية (المدينة المحاصرة في ريف دمشق، التي يقطنها 400 ألف مواطن)، يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا هو: كيف تتوقف هذه الفظاعة؟
يبدو أنه ليس هناك حل فوري أو جرعة سحرية، إضافةً إلى أننا ليس لدينا ماء مقدس أو رماد الدبلوماسية الخرافي. لكن ثَمّة شيء واحد لا مفر منه في رأي هوف: إن لم تأمر الولايات المتحدة بتوجيه ضربات عسكرية إلى نظام الأسد بجدية (النظام الغارق حتى أذنيه في جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية)، فإن أي مناقشة عن «ما العمل» تصبح غير ذات جدوى.
في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، استخدمت قوات الأسد أسلحة مجرمة دوليًّا، مثل القنابل العنقودية وأسلحة غاز الأعصاب (السارين) وغيرها. ورغم التصعيد الأمريكي الخطابي ضد الأسد وقتها، فإن إدارة أوباما لم تتدخل عسكريًّا بدعوى عدم موافقة الكونغرس على قرار شن هجمات عقابية ضد نظام الأسد، وبدلًا من ذلك، اتفقت أمريكا مع روسيا على تسليم النظام السوري أسلحته الكيماوية.
في تصريحات سابقة قبل انتهاء ولايته، رد أوباما على منتقدين يدّعون أن الولايات المتحدة لم تتدخل في الحرب الدائرة في سوريا، وأنها تترك الفوضى تعم المنطقة، قائلًا إن عليه أن يوازن النتائج المختلفة التي ستُسفر عن تدخل القوات الأمريكية في سوريا، وهل هذا سيزيد الوضع تعقيدًا أم لا، ومن الواجب الأخذ في الحسبان قدرة وزارة الدفاع الأمريكية على شن حرب في سوريا، في الوقت الذي لا تزال لديها قوات في أفغانستان.
يرى بعض المراقبين أن عبور النظام أزمة استخدام الأسلحة الكيماوية عام 2013 في الغوطة الشرقية بسلام جعلته أكثر جرأةً في استخدام الأسلحة المحظورة دوليًّا، وجعلت حلفاءه التقليديين، مثل إيران وروسيا، يصران على دعمه بزيادة عدد الميليشيات الممولة إيرانيًّا، وعدم التزام روسيا بتدمير الأسلحة الكيميائية لدى نظام الأسد.
لكن، وبشكل مفاجئ في إبريل 2017، فعلت إدارة ترامب ما لم تجرؤ إدارة سَلَفه على فعله: نفذت عمليات انتقامية عسكرية ضد نظام الأسد لاستخدامها غاز الأعصاب (السارين) ضد المدنيين الأبرياء. ولوهلة، بدا أن هذا الفعل أتى ثماره، ذلك أن 20% من القوات الجوية للنظام دُمِّرت، وامتنعت قوات الأسد من يومها حتى الآن عن استخدام غاز السارين، وحتى وقت قريب، تباطأ إيقاع قوات النظام في عمليات القتل الجماعي.
عمليات التصعيد والقتل الجماعي التي انتهجها النظام السوري دون معارضة أسهمت بصورة قاطعة في أزمة اللاجئين التي اجتاحت أوروبا.
ورغم أن الأسد وبطانته اتفقوا على نفس النتيجة التي وصلوا إليها في خريف 2013، وبعد الموافقة (المزيفة كما تبين لاحقًا) على التخلص من مخزونهم وقدرتهم من أسلحة الحرب الكيميائية، وهي أنه «ما دمنا نمتنع عن استخدام غاز الأعصاب، يمكننا أن نفعل ما نشاء لمن نشاء وقتما نشاء».
عمليات التصعيد والقتل الجماعي التي انتهجها النظام السوري دون معارضة أسهمت بصورة قاطعة في أزمة اللاجئين التي اجتاحت أوروبا الغربية عام 2015، وهو التطور الذي أسعد الكرملين كثيرًا، بسبب آثاره السياسية في ديمقراطيات أوروبا.
تجنبوا السارين: اقتلوا بكل وسيلة أخرى
تتكشف الآن العناصر الرئيسية في هذا السياق، ذلك أن الأسد وحليفَيْه الخارجييْن (روسيا وإيران) اعتقدوا أن بإمكانهم إلحاق الدمار بالأحياء السكنية المكتظة بالسكان إلى أي مدى يرضيهم، ما دامو يفعلون ذلك دون استخدام غاز السارين.
بالنسبة إلى الأسد، وبما أن رئيسًا أمريكيًّا آخر اعتبر استخدام الأسلحة الكيميائية خطًّا أحمر، قرر رئيس النظام السوري تسليح جيشه بغاز الكلور السام، واستخدمه لتعزيز عنصر الإرهاب بين والآباء والأطفال.
أما رد الإدارة الأمريكية، فهاك كلمات «هربرت مكماستر»، مستشار الأمن القومي الأمريكي في إدارة ترامب، متحدثًا في مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير 2018:
«في إبريل 2017، استجابت الولايات المتحدة عندما استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيميائية ضد الأبرياء. تدخلنا لمنع استخدام أي أسلحة كيميائية في المستقبل، ولتأكيد أن استخدام مثل هذه الأسلحة لن يصبح روتينيًّا. غير أن الصور والتقارير العامة أظهرت بوضوح أن نظام الأسد مستمر في استخدام الأسلحة الكيماوية. لقد حان الوقت لكل الأمم كي توقف أفعال النظام السوري وحلفائه، وأن تدعم مجهودات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية».
كان ذلك تصريحًا لافتًا، اعترافًا علنيًّا بالفشل. فالهدف من هجمات صواريخ كروز في إبريل 2017 كان ردع الهجمات الكيماوية في المستقبل.
على مدار 5 سنوات، كانت روسيا المسؤول الأول عن عدم وصول قضية الأسلحة المحظورة دوليًّا إلى مجلس الأمن.
وإن كان «نظام الأسد مستمرًّا في استخدام الأسلحة الكيميائية»، ماذا ستفعل حيال ذلك؟ يوجه هوف سؤاله إلى مكماستر: «هل تستمر في ملاحقة النظام وحلفاءه، أم في دعم جهود الهيئة، التي تقوض عملها الجيد بسبب ازدواجية نظام الأسد؟ ومن الذي سيجبره على هذا الالتزام؟».
رغم إسناد مهمة تدمير أسلحة الحرب الكيميائية التي يحوزها النظام السوري إلى روسيا، فإنه يبدو أن روسيا لم تتقدم خطوة في هذا الشأن. فعلى مدار خمس سنوات، كانت روسيا المسؤول الأول عن عدم وصول قضية الأسلحة المحظورة دوليًّا إلى مجلس الأمن، بل وأفشلت قرار مجلس الأمن بالاتفاق على فرض عقوبات على سوريا لاستخدامها أسلحة كيميائية عن طريق حق الفيتو.
لذلك، يقترح فريدريك هوف طريقة أخرى للتعامل مع روسيا.
فبحسب تقريره، ألحّ على الإدارة الأمريكية بعد اكتمال الهجمات الانتقامية في إبريل 2017 لتتبنى التصريح التالي مع روسيا، أو تصريحًا مشابهًا له: «نحن عالقون هذه المرة لأن وكيلك (الأسد) يستخدم غاز السارين. المرة القادمة سيكون الرد عبر وسائل أخرى من الإرهاب. عمليات القتل الجماعي غير مقبولة لأنها تشجع المتطرفين، وتضعف حلفاءنا، وتعيق محادثات السلام التي ادّعيت أنك تريدها. وبالطبع هذه الهجمات تستهدف الرجال والنساء والأطفال. سنحتفظ بحق الرد أينما ومتى كان ذلك مناسبًا إذا استمرت عمليات القتل الجماعي. أخرِج وكيلك من هذه الأعمال القذرة».
لكن للأسف، يكمل هوف، يبدو أن هذه الرسالة لم تصل. تخيل أنك أب في الغوطة الشرقية، تدعو الله أن يستخدم النظام غاز السارين حتى يدفع ذلك أحدًا ما ليفعل شيئًا باستثناء الكلام عن الفظائع التي تُرتَكَب. عندما تقرأ بيانات سفيرة الأمم المتحدة «نيكي هايلي» عن هذه الفظائع، ستجرب واقع الاستمرارية الحكومية، ذلك أنه رغم التغيرات التي حدثت في الإدارة، فإنها تقترب من بلاغة سابقتها «سامنثا باور» بشأن هذه الأمور.
إذا انتشر غاز السارين في الشوارع والأزقة والبيوت والمستشفيات في الغوطة الشرقية، حينها فقط ستبدأ إدارة ترامب الهجمات العقابية ضد نظام الأسد بجدية. وعلى أقل تقدير، ستتسبب هذه الهجمات في إقناع مجموعة القتلة الذين يتحركون دون محاكمات فوق جبل قاسيون في دمشق بأن عملية القتل الجماعي لن تمر مرور الكرام.
ما دام غاز السارين وحده هو المرفوض، فكم هو محزن للآباء والأطفال في الغوطة الشرقية أن تكون قذائف المدفعية والقنابل الجوية وقذائف الهاون والصواريخ وبراميل القنابل (المعبأ بعضها باسطوانات غاز الكلور)، هي الأسلحة المفضلة للنظام السوري.