يرتكز علم الاقتصاد القياسي بتطبيقاته الكَمية على استخدام البيانات القديمة لتحليل العوامل التي تشكل محددات الماضي والحاضر وخلق تنبؤات مستقبلية، فمن هنا تبرز أهمية التاريخ لفهم ظواهر الحاضر واستشراف المستقبل. ينطبق هذا تمامًا على واقع حال الكويت لفهم الظواهر المختلفة التي تجري حولنا، إذ أن رواسب الماضي تتحكم لحد كبير بالمجتمع الكويتي وتضاريسه، والسياق التاريخي يشكل مدخلًا مهمًا لفهم أي قضية، ومن أبرزها مسألة اختلال توزيع الثروة بين الطبقات الاجتماعية التي ما زال حاضرها أسيرًا لأوزار الماضي، رغم التطور الاقتصادي والمدني وبعض مظاهر الرخاء الاجتماعي.
لا بد في البداية من توطئة عامة لإدراك أهمية قضية التباين في الدخل والثروة قبل الخوض في تشريح حالتها ومساراتها في الكويت. إذ يتكرر بين الحين والآخر المضاربة بقضية التفاوت الطبقي محليًا على نطاق سياسي واسع، فمن هم على ضفة اليسار يرفعون بيرقها عند المناكفات السياسية والاجتماعية، وبالمقابل يرى من هم على اليمين بأن هذه القضية تمثل حقدًا على الطبقة التجارية وتأليبًا للرأي العام ضدهم.
تكرار استهلاك مسألة التفاوت الطبقي لمساجلات آنية وحصرها في قوالب من الأحاديث المرسلة دون حقائق واستدلالات علمية يفقدها القيمة والأهمية الاقتصادية والمجتمعية، وهذا ما يؤدي إلى إسباغ الإهمال عليها مع مرور الوقت. في حين أن مواضيع العدالة في توزيع الثروة تأخذ مبحثًا واسعًا في علم الاقتصاد وتفرعاته، وتنتشر في الدول المتقدمة منظمات وجهات بحثية واسعة تقدم تقارير دورية عن مستجدات التباين في الثروة وتقييم السياسات الحكومية تجاه هذه المشكلة وجعلها أولوية، مما يُسهم في تشكيل الرأي العام وتطوير الأداء السياسي والوعي المجتمعي.
أنين أبناء السندباد
يعبر الشعور العام غالبًا عبر الأدب والدراما عن متلازمة «النوستالجيا الكويتية» للماضي وتراث ما قبل النفط. ربما تكون النوستالجيا في ما يخص التراث الاجتماعي مقبولة، لكنها تعتبر غير منطقية في المطلق بالنسبة للتراث الاقتصادي، الذي كان يضم فوارق طبقية صارخة وأغلبية فقيرة شكلتها ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية.
في حقبة الإمارة كانت التجارة البحرية بسفنها محور الاقتصاد والسوق الكويتي كما هو الحال في إمارات ساحل الخليج. كانت التجارة البحرية تقوم على صيد اللؤلؤ واستيراد المواد الغذائية ومواد البناء والسلاح، فكان الاقتصاد آنذاك قائمًا على السفن التجارية الراسية بميناء المدينة، مع وجود اقتصاد بدوي محدود يعتمد على أفراد يمتهنون تجارة المفرق والمسابلة في المدينة (مقايضة البضائع بعرض سلع ومبادلتها بسلع أخرى).
طبقة البحارة والعمالة المنزلية كانت الأكبر حجمًا والأفقر دخلًا في المجتمع الكويتي، وعاشت ظروفًا صعبة لم يخلصها منها غير اكتشاف النفط وتوزيع الحاكم للثروة.
أدت ملكية الطبقة الغنية للسفن التجارية الضخمة إلى سيطرة هذه الطبقة على وسائل الإنتاج الرئيسية في الاقتصاد والتحكم في الثروة آنذاك. وفاقمت الأعراف السائدة وقتها، والتي فرضت نهجًا احتكاريًا، من تحكم التجار بوسائل الإنتاج. فعلى الرغم من مشاركة ربان السفينة «النوخذة» للتاجر في تمويل جزء من تكاليف بناء السفينة، فإنه لا يمكن للنوخذة تملك سفينة كبيرة مهما تعاظمت ثروته وبلغت كفاءته. يصنف خلدون النقيب عالم الاجتماع الراحل المجتمع الكويتي قبل 1947 إلى أربعة طبقات تقليدية حسب الترتيب الاقتصادي والمهني:
طبقة البحارة والعمالة المنزلية كانت الأكبر حجمًا والأفقر دخلًا في المجتمع الكويتي، وعاشت ظروفًا صعبة لم يخلصها منها غير اكتشاف النفط وتوزيع الحاكم للثروة. كان مصير البحارة وأسرهم بيد التجار من ملاك السفن، هم الذين يكونون على ظهر السفينة ويكدحون في أعماق البحر ويمتثلون لأوامر النوخذة مقابل أجر ثابت وبسيط بالكاد يسد قوت يومهم. مأساة البحارة لم تكن مجرد حالة اغتراب في البحر أو مشقة عمل، بل كانت في أصلها معاناة مادية.
الهاجس الأكبر للبحارة كان تأمين المعيشة لأسرهم خلال فترة اغترابهم، فكان أغلبهم يلجأ للاستدانة من ملاك السفن وسداد الدين من الأجر المستحق للبحار خلال موسم الغوص. كانت ديون التجار على البحارة أشبه بكرة متدحرجة تلاحقهم وتلاحق أبناءهم في حال وفاتهم أو عدم استطاعتهم الالتحاق بموسم الغوص. وانعكست المعاناة الطبقية لمجتمع البحارة على المرئيات الأدبية لشعراء البحر، مثل «مذكرات بحار» لمحمد الفايز، و«أنين الصواري» لعلي خليفة، والتي صاغت وصفًا سرديًا لحالة البؤس والظلم الاجتماعي اللامتناهي حتى صار البحار أيقونة الكفاح.
قفزة مضارب بني نفط
من محاسن أزمتي الكساد العالمي الكبير واللؤلؤ الياباني أنها أدت إلى استقدام الجيولوجي «فرانك هولمز» إلى منطقة الخليج لاستكشاف النفط في الثلاثينيات. خلقت الصناعة النفطية في الكويت تطورًا في الهيكل الإداري للسلطة، وواقعًا اجتماعيًا جديدًا سببه النقلة النوعية في أدوات الإنتاج الاقتصادي وتغير أصحابها، إذ حلت الناقلات النفطية مكان سفن الغوص، وانتقلت مقاليد تشكيل الدخل والثروة من يد الطبقة التجارية إلى هيمنة الدولة، وحل الأجانب بدلًا من العمالة الكويتية في المهن المتدنية أجرًا.
لذا فرضت الثروة النفطية قفزة اقتصادية على المجتمع وتغييرًا في ترتيب السلم الطبقي التقليدي، بتحقيقها ردمًا ملحوظًا في فجوة الدخل استفادت منه الطبقة الفقيرة ووسعت من حجم الطبقة المتوسطة لتكون هي الأغلبية في الكويت. وبعد تدفق الإيرادات النفطية على خزانتها، اتخذت الحكومة سياسة إعادة توزيع الثروة بين الكويتيين وإعالتهم بضمان توفير الخدمات دون مقابل. كان التثمين ركيزة لهذه السياسة، بالإضافة إلى برامج التوظيف والتعليم والإسكان.
اختفت معالم الطبقات البسيطة والدنيا باستفادتها من برامج التثمين والرعاية الاجتماعية في الخمسينيات، والتي شكلت الثروة الأولية لطبقة الفنيين والبحارة والعمالة المنزلية، لتنقلهم إلى مستوى الطبقة المتوسطة بسبب استحواذهم على الوظائف الفنية والإدارية بالحكومة وزيادة تحصيلهم العلمي.
ساعدت ثروة التثمين على تغيير السلم الطبقي والملامح التقليدية للطبقة التجارية بإدخال فئات جديدة عليها، من أبناء الطبقات الأخرى الذين استثمروا أموال التثمين في التجارة واستغلوا الفترة الذهبية للاقتصاد الكويتي خلال الستينيات والسبعينيات.
في المقابل، لم يستفيد الجميع من نعيم التثمين، فهناك شرائح واسعة من الطبقة الفقيرة ممن ظلمته هذه السياسة، فمن كانوا لا يملكون عقارات لم تطلهم أموال التثمين، ومعظمهم كان من أبناء البادية، بالإضافة إلى المجنسين في الستينيات. تلك الفئات استفادت فقط من برامج التوظيف والتعليم، وأعطتها الحكومة وحدات سكنية في مناطق متفرقة عُرفت باسم «بيوت ذوي الدخل المحدود»، لتشكل نوعًا من التمييز في توزيع الثروة.
لم يتأثر الوضع الاقتصادي لطبقة التجار باضمحلال الغوص وسياسة إعادة توزيع الثروة على باقي المواطنين، فقد تكيفت مع الواقع الجديد منذ الأربعينيات بالتحول من التجارة البحرية إلى الاستثمار المحلي، باقتناص الوكالات التجارية والسيطرة على سلاسل الاستيراد من الخارج. ازدادت ثروة الطبقة التجارية بتوجيه الحكومة مناقصات تنفيذ المشروعات والأعمال الكبرى حكرًا إليها، في ظل التضييق على المستثمر الأجنبي وغياب البيئة التنافسية، فكانت هذه المناقصات أحد أوجه إعادة توزيع الثروة على الطبقة التجارية، والتي ساعدتها في ما بعد في توسيع نفوذها ليشمل الأسواق العقارية والمالية.
مع مرور الزمن وإلى وقت قريب، عملت المجريات الاقتصادية والسياسات المالية للحكومة على حصر السلم الطبقي في الكويت في فئتين:
- طبقة غنية تجارية تتكئ على مناقصات الحكومة والمضاربة في العقار والبورصة
- طبقة متوسطة بشرائح مهنية متفاوتة، يعتاش مجملها على الوضع المالي للدولة عبر الرواتب والدعم الحكومي
دلالة الاختلال: ماذا يخبرنا منحنى لورنز عن الكويتيين؟
من أجل رصد واقع التباين الطبقي بالمجتمعات ومعرفته وإخراجه من نطاق الحديث المرسل والتخمين، يجب اللجوء إلى قياسات اقتصادية دقيقة لمعرفة حالة الفجوة.
يعتبر منحنى لورنز (Lorenz Curve) القياس الأكثر استخدامًا لرصد اختلالات العدالة في توزيع الدخل القومي والثروة بين الشرائح السكانية، ويُستخلص منه «مُعامل جيني» (Gini Coefficient) الذي يقيس قيمة حالة عدم العدالة في التوزيع. تنحصر قيمة المعامل بين الصفر والواحد، فالصفر يمثل العدالة التامة لتوزيع الدخل، والواحد يعبر عن الفجوة الصارخة، مما يعني أنه كلما قلت قيمة معامل جيني زادت عدالة توزيع الدخل والثروة.
منذ السبعينيات، كانت الجهات الإحصائية الرسمية تنشر منحنى لورنز وقيمة معامل جيني بين الشرائح السكانية كل 13 عامًا بعد انتهائها من المسح الإحصائي للدخل والإنفاق، إلا أنه ومنذ العام 2000 إلى وقتنا هذا، توقفت تلك الجهات عن الإفصاح عن قيمة معامل جيني وحالة العدالة لتوزيع الدخل لأسباب مبهمة.
خلال منتصف السبعينات، وبناء على البيانات الرسمية أعلاه، كانت قيمة معامل جيني بين الكويتيين 0.48، مما يشير إلى فجوة كبيرة بين المواطنين على مستويات توزيع الدخل تلامس منطقة انعدام العدالة الصارخة. أحدثت طفرة أسعار النفط بعد حرب أكتوبر 1973 زيادة في توزيع بيوت ذوي الدخل المحدود، وصنعت مرحلة جديدة من إعادة توزيع الثروة تمثلت في الدعومات وزيادة الرواتب، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في الفجوة بين شرائح المجتمع الكويتي، ليهبط معامل جيني إلى 0.32 في عام 1987. ومنذ ذلك الحين استمرت مستويات عدالة توزيع الدخل في التحسن التدريجي حتى عام 2000 بانخفاض معامل جيني إلى 0.30.
مؤخرًا، وبالتحديد في عام 2013 عند آخر مسح إحصائي للإنفاق، ورغم تجاهل الحكومة نشر أرقام فجوات الدخل، فإنه بحساب منحنى لورنز نجد زيادة في مستويات التفاوت بين طبقات المجتمع بارتفاع معامل جيني إلى 0.345 بين الكويتيين، ليصل إلى أعلى مستوى من غياب العدالة الاجتماعية منذ الثمانينيات.
بالتمعن في منحنى لورنز لقياس عدالة الدخل، نجده يشير إلى أن أغنى 20% من الكويتيين يسيطرون على 46% من إجمالي الدخل القومي، بينما يبلغ نصيب أفقر 40% من الكويتيين 15%، أما باقي الـ40% الذين يمثلون الطبقة المتوسطة فيستحوذون على 39% من الدخل.
هذا التراجع المستمر لمستويات عدالة توزيع الدخل منذ الألفية الجديدة واتساع الفجوة، يقرّب خط العدالة الاجتماعية في الكويت بشكل تدريجي من المنطقة المعتدلة لعدم التكافؤ إلى مستويات شديدة من التفاوت.
وبينما هناك دول تعاني من الانتشار الصريح للفقر والعوز بين مواطنيها، نجد فيها مستويات العدالة في توزيع الدخل أفضل من الكويت، ولهذا دلالة واضحة على اختلال توزيع الدخل القومي بين المواطنين، والتحيز لصالح الفئة الغنية التي تسيطر على ما يقارب نصف الثروة.
احتكار الثروة: جناية الدولة على الأفراد والذات
أجبرت تراكمات السياسة الإسكانية للحكومة الجيل الحالي من الكويتيين على فقدان السلوك الادخاري وتآكل ثرواتهم، مما حدا بهم إلى الاقتراض. تشير آخر البيانات الإحصائية عن متوسط إنفاق الأسر الكويتية إلى أنها تصرف أكثر من 47% من دخلها الشهري على المسكن ومستلزماته، أما الباقي فيذهب للاستهلاك الضروري، وتبقى نسبة بسيطة للترفيه والراحة.
لتقريب الصورة أكثر، ومن خلال تطبيق تسلسل هرم ماسلو للحاجات الضرورية للإنسان على قنوات الاستهلاك للأسر الكويتية، نجد أن الحاجات الأساسية تستحوذ على أكثر من ثلثي دخل الأسرة في الكويت، وما يتبقى يُصرف بالتوالي على الحاجات السيكولوجية والذاتية.
أودت القضية الإسكانية في الكويت إلى ظلم مُركب لأجيال ما بعد التثمين، فما بين احتكار وغلاء الأراضي، تلجأ أغلب الأسر إلى الاستدانة بسيناريو مشابه لما حل بأسلافهم البحارة خلال حقبة ما قبل النفط، إذ أن أغلب المواطنين البالغين (61%) مقترضون من البنوك، وأغلب القروض إسكانية. هذا الحال الصعب جعل أكثر من 40 ألف أسرة كويتية تعيش بالإيجار، بسبب تراخي الدولة في تنفيذ دورها الاجتماعي المطلوب منها بتوفير وحدات سكنية لمواطنيها.
استمرار إخلال الدولة بمسؤوليتها الاجتماعية عن طريق حلحلة المعضلة الإسكانية يمثل جناية على ذاتها، فوق جنايتها على الأفراد وتعميقها للفجوة الاجتماعية.
يعود أصل المشكلة الإسكانية إلى احتكار الحكومة لأغلب الأراضي، وزاد الأمر سوءًا منذ الثمانينيات بسماح الحكومة للبنوك والشركات الاستثمارية الإسلامية بالمضاربة في أراضي السكن الخاص، مما جعلها تحتكر الأراضي المتاحة وترفع من قيمتها أمام الطلب المضطرد من المواطنين. شكّل احتكار الأراضي من الحكومة والكيانات المالية اختلالًا جليًا بميزان عدالة توزيع الثروة في الكويت، حتى وصلت الفجوة مؤخرًا إلى مستويات قياسية تقترب من الانعدام المطلق للعدالة.
باستخدام القيمة المئوية لمعامل جيني هذه المرة من أجل رصد عدالة توزيع الثروة في الكويت، نجد غياب العدالة يصل إلى 76.3% في العام الماضي، بنمو سنوي مقداره 2% خلال السنوات العشر الماضية.
استمرار إخلال الدولة بمسؤوليتها الاجتماعية عن طريق حلحلة المعضلة الإسكانية يمثل جناية على ذاتها، فوق جنايتها على الأفراد وتعميقها للفجوة الاجتماعية، فهذا الملف يشكل عبئًا ماليًا متراكمًا عليها، وبالونًا كبيرًا قابلًا للانفجار في أي وقت.
كذلك فإن السياسة الحكومية هي ما يغذي ديمومة المطالبات المالية الشعبوية لأبناء الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل، الذين يهدفون من ورائها إلى توسعة ثرواتهم وتحسين أوضاعهم الاجتماعية أمام الطبقة التجارية المستحوذة على ديونهم وأغلب الثروة القومية.
خطوط التعتيم
من أوجه النكوص في الكويت عدم استيفاء المقاييس والاشتراطات الدولية وقلة البيانات المتوفرة، وهذه مشكلة تواجه الباحثين والمنظمات، وبالتالي توضع الكويت في الخانة غير المُعرفة في العديد من التصنيفات العالمية. لكل دولة خط وتعريف خاص للفقر لا نجده بالكويت مطلقًا، ما يصعب معرفة معدلات الفقر المحلية ويفرض حالة من التعتيم على مستويات المعيشة، ويتركها للفرضيات والمغالطات.
تنقسم المقاييس الدولية لاحتساب خط الفقر إلى نوعين، القياس النسبي (Relative Measure)، والذي تستخدمه الدول الأوروبية لتعريف الفقر بمن تقل أجورهم عن 60% من الوسيط الحسابي للأجور. أما النوع الثاني فهو القياس المطلق (Absolute Measure)، وتستعمله المنظمات الدولية والولايات المتحدة الأمريكية لوضع قيمة معينة للأجر اليومي، ومن يحصل على أقل منها يقع تحت خط الفقر. وفي حالة الكويت كإحدى الدول عالية الدخل، يعتبر الفقراء من تقل أجورهم اليومية عن 21.70 دولار.
على ضوء كل الحقائق والأرقام عن التفاوت الطبقي، يبقى حال فئة البدون خارج الحسبان لعدم شمولها بالبيانات الرسمية، ليشكل «الإقصاء الإحصائي» وجهًا آخر من أشكال التغييب بحق هذه الفئة.
بحسب الإحصائيات الرسمية في 2017، يبلغ المتوسط الحسابي لأجور الكويتيين 1100 دينار. وفي ظل التعتيم الرسمي على معدلات الفقر، فإن إحصائيات الدولة تشير إلى أن هناك فئة من محدودي الدخل قوامها 42 ألف أسرة كويتية تستلم مساعدات اجتماعية تقدّر بـ512 دينارًا شهريًا، وهي فقيرة وفقًا للقياس النسبي وبعيدة عن الفقر المطلق. يمثل أفراد الأسر الكويتية الفقيرة نسبيًا والتي تعتاش على المساعدات الاجتماعية نسبة 3.1% من إجمالي الكويتيين.
حاولت الحكومة الاجتهاد بوضع حد أدنى للأجور لتحسين وضع العمالة الوافدة. ورغم تجاوز هذا الحد للفقر النسبي، فإنه يظل تحت مستوى خط الفقر المطلق بفارق 38%، ويدلل ذلك على سقوط أكثر من ثلث العمالة الوافدة في الكويت تحت خط الفقر المطلق.
دالة الصفر
على ضوء كل الحقائق والأرقام عن التفاوت الطبقي، يبقى حال فئة البدون خارج الحسبان لعدم شمولها بالبيانات الرسمية، ليشكل «الإقصاء الإحصائي» وجهًا آخر من أشكال التغييب بحق هذه الفئة.
بحسب الأرقام الحكومية المسجلة، تعادل طبقة البدون 10% من الشعب الكويتي، وتتفاعل هذه الطبقة مع الاقتصاد الوطني، فتشتري وتبيع، وتعمل وتنفق، لكن قيمتها الإحصائية «صفر» لتجاهلها التام في البيانات الاقتصادية.
لا شك أن هذه الطبقة تعاني ضنك العيش وتفتقر لمصدر دخل ثابت أو واضح نتيجة للسياسات الأمنية الموجهة، وهذا ما يخل بدقة حساب قياس فجوة الدخل في الكويت ويزيد من انحسار العدالة الاجتماعية. لكل رب أسرة من البدون 7 أشخاص يعيلهم، بينما كل رب أسرة كويتي يعيل 4 أشخاص فقط.
البدون أكثر فئة غير كويتية تؤثر وتتأثر بحالة الفروق الطبقية بين الكويتيين، نتيجة للتداخل الاجتماعي الكبير بين هذه الفئة والمجتمع الكويتي. ويمثل إقصاء هذه الفئة الكبيرة من البيانات تقليلًا من حجم الاقتصاد الوطني، فإضافة نشاطهم الاقتصاد يزيد من حجم السوق المحلي وتعاملاته، ويعطي جاذبية لرفع الاستثمار المحلي والأجنبي، والذي هو أحد الأهداف الاستراتيجية للدولة.
ماذا بعد؟
فهم حالة التفاوت الطبقي بالكويت بمنطلقاتها التاريخية ومطالعة حاضرها بمنظور علمي، يخرجها من قالب الإطار السردي الآني ويرسم حقائق وأرقامًا في معضلة فوارق توزيع الدخل والثروة بالكويت. ويعد استيعاب حالة التباين الطبقي أمرًا حتميًا قبل الشروع في تنفيذ الإصلاحات المالية المقبلة للدولة، والتي يجب أن تراعي بحذر فوارق توزيع الدخل بين الأفراد من أجل ردم فجوة العدالة لا تعميقها، ولا يأتي ذلك إلا بمعالجات اقتصادية شمولية لتحقيق الاستدامة الاجتماعية وضمان ديمومة الحل.