إن الذين يراهنون على أن الديمقراطية خالية من التجاذبات والصراعات والمشاكل واهمون، لا سيما أننا نعيش في الجزء النامي من العالم، والمحمل بمشكلات تاريخية كالنزاعات القبلية ووجود الاستعمار وترسيم الحدود من جهة، وحداثية رافقت تكوين الدولة الحديثة على أساس الريع النفطي كتوزيع الثروات ومسألة الجنسية والمواطنة من جهة أخرى، ناهيك بأن المواءمة مع الحياة الديمقراطية والدستورية بحد ذاتها ليست سهلة.
الواقع البرلماني في قطر بالكاد يذكر، إلا أن هناك عدة محطات سياسية، لعل أبرزها كان إعلان الحكومة عام 1964 عن نيتها تشكيل مجلس بلدي استشاري كأول تجربة تمثيل ومشاركة شعبية جادة في البلاد، تماشيًا مع التغيرات والأحداث في المنطقة. وهو بلد يشترك في كثير من الملامح مع دول الخليج، وعلى وجه الخصوص الكويت.
من هذه الملامح طغيان القبيلة على التركيبة السكانية، والدولة الريعية، وحجم العمالة الأجنبية الذي يفوق عدد المواطنين. أما إلى أي مدى دخلت العقلية القبيلة في النسيج الاجتماعي؟ فقد أصبحت الدولة ومؤسساتها متأثرة بالقبلية وليست مؤثرة فيها، ولعل لهذه الظاهرة أسبابًا عديدة، إذ طغت في أيامنا هذه الهوية القبلية على الوحدة الوطنية.
قبل الحديث عن الأسباب، لا بد من أن نستذكر دور التجار والحركات العمالية في تطور الوعي السياسي ورسم ملامح الإصلاح في منطقة الخليج في النصف الثاني من القرن العشرين، فهم من أوائل من بادر بالحراك الشعبي في الكويت والبحرين ودبي عام 1938، والتي برزت منها قيادات وطنية على المستوى الشعبي، وأسهمت بشكل أو بآخر في تدعيم أواصر المشاركة الشعبية وتحقيق مكاسب عمالية ووطنية، وامتدت بطبيعة الحال إلى المناطق المتشابهة في دول الخليج المجاورة.
التمثيل السياسي والانتخابات في السياق التاريخي
وفي قطر، قُدمت إلى الحاكم قائمة من قبل جبهة الاتحاد الوطني عام 1963، تتكون من 107 أعضاء مؤسسين يمثلون مختلف القبائل والتجار ووجهاء الطبقة الوسطى والعمال وفئات اجتماعية أخرى، تضمنت القائمة عشرات المطالب من داخل المجتمع القطري.
على سبيل المثال، مطالبات بإلغاء العمالة الأجنبية غير العربية، وتوفير الماء والكهرباء مجانًا للجميع، وإنشاء المدارس والمستشفيات المجانية، والمطالبة بالمشاركة الشعبية. ونتيجة لذلك الزخم السياسي، استجيبت المطالب، وأُعلن عن نية لتشكيل مجلس بلدي. والمثير للاهتمام أن تركيبة هذا المجلس لم تكن على أساس الاعتبار القبلي، إذ يتألف المجلس من 21 عضوًا يمثلون الفئات والطوائف المختلفة كما نصت المادة رقم 3، ويكون اختيارهم «عن طريق انتخاب عشرين من كل طائفة، يختار الحاكم من بينهم ممثلي كل طائفة» على النحو الآتي:
- ثلاثة من الأسرة الحاكمة
- ستة من التجار
- ستة من الأعيان
- ثلاثة عن موظفي وعمال الحكومة
- ثلاثة من عمال المؤسسات الخاصة
ومن الملاحظ أيضًا أن الدوائر الانتخابية لم تكن مقسمة على أساس الاعتبار القبلي، كما يوضح المرسوم رقم 7 لسنة 1963، إذ وزعت الدوائر على 15 دائرة انتخابية تشمل مناطق مدينة الدوحة فقط، وهذا يفسر أن المجلس يمثل بلدية الدوحة باعتبارها أول بلدية أنشئت في ذلك الوقت في قطر، إلا أن هذا المجلس لم يرَ النور بسبب عدة عوامل منها:
أولًا: كان المجلس على الأرجح محاولة لاسترضاء عدد من الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين، لا سيما في ضوء الحركة العمالية والأصوات المنادية بالقومية العربية في ذلك الوقت. ونظرًا لأن الحركة العمالية والقوميين كانوا يفتقرون إلى النفوذ السياسي اللازم للمحافظة على الزخم السياسي المكتسب، سرعان ما عُلق مشروع المجلس الاستشاري دون أي عواقب مترتبة.
ثانيًا: أسهم تدفق عائدات النفط في شلل التطور السياسي في قطر، مما أدى إلى إضعاف سلطة القبيلة وحتى أي شكل من أشكال المعارضة المنظمة عند الاستقلال.
ثالثًا: ضعف القوى الاجتماعية والسياسية المحلية وطبقة التجار الصغيرة، وحقيقة أن طبقة المثقفين في قطر في تلك الحقبة بالكاد موجودة، ربما كانت كلها عوامل مهمة جعلت من السلطة تدرك أن تشكيل مجلس استشاري وفتح باب التمثيل السياسي أمر غير ضروري.
رابعًا: لم تكن السلطة في قطر تحت أي ضغط إقليمي أو دولي حقيقي، أو حتى تحت أي تهديد خارجي للنظر في التمثيل السياسي والمشاركة الشعبية.
تعرضت انتخابات المجالس البلدية لانتقادات محلية واسعة بسبب تشجيع الانقسامات القبلية وتأجيج الخلافات بين القبائل.
وبغض النظر عن عدم وجود أي معارضة سياسية كما ذكر سلفًا، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الحاكم لم يستجب للمطالبة أو لم يشعر بأي ضغط أو حاجة لمعالجة مسألة المشاركة أو التمثيل السياسي، إذ إن وجود مجلس استشاري يعد أداة أساسية لتعزيز الولاء والمبايعة والحكم.
ففي السبعينيات أمر الشيخ خليفة بن حمد بإنشاء أول مجلس شورى وفقًا للنظام الأساسي المؤقت المعدل، وذلك على أثر حركة تصحيحية عام 1972 نفذها الأمير عندما كان نائبًا للحاكم آنذاك، لتبرير أحقيته في الحكم. وفي التسعينيات أحيى الشيخ حمد بن خليفة بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد مسألة التمثيل والانتخابات مرة أخرى وإنشاء مجلس بلدي منتخب، على أثر الأحداث السياسية والانقلاب الفاشل الذي حصل في عام 1995.
وفي ظل هذه التطورات، أعلن الأمير حمد بن خليفة نيته دعم حرية الصحافة وتنظيم انتخابات المجلس البلدي عام 1999. وبالفعل أجريت انتخابات بلدية في نفس العام شارك فيها 247 مرشحًا على 29 دائرة، وسُمح للمرأة أيضًا بالمشاركة في الانتخابات، إذ شاركت ست مرشحات إلا أنهن لم يتمكن من الفوز.
ومع ذلك، لم يتمتع المجلس البلدي بأي سلطة ذات مغزى. كانت وظيفة المجلس استشارية فقط، وفي أحسن الأحوال، يمكنه فقط اقتراح الآراء والتوصيات، والتي لم تكن بالضرورة ملزمة للتنفيذيين في وزارة البلدية. على الرغم من عدم وجود سلطة للمجلس البلدي، فإنه أصبح على الفور المكان الوحيد لشكل من أشكال التمثيل السياسي، وبشكل أكثر تحديدًا، التمثيل القبلي.
ومع ذلك تعرضت انتخابات المجالس البلدية لانتقادات محلية واسعة بسبب تشجيع الانقسامات القبلية وتأجيج الخلافات بين القبائل. حتى في الأماكن التي لم يُسمع فيها عن التوترات القبلية، فإن تقسيم 29 دائرة كانت وما زالت على أسس وخطوط قبلية، مما جعل القبلية مكونًا لا مفر منه خلال العملية الانتخابية، خاصة وأن ما يقرب من 70% من المقاعد حُددت بأصوات عشائرية في عام 1999.
ومع حلول عام 2019، شهدت قطر بالفعل انتخاباتها السادسة للمجلس البلدي، ولكن يبدو أن الصورة الشكلية والطبيعة الاستشارية البحتة للمجلس قد أثرت بشكل خطير على المصلحة العامة، بين الناخبين والمرشحين على حد سواء.
على سبيل المثال، في عام 2015 كانت هناك ثلاثة مقاعد لم يتنافس عليها أحد. إضافة إلى ذلك تراجعت أهمية انتخابات المجلس البلدي لعام 2019، خاصة مع وجود التوترات السياسية الإقليمية، وبشكل أكبر في أعقاب الأزمة الخليجية التي اندلعت في عام 2017. ووفقًا لما ذكره الدكتور جاستن جنغلر، الأستاذ المساعد في معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية في جامعة قطر، فقد انخفض عدد الناخبين 9% مقارنة بالانتخابات الأخيرة في عام 2015، مما يعني أن واحدًا تقريبًا من كل 13 قطريًا صوّت في عام 2019.
مجلس الشورى المرتقب
توالت سلسلة من الوعود بإنشاء مجلس شورى منتخب في السنوات الماضية في عام 2003 و2013 و2019، بموجب الدستور الدائم الذي استفتي عليه جميع المواطنين في عام 2004، ومن المفترض أن يُنتخب ثلثا الأعضاء بالاقتراع العام، أي 30 عضوًا في المجلس المؤلف من 45 مقعدًا، بالإضافة إلى تعيين 15 عضوًا من قبل الأمير. ومع ذلك، أجلت انتخابات مجلس الشورى بشكل متكرر وعُين جميع الأعضاء من قبل الأمير، إلى أن أعلن في نوفمبر 2020 أن الانتخابات الأولى ستُنظم أخيرًا في أكتوبر 2021.
ومنذ أول يوم من إعلان الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن قانون رقم 6 لسنة 2021 لنظام انتخاب مجلس الشورى، أبدى غالبية القطريين اهتمامًا كبيرًا للترشيح في المجلس، إلا أن التجربة الانتخابية المحدودة وقوانين الانتخاب تكشف عن التوجه القوي للناخبين للتصويت على أسس القبيلة والصراع القبلي. فقد تزامن ذلك أيضًا مع ما يمكن اعتباره سياسة دولة لتعزيز القبلية وتشجيع الهويات القبلية وصعودها.
يبدو أن هذه السياسة تعود إلى أوائل التسعينيات، عندما تبنت سياسات مماثلة في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، لا سيما في الكويت والإمارات والسعودية. وفي ظل عدم وجود تفسير رسمي أو إعلان لهذه السياسة، فإن التفسير الأكثر ترجيحًا هو أن هذه الدول اعتبرت القبيلة والعصبية القبلية وسيلة لتعزيز الولاء المحلي وشرعية الحكم خاصة بعد الغزو العراقي للكويت، والذي مثل التحدي الأكبر لأنظمة الحكم في الخليج.
هناك افتراض عند البعض أن القبيلة في قطر قد فقدت أهميتها السياسية خلال السبعينيات والثمانينيات من خلال عملية بناء الدولة الحديثة، لكنها اليوم تشهد انتعاشًا كبيرًا على المستوى الاجتماعي والثقافي والسياسي. يُعزى ذلك إلى الجمع ليس فقط بين الاقتصاد الريعي وسياسة الدولة لتعزيز الشرعية، وإنما أيضًا إلى بيروقراطية الدولة التي أحيت الحاجة إلى زعماء القبائل أو الانتماءات القبلية، والذي أقام علاقة مباشرة بين الدولة والمواطنين، لتخفيف وطأة الدولة المركزية.
وبالتالي، فكما أشار المفكر الكويتي د. خلدون النقيب في كتابه «صراع القبيلة والديمقراطية: حالة الكويت»، فإن «الاعتراف بأهمية العنصر القبلي في الانتخابات، يتماشى مع تقليد بعض المناصب الفخرية والتنفيذية في المجالس وإدارات الشركات وغيرها من المناصب الاقتصادية البارزة على أساس الولاء وقرب تلك القبائل والأسر من الأسرة الحاكمة».
ما أسباب التعبئة القبلية؟
مع سخونة الوضع السياسي الحالي في قطر، تتوالى السرديات بأن التجربة الديمقراطية لا تناسب مجتمعاتنا كعرب وخليجيين، والتغيير الإصلاحي غير ممكن بعقلية «شيخ القبيلة»، والقبائل محكومة منذ الأزل بفكرة الحاكم والمحكوم. هذه الفرضية كانت وما زالت أحد أسباب تأجيل التجربة الديمقراطية، إلا أنها في الواقع فرضية لا أساس لها من الصحة، نابعة من الخوف من الديمقراطية أو أي شكل من العمل السياسي.
ومن المهم الإشارة الى أن القبيلة هي واقعية سياسية، والأكثر قابلية لأن تلعب دور الأحزاب السياسية والإصلاح السياسي والضبط الاجتماعي لو تحولت هذه المجتمعات الى مجتمعات ديمقراطية. في بعض الدول العربية مثل الكويت نلاحظ التمثيل القبلي يلعب دورًا بارزًا من خلال ما يسمى بالعملية الديمقراطية ومجلس الأمة. فكما يرى الدكتور يعقوب الكندري، أستاذ الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الكويت، فالقبيلة بعد عقود طويلة من التجربة الديمقراطية في الكويت «تخلت عن مرشحيها التقليديين وزعاماتها التاريخية ونواب الخدمات لصالح المرشحين أصحاب المواقف والآراء السياسية، بتحالف بين التيارات السياسية الأصولية والقبلية».
وفي رأي الدكتور الكندري أن «هذا ما عزز عملية الاندماج الاجتماعي بين الشرائح الاجتماعية التي تلاقت جميعها عند منطلقات التعليم والدين والفكر والأيديولوجيا والانتماء الحزبي».
لا يمكن تقييم تجربة لم تحصل بعد، فالتجربة هي خير برهان، والإصلاح السياسي يتطلب أن يبادر الفرد إلى تقييم التجربة أولًا ومن ثم مواجهة سلبياتها، ابتداء بقانون الانتخاب وانتهاء بأداء المجلس. كما أن المشاركة الشعبية والتجربة الديمقراطية لهما دور فعال في تنمية الوعي السياسي والثقافة العامة.
الجدير بالذكر هو التطرق إلى أسباب الخلاف السياسي التي تشهده قطر خلال الأيام القليلة الماضية، ومبادرة إعطاء الحلول بعيدًا عن إثارة النزعات القبلية وعن أجواء العنصرية المتضمنة في وسائل التواصل الاجتماعي.
السبب الأول: النظر في قانون الجنسية 1961، الذي كان وما زال أحد الأسباب الرئيسية في التمييز بين المواطنين والمواطنات وتعبئة القبائل، مما أدى حتمًا الى نظام معقد من التقسيم الطبقي والفئوي والقبلي في ما يتعلق بالمواطنة. وبحسب هذا القانون يتمتع المواطنون ممن حصلوا على الجنسية قبل عام 1930 واحتفظوا بها حتى يوم العمل بهذا القانون، بحقوق ومزايا قانونية واقتصادية واجتماعية كبيرة، في حين أن أولئك الذين حصلوا على الجنسية بعد عام 1930 في قطر محرومون من هذه الحقوق والاستحقاقات.
تشمل هذه الحقوق السياسية حق التصويت والمشاركة في الانتخابات، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أي أنه يحق للمواطنين من الدرجة الأولى في قطر الحصول على قطعة أرض بالإضافة إلى المزايا المالية الكبيرة من الدولة وقت الزواج، في حين أن أولئك الذين يصنفون كمواطنين من الدرجة الثانية هم وأحفادهم (بالإضافة إلى المواطنات بصفة أصلية أو غير أصلية) لا يتلقون مثل هذه المزايا. ولذلك عندما يتظلم أفراد المجتمع، فإنهم يلجؤون إلى القبيلة قبل اللجوء إلى مؤسسات الدولة، للحصول على حقوقهم أو لتوزيع المنافع بينهم.
السبب الثاني: أن أحد العوامل التي أسهمت على الأرجح في حدة التنافس القبلي، هو حقيقة أن الحكومة تشجع الولاءات القبلية لدعم شرعيتها، وذلك عن طريق تحديد الدوائر الانتخابية على طول الحدود الجغرافية للقبائل، كما يوضح الدكتور حسن السيد أستاذ القانون الدستوري في جامعة قطر، في عدة مقالات كتبها، حقيقة أن 30 دائرة انتخابية ارتبطت بالسكن الفعلي، والمعروفة باسم مسقط رأس القبيلة، عززت فيها المشاعر القبلية، مما يجعل القبلية من أقوى العوامل المؤثرة في اختيارات الناخبين. كما أن التقسيم الدوائر على أسس قبلية هو أمر متعمد، خاصة وأن الأحزاب السياسية غير مسموح بها، ومنظمات المجتمع المدني حكومية غير مستقلة.
السبب الثالث: أن أحد الجوانب الأخرى المثيرة للاهتمام هي الطريقة التي تحشد بها القبائل والأسر مواردها في إدارة حملاتها منذ إعلان فتح باب الترشيح، وذلك على أساس العقلية القبلية، فكما قال الدكتور عبد المالك التميمي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة الكويت، في كتابه «الحداثة والتحديث في دول الخليج العربية منذ منتصف القرن العشرين»: «إن أغلبنا قبليون في تفكيرنا، ولكن ليس بالضرورة أن يكون أغلبنا من القبائل»، مما يعزز العصبية القبلية خاصة في تحديد من هو داخل الجماعة أو خارجها. وأيضًا الحشد على أساس الوعود الانتخابية، فالوعود التي يقدمها المرشح غير واقعية تمامًا، ونظرة المرشح والناخب إلى مجلس الشورى باعتباره مصدرًا للفوائد المادية والمكانة الاجتماعية وغيرها، من الفوائد التي يتنافس عليها بأي ثمن.
ربما هذه الأسباب تفسر استمرار تنظيم الانتخابات على أسس قبلية، وبالتأكد ستؤدي إلى تمزق المجتمع، وخلق نظام سياسي مشلول، وتوترات لا نهاية لها بين الدولة والمجتمع من جهة، والفئات الاجتماعية من جهة أخرى. علاوة على ذلك، فإن إحياء القبلية نتيجة تصرفات وسياسات الدولة وتبني المواطنين العقلية القبلية، سيسهم في إضعاف الدولة وصلتها بالمجتمع.
وبالتالي يمكن استغلال القبلية من قبل الدول المجاورة، بعد أن أصبحت مخاطر الانقسام ومخاطر القبلية واضحة للغاية في بداية الأزمة الخليجية في 2017. والبديل أن تتعامل الدولة مع مواطنيها باعتبارهم مواطنين يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتماءاتهم كما نص الدستور، ويتوجب كذلك على الدولة والمجتمع تعزيز الهوية والوحدة الوطنية، والاستمرار في المسيرة الديمقراطية، فهي طوق النجاة المتعلق بالوجود والتقدم، وصمام المجتمع لأي انقسام داخلي أو نفوذ سياسي خارجي.
وبالرغم من المنطق وراء تنظيم انتخابات مجلس الشورى على أساس قبلي، وعدد الذين لهم حق الانتخاب الذي لا يزيد عن 25% من السكان، وأن قانون الانتخاب يضبط تقسيم المناطق الانتخابية الثلاثين بطريقة تخدم الولاءات القبلية، فإن الشعب القطري متمسك بالدستور وبمجلس الشورى في رأيي. وإذا كنا نثير سلبيات القوانين وبعض السلوكيات، فلأننا نريد المزيد ونريد الارتقاء إلى وضع أفضل، لكن ذلك لا يعني بأي حال أن التجربة لن تحقق شيئًا، بل ستحقق إنجازات سنفخر بها على المستوى الشعبي.
سؤالي الأخير هنا: هل ما زلنا مسجونين في مفهوم القبيلة والقبلية؟ أم أن الواقع يفرض علينا تبني مفهوم المواطنة القائمة على العدالة والحقوق والواجبات؟ وهل الحقوق والواجبات تتم بالمسائل الديمقراطية، أم القبلية؟