يشارف عصر التوسع في الطلب على الوقود الأحفوري، نهايته، في غضون عقد من الزمان، إذ ستتغير الطريقة التي نولّد بها الكهرباء كليًا، وفقًا لتوقّعات جديدة لبلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة التي تخطط لأسواق الطاقة العالمية للسنوات الخمسة والعشرين المقبلة. أُطلق عليها ذروة الوقود الأحفوري، وذلك الانقلاب الحاصل ليس بسبب نفاد الفحم والغاز، لكن لوجود بدائل أرخص، كتوافر السيارات الكهربائية وبطاريات تخزين الطاقة المتجددة بأسعار معقولة وبشكل أسرع مما كان متوقعًا، إضافة للتغيّرات في مصادر الطاقة المستخدمة في الصين.
وفيما يلي نعرض ثمانية تحولات ضخمة في طريقها للوصول إلى أسواق الطاقة.
أولًا، لن يكون هناك عصر ذهبي للغاز
منذ عام 2008 كانت وفرة الغاز الطبيعي الرخيص الناجم عن عمليات التكسير، القوة الأكثر أهمية في أسواق الطاقة الأمريكية. وقد دمر إنتاج الغاز الرخيص صناعة الفحم في الولايات المتحدة. وبحسب BNEF تنخفض تكاليف إنتاج الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية بسرعة كبيرة، بالنسبة لأسعار الغاز مما يدفع للتوسع في استخدامها على نطاق عالمي.
وخفّض المحللون التوقعات طويلة المدى لأسعار الفحم والغاز الطبيعي بمقدار الثلث لتقرير هذا العام، ولكن حتى أبخس الأسعار لن تتمكن من عرقلة التحول العالمي السريع نحو الطاقة المتجددة. ويقول سيب هينبست المؤلف الرئيسي للتقرير «لا يمكنك محاربة المستقبل، فالاقتصاد أصبح حبيسًا على نحو متزايد، وعام الذروة بالنسبة للفحم والغاز والنفط هو 2025».
ثانيًا: مصادر الطاقة المتجددة تجذب 7.8 تريليون دولار
يتزايد طلب البشرية على الكهرباء، وستضيف الاستثمارات في الوقود الأحفوري 2.1 تريليون دولار بحلول عام 2040، لكن هذا المبلغ سيبدو ضئيلًا أمام 7.8 تريليون دولار، تُستثمر في مصادر الطاقة المتجددة، إذ تبلغ حصة الطاقة الشمسية 3.4 تريليون دولار، و3.1 تريليونات لطاقة الرياح و911 بليونًا للطاقة المائية. حاليًا هناك مناطق كثيرة على سطح الأرض تكلفة منشآت توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية فيها أقل من تكلفة بناء محطات جديدة للوقود الأحفوري، لكن بحلول عام 2027سيكون إنشاء مزارع رياح جديدة وحقول الطاقة الشمسية أرخص غالبًا من تكلفة تشغيل محطات توليد الطاقة الموجودة والعاملة بالفحم والغاز. ووفقًا لـBNEF فإن هذا المنعطف سيؤدي إلى تطور سريع وواسع النطاق لمصادر الطاقة المتجددة.
اللون الوردي في الجزء العلوي من المخطط، بيانات هذا العام. وهو يمثل تقنية قدرة مرنة، وتأتي البطاريات الكبيرة في المقام الأول من أجل المنازل والشبكة الكهربائية، والتي ستنعم بها الجبال والوديان الغنية بطاقة الرياح والطاقة الشمسية. وبحلول عام 2028، ستكون البطاريات في كل مكان، كما هو الحال مع ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المنازل في أيامنا هذه.
ثالثًا: السيارات الكهربائية تُنقذ أسواق الطاقة
في النقاش بشأن ذروة الوقود الأحفوري، يتم التركيز على توليد الكهرباء لا على وقود النقل، أما بالنسبة للسيارات فإن تقليص الاعتماد على النفط سيتطلب وقتًا أطول. والصعود المفاجئ للسيارات الكهربائية على وشك تعطيل أسواق النفط، إلا أن انعكاساته على أسواق الكهرباء عميقة، إذ سيزداد عدد السيارات التي تحتاج للشحن. لم تكن السيارات الكهربائية لتأتي في وقت أفضل من ذلك بالنسبة للدول المتقدمة. ففي ألمانيا مثلًا، يعني رفع الكفاءة أن الطلب على الكهرباء سينخفض فترة طويلة ومزعزعة للاستقرار، ولكن ظهور السيارات الكهربائية سوف يعكس هذا الاتجاه. تُظهر الرسوم البيانية أدناه الطلب المتزايد على قدرة بطارية السيارات والفرق الذي ستسببه المَركبات الكهربائية في الطلب على الطاقة عالميًا. إن تبني السيارات الكهربائية سيختلف حسب البلد والقارة، ولكنه سيضيف عمومًا 8% لإجمالي استهلاك البشرية للكهرباء بحلول عام 2040 بحسب تقرير BNEF.
اقرأ أيضًا: السماء شبكة مواصلاتك: رحلة في مستقبل صناعة السيارات
رابعًا: البطاريات تنضم إلى الشبكة الكهربائية
يؤدي ارتفاع الطلب على الوقود الأحفوري إلى ارتفاع الأسعار، لكن مع تقنيات الطاقة المتجددة الحديثة فإن المزيد من الطلب يولّد المزيد من الكميات، مما يدفع لانخفاض الأسعار. وبازدياد عدد السيارات الكهربائية يزداد الطلب على الطاقة المتجددة مما يدفع لخفض تكلفة البطاريات. ويصبح من الممكن استخدام هذه البطاريات بشكل متزايد لتخزين الطاقة الشمسية.
خامسًا: الهبوط السريع لأسعار الطاقة الشمسية والرياح
يمكن القول إن المخطط أدناه هو الرسم البياني الأكثر أهمية في أسواق الطاقة. وهو تعبير رياضي جميل عن انخفاض تكاليف الطاقة الشمسية. وهذا الرسم البياني على مقياس لوغاريتمي، وبالتالي فإن الانخفاضات أكثر عمقًا مما تبدو عليه أوّل وهلة. وكل مضاعفة في عدد الألواح الشمسية في العالم تؤدي لخفض التكاليف بنسبة 26%. تكلفة الطاقة الشمسية في التقنية لا في الوقود، والتقنية تصبح أرخص وأكثر كفاءة بمرور الزمن. وهذا سر قيادتها لثورة الطاقة.
وتنخفض تكلفة طاقة الرياح أيضًا بشكل سريع. وبحلول عام 2030 ستكون الرياح والطاقة الشمسية أقل أشكال الطاقة تكلفة لإنتاج الطاقة الكهربائية.
سادسًا: عوامل القدرة تنطلق بحرية
أحد الأمور التي تتغير بسرعة في مجال الطاقة المتجددة، التحوّل فيما يُعرف باسم عامل القدرة. وهو النسبة المئوية للجهد الأقصى لمحطة الطاقة المُنجز فعلًا خلال زمن محدد. لنأخذ مثلًا مزرعة رياح، فحتى لو كانت على ارتفاعات عالية، فالرياح ليست مستمرة وتختلف قوتها على مدار اليوم والطقس والفصول. ذلك المشروع الذي يولّد 100 ميغاواط من الكهرباء خلال أكثر الأوقات عصفًا، يُنتج 30% فقط عندما نأخذ المتوسط على مدار العام. وهذا يعطيها عامل قدرة 30%. ومع استمرار تطور التقنيات بدأت عوامل القدرة للطاقة المتجددة في الازدياد. وقد حققت بعض مزارع الرياح في ولاية تكساس عوامل قدرة تصل حتى 50% بحسب BNEF.
إن تحسين عوامل القدرة جعل الطاقة المتجددة أكثر جاذبية، لكن عوامل القدرة لمحطات الغاز والفحم تتغيّر أيضًا. عندما يتم بناء مشروع الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، فإن التكلفة الحدية للكهرباء التي ينتجها شبه معدومة (كهرباء مجانية). بينما تتطلب محطات الفحم والغاز وقودًا أكثر لكل واط جديد تنتجه. وشركات الطاقة تختار الأشياء المجانية دائمًا. وبما أن محطات الفحم والغاز الطبيعي تتعطل عن العمل على نحو متزايد لمصلحة مصادر الطاقة المتجددة، فإن عوامل قدرتها تتلقى ضربة كبيرة، وترتفع تكلفة تشغيلها. ربما ستكون الطاقة الداعمة المُكلفة للطاقة المتجددة الرخيصة.
سابعًا: ملوّث جديد يدعو للقلق
أصبحت الصين أكبر مصادر التلوث وأسرعها نموًا، وباتت مصدر قلق بيئي عالمي كبير خلال العقود القليلة الماضية. لكن الاقتصاد الصيني يسعى لتغيير هذ المنظور بتحوّله الضخم من الفحم إلى مصادر الطاقة المتجددة. أي ستقوم الصين بخفض انبعاثات الكربون لديها بشكل أكبر من أي بلد آخر في السنوات الخمسة والعشرين المقبلة، بحسب BNEF، وهذا خبر سار للمناخ وتغير كبير بالنسبة للآفاق المستقبلية للطاقة العالمية. ولكن الهند تبرز كأكبر تهديد للجهود المبذولة للحد من تغير المناخ، فمن المتوقع أن يزداد الطلب على الكهرباء في الهند أربعة أضعاف بحلول عام 2040، وستكون البلاد بحاجة للاستثمار في مجموعة متنوعة من مصادر الطاقة لتلبية هذا الطلب الجديد الهائل. فملايين الهنود لا يحصلون إلا على القليل من الكهرباء وبعضهم لا تصل إليه أبدًا، في حين تتربع البلاد على جبل من الفحم تنوي استثماره.
ثامنًا: ويستمر التحوّل
تحسّنت توقعات BNEF لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل ملحوظ خلال العام الماضي، على الرغم من الأسعار الرخيصة للوقود الأحفوري، والتحول للطاقة المتجددة يحدث بسرعة هائلة ولكن ليس بالسرعة الكافية لمنع المستويات الخطيرة لظاهرة الاحتباس الحراري. وإن لم تتخذ الحكومات إجراءات إضافية، فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من قطاع الطاقة سيصل ذروته عام 2020 وسيبقى ثابتًا نسبيًا في المستقبل المنظور. وهذا لا يكفي لحماية سطح الأرض من التسخين أكثر من درجتين مئويتين، بحسب BNEF. وتعد هذه نقطة اللاعودة بالنسبة لأسوأ العواقب المترتبة على تغير المناخ.
يركّز تقرير BNEF على العوامل الاقتصادية الأساسية: السعر والطلب والعرض، ويشمل السياسات المتعلقة بالمناخ التي وُضعت قيد التنفيذ، ولكن لا يقدّم أي تخمينات عن سياسات جديدة، ولا يتطرق إلى أي تقنيات ليست جاهزة للاستخدام. هذا قد يثلج صدر القلقين إزاء التغير المناخي، لأن الأمر الأهم الذي أظهرته أسواق الطاقة في العقد الماضي، أن المزيد من المفاجآت قادم على الطريق.
المصدر: Bloomberg