«استفتاء دستوري»: الانتخابات التكميلية مصيرية أم «تكملة عدد»؟

الصورة: كونا - التصميم: منشور

محمد جمال اليوسف
نشر في 2021/05/19

وسط أجواء سياسية محتقنة قد تهدد مستقبل أحد أقدم التجارب البرلمانية في الخليج، تقام الانتخابات التكميلية الرابعة عشرة على مقعد النائب المعارض الدكتور بدر الداهوم في 22 مايو 2021، بعد إبطال المحكمة الدستورية عضويته في حكم أثار جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والسياسية.

تأتي هذه الانتخابات في سياق شهد تصعيدًا نيابيًا حكوميًا، إذ قاطعت الأغلبية النيابية المعارضة جلسة قسم الحكومة الجديدة، والتي شهدت تحصين رئيس الوزراء من كل الاستجوابات المقدمة والمزمع تقديمها لأكثر من عام ونصف، الأمر الذي تشوبه شكوك دستورية، بالإضافة إلى تعهد بعض النواب المعارضين بتعطيل جلسات مجلس الأمة ما لم يصعد رئيس الوزراء إلى منصة الاستجواب، فضلًا عن رفعهم شعارات «رحيل الرئيسين»، إشارة إلى رئيسي مجلس الوزراء ومجلس الأمة.

تثير هذه الانتخابات عدة تساؤلات، أبرزها: ماذا يعني إبطال عضوية أحد أبرز المعارضين في مجلس الأمة؟ هل يمكن أن يسهم مقعد واحد في تغيير مجريات الحياة البرلمانية في ظل استقطاب وجمود سياسي أسهم في تعطيل الحياة البرلمانية؟ ما ترتيبات المعارضة والحكومة مع المخرجات المحتملة لهذه الانتخابات التكميلية؟ ما السيناريوهات الواردة لما بعد الانتخابات؟

تأتي الانتخابات التكميلية مختلفة عن سابقتها، فأحد المرشحين الحاليين الدكتور عبيد الوسمي، الذي كان مقاطعًا للانتخابات منذ 2012، قرر خوض هذه الانتخابات بدعم من بعض الرموز السياسية والنواب المعارضين في المجلس، وحظي إعلانه بترحيب شعبي كبير و«غير مسبوق» على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقالت مصادر خاصة لـ«منشور» إن ترشح الوسمي جاء بعد ضغوط من بعض الرموز السياسية كالدكتور عبد الله النفيسي، ورئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون، وكذلك بعض رموز المعارضة، بالإضافة إلى النائب المبطلة عضويته بدر الداهوم.

طبيعة الانتخابات التكميلية

الصورة: كونا - التصميم: منشور

منذ استقلال الكويت وبدء الحياة البرلمانية، نُظم 16 انتخابًا تكميليًا على مستوى الدوائر الانتخابية، أبرزها في عام 1965، عندما استقال ثمانية نواب رفضًا لقوانين «مقيدة للحريات» وسط صراع سياسي بين الكتلة التجارية والكتلة القومية، وكذلك مجلس 1967 حين استقال ستة نواب احتجاجًا على نتائج الانتخابات، والتي أكدت فيها القوى السياسية آنذاك تدخل الحكومة بالتزوير لصالح مرشحيها.

تتأثر الانتخابات التكميلية بشكل كبير بمجريات الأحداث السياسية داخل مجلس الأمة، وغالبًا ما تكون نتائجها انعكاسًا لذلك.

من أبرز الانتخابات التكميلية بعد فترة التحرير تلك التي وقعت عام 2014، عند استقالة خمسة نواب بعد شطب المجلس استجوابًا مقدمًا لرئيس الوزراء. ومؤخرًا في 2019، حين أسقطت المحكمة الدستورية عضوية نائبين على خلفية قضية «اقتحام المجلس».

يقول الباحث في الشؤون السياسية الكويتية بجامعة ييل الأمريكية «دانيال تافانا» لـ«منشور» إن «الانتخابات التكميلية في العادة مجرد انتخابات روتينية، تعتمد على الظروف الراهنة والسياق السياسي الذي يتزامن معها والدوائر الانتخابية التي تُنظم فيها، لكن ما يميز الانتخابات الحالية أنها جاءت على غير العادة بعد إبطال عضوية أحد رموز المعارضة في البرلمان على خلفية تهم سياسية»، الأمر الذي دعا النواب المعارضين إلى توحيد صفوفهم لاسترجاع كرسيهم.

تتأثر الانتخابات التكميلية بشكل كبير بمجريات الأحداث السياسية داخل مجلس الأمة، وغالبًا ما تكون نتائجها انعكاسًا لذلك. وقد أكد ذلك المرشح الوسمي في إعلان ترشحه عندما قال إن هذه الانتخابات ستكون «استفتاء دستوريًا»، أي أن نتائجها ستعبر عن مزاج الشارع في قضية إبطال عضوية النائب السابق المعارض الداهوم. وتوعد الوسمي في إعلانه بالانسحاب من الانتخابات في حال قبلت المحكمة الطعن المقدم من الداهوم لإرجاع عضويته قبل موعد الانتخابات، ولكن حجزت المحكمة القضية وسوف تصدر رأيها في الجلسة المزمع عقدها منتصف شهر يونيو.

تحدثنا مع الناشط السياسي سعود العصفور، وهو أحد المرشحين «المنسحبين» من هذه الانتخابات التكميلية. يقول العصفور إن المزاج الشعبي، والذي سيكون متأثرًا بشكل مباشر بالأحداث السياسية داخل المجلس، سيتحكم بشكل كبير في الانتخابات. ويضيف أن «العلامة الفارقة» ستكون في غياب التصفيات القبلية. علمًا بأن الدائرة الخامسة تتأثر بشكل كبير بالعامل القبلي، والمرشح الأبرز الوسمي يخوض انتخابات خارج دائرته المعتادة، فقد كانت مشاركته السابقة في الانتخابات عن الدائرة الرابعة، أما اليوم فقد ترشح عن الدائرة الخامسة. لذا، قد يثير نجاحه المحتمل تساؤلات جوهرية حول مدى تأثر النزعة القبلية بالمزاج العام.

يُذكر أن أكبر قبيلة في الدائرة (العوازم) أعلنت مقاطعة الانتخابات التكميلية لإيصال «رسالة احتجاج وغضب ضد الظلم الواقع على "ابن القبيلة" الدكتور بدر الداهوم».

ويؤكد الباحث في الحركات الاجتماعية والسياسية مبارك الجري لـ«منشور» أهمية هذا المزاج العام العابر للاعتبارات القبلية، مشيرًا إلى أن «أكثر ما يميز هذه الانتخابات تعاون أبناء القبائل المتعاطفين مع قضية النائب السابق الداهوم مع المرشح الوسمي، والدليل على ذلك انسحاب عدد من المرشحين البارزين من مختلف قبائل الدائرة لصالحه». 

انتخابات مصيرية؟

تأتي الانتخابات وسط توقعات باكتساح النائب المعارض الوسمي، فهو «ليس له منافس، وسيحقق رقمًا غير مسبوق»، كما يذكر خبير استطلاعات الرأي صلاح الجاسم. لذا قد تكون الانتخابات محسومة ودون مفاجآت، لكن ما مدى تأثيرها على أرض الواقع؟

بالرغم من أنها انتخابات على مقعد واحد، يرى سعود العصفور أنها ستكون مصيرية لأنها قد تكون سببًا في إمالة كفة التصويت ناحية النواب الإصلاحيين، فبعض التصويتات في الجلسات السابقة حُسمت بفارق صوت أو صوتين لصالح الحكومة، وجلسة قسم الحكومة التي أعلن 30 نائبًا مقاطعتها خير مثال على ذلك. وجاء انسحاب العصفور وبقية المرشحين من الانتخابات «لتوحيد صفوف الإصلاحيين» كما يذكر لـ«منشور»، مضيفًا أنها ستكون رسالة واضحة وصريحة للسلطة بأن «الشعب مُجمع ومتفق على رفض كل التجاوزات التي تمت خلال الفترة القصيرة الماضية». ويتوقع العصفور أن الوسمي سيكون إضافة نيابية مميزة لما يمتلكه من مسيرة قانونية وسياسية حافلة، وأن الحكومة «لن تكون سعيدة بوصوله».

كيف سيوظف الوسمي في حال نجاحه قوته وخبرته القانونية والسياسية للتأثير على مجريات المجلس؟

الجدير بالذكر أن النائب يوسف الفضالة ممثل الدائرة الثالثة تقدم كذلك باستقالته من مجلس الأمة بسبب هذا التصعيد النيابي الحكومي، مما يعطي نواب الأغلبية فرصة المنافسة على مقعد إضافي قد يرجح كفة المعارضة، في حال تصويت المجلس على قبول استقالته وعقد انتخابات تكميلية أخرى في دائرته.

لكن رغم احتدام التنافس بين الحكومة والمعارضة، يقول تافانا: «لا أعتقد أن مقعدًا واحدًا بحد ذاته سيغير ديناميكية السلطة داخل البرلمان أو يؤثر على توازن القوى، لكن في حال وصول معارض لاذع كالوسمي، وفي حال استمراره على نهجه المعارض، قد يكون بإمكانه تحفيز المعارضة والتأثير على ميزان القوى، لما لديه من كاريزما ورصيد شعبي». إلا أنه يضيف: «تعاني المعارضة من انقسامات حول الأولويات، ولم تأتِ حتى الآن بأجندة واضحة، لذا أستبعد أن تُحدث هذه الانتخابات تغييرات ملحوظة على أرض الواقع».

تبقى التساؤلات المهمة: كيف سيوظف الوسمي في حال نجاحه قوته وخبرته القانونية والسياسية للتأثير على مجريات المجلس؟ وهل سيختلف خطابه داخل المجلس عن خطاباته الشعبية خارج المجلس؟ وهل سينجح في خلق توازن بين كتل المعارضة بمختلف أطيافها داخل البرلمان، أم سيكون له مسار خاص؟

السيناريوهات المحتملة: إصرار على المماطلة

لا شك أن المرحلة القادمة ستكون محل ترقب، لما تحمله من تحديات اقتصادية وسياسية بل وحتى اجتماعية، تفاقمت مع الاحتقان السياسي الذي تشهده البلاد.

السيناريو الأول هو تمسك الحكومة بالحفاظ على الوضع الراهن، مستغلة انقسامات المعارضة والأصوات التي تمتلكها في البرلمان، وذلك حتى فض دور الانعقاد (يتطلب ذلك التصويت على اعتماد الميزانية في جلسة خاصة)، أملًا في تخفيف حالة الاحتقان السياسي خلال العطلة الصيفية.

لكن ماذا لو أصرت المعارضة على تعطيل الجلسات عن طريق استخدام بعض الوسائل المتاحة، مثل الجلوس على كراسي الوزراء؟ من الخاسر الأكبر في حال عدم عقد الجلسات؟

يمكننا القول بأن عدم انعقاد الجلسات قد يؤثر بشكل ملحوظ على الحكومة ورئيس البرلمان المقرب من الحكومة، فهم يحاولون تمرير بعض القوانين والتشريعات التي تهمهم، مثل اعتماد الميزانية العامة وقانون الدين العام ومشروع قانون السحب من صندوق الأجيال القادمة. ولكن كيف يمكن للحكومة استئناف الجلسات في حال اعتراض 30 نائبًا؟

ردًا على ذلك، يقول الناشط السياسي ناصر النزهان لـ«منشور» إن العفو الخاص عن المعارضين المدانين في قضية «دخول المجلس» قد يكون ورقة الحكومة الوحيدة لتفريج هذا الاحتقان السياسي، موضحًا أن تلويح بعض وسائل إعلام والنواب المقربين من السلطة بملف العفو الخاص، في الوقت الذي توعدت فيه المعارضة بتعطيل الجلسات، قد يكون مؤشرًا على ذلك.

لكن هل تقبل المعارضة بمختلف أطيافها مثل هذه التنازلات مقابل تحصين رئيس الوزراء من الاستجوابات لأكثر من عام؟ هل يقبل رئيس الحكومة التنازل عن طلبه بتأجيل «كل الاستجوابات المقدمة»، أو على الأقل «المزمع تقديمها»؟

في المقابل، قد تكون التكلفة السياسية عالية على نواب المعارضة في حال تعطيل الجلسات، لما فيها من استجوابات تقدم بها بعض نواب المعارضة ضد بعض الوزراء، فضلًا عن أن أغلب التشريعات المدرجة على جدول الأعمال هي تشريعات تقدم بها نواب المعارضة في الأصل.

الخيارات الأخرى: الاستمرارية أو الحل

الصورة: كونا - التصميم: منشور

أما الخيارات الأخرى المتاحة فهي استئناف جلسات مجلس الأمة مع الدفع باستجواب باقي وزراء الحكومة أملًا في إسقاطهم. ويحاول بعض نواب المعارضة الدفع نحو هذا التوجه في حال عدم استجابة رئيس المجلس والحكومة لطلبهم (بالسماح لهم باستجواب رئيس الحكومة)، إلى اللجوء لاستئناف الجلسات وطرح الثقة في الوزراء عن طريق الاستجوابات المقدمة والمدرجة على جدول الأعمال كإحدى وسائل الضغط الوحيدة المتبقية. يُذكر أن هناك استجوابات مقدمة لعدة وزراء منهم الخارجية والداخلية والصحة والمالية، بالإضافة إلى استجوابات أخرى مزمع تقديمها، كما توعد بعض النواب.

وعليه فإن أي تعطيل للجلسات يعد تعطيلًا لأعمال المعارضة وملاذًا للحكومة للهروب من المساءلة السياسية. بالإضافة إلى أن الحكومة بإمكانها إصدار التشريعات التي تهمها، وبالأخص القوانين غير الشعبية، خلال الإجازة الصيفية عن طريق مراسيم ضرورة إن تطلب الأمر.

أما السيناريو الأخير فهو التصعيد مع الحكومة للدفع نحو حل المجلس والدعوة إلى انتخابات جديدة، في حال إصرار المعارضة على «رحيل الرئيسين».

هناك تعبئة شعبية ملحوظة لم نشهدها في أي انتخابات تكميلية أخرى، ويعود سببها إلى استياء الناس من قضايا الفساد والسخط الشعبي العام على نهج الحكومة.

وقد يصر نواب المعارضة على عدم عقد الجلسات، لا سيما أن «تكتيك» الجلوس على مقاعد الوزراء نجح بعد أن رفضت الحكومة حضور جلسة 30 مايو بسبب جلوس النواب على مقاعدها. وفي المقابل، قد تصر الحكومة على عدم التنازل عن تحصين رئيسها واستبعاد أي مفاوضات سياسية محتملة مثل «العفو الخاص»، والذي سيزيد من حدة الاحتقان السياسي بين السلطتين، وربما يتطلب تدخل القيادة السياسية أو حل المجلس.

المزاج العام

قد لا تكون هذه الانتخابات التكميلية الحل الأمثل للصراع السياسي بين أعضاء المعارضة والحكومة، وذلك لمحدودية المقاعد المُتنافس عليها بين المرشحين وعدم وجود أي منافسة حقيقية عليها. لكن نتائج هذه الانتخابات ستكون دون شك معبرة عن المزاج العام للشعب، ومدى استياء الناس من أداء الحكومة في إدارتها الملفات الحساسة، مثل الأزمة الصحية والاقتصادية، والأهم من ذلك، القرارات السياسية.

إلا أن هذا المزاج ليس إلا امتدادًا لموجة التغيير التي اجتاحت الانتخابات العامة في ديسمبر 2020، وأسفرت عن سقوط أكثر من نصف أعضاء مجلس الأمة السابق نتيجة للسخط الشعبي على أداء النواب والحكومة. ويرى الجري أن هناك تعبئة شعبية ملحوظة لم نشهدها في أي انتخابات تكميلية أخرى، ويعود سبب هذه «التعبئة» إلى استياء الناس من قضايا الفساد والسخط الشعبي العام على نهج الحكومة وأدائها، والأهم من ذلك إبطال عضوية أحد أبرز نواب المعارضة في المجلس.

مواضيع مشابهة