موسم قطف الزيتون: كيف يعاني المزارع الفلسطيني في حصاد أرضه؟

الصورة: كونا - التصميم: منشور

تغريد علي
نشر في 2022/01/24

معاناة كبيرة يكابدها المزارع الفلسطيني وصفي سليمان (45 عامًا) من بلدة ياسوف قضاء سلفيت شمال الضفة الغربية المحتلة للوصول إلى أرضه، والتي حولها المستوطنون في مستوطنة رحاليم إلى خراب، بعد أن أقدموا على حرق 210 شجرة زيتون مثمرة من أصل 560 شجرة قبل موسم حصاد الموسم الحالي في أرضه، التي تبلغ مساحتها 10 آلاف متر مربع، وهو ما تسبب له في خسارة مالية تتجاوز 15 ألف دولار.

يقول سليمان خلال حديثه لـ«منشور»: «المزارع الفلسطيني بات يفقد الأمان لمجرد التفكير في الوصول إلى أرضه لمتابعتها وجني محاصيلها، نتيجة لاعتداءات المستوطنين المتواصلة عليه أثناء توجهه إليها، بالإضافة إلى التضييقيات التي يمارسها الجنود الإسرائيليون على الحواجز للوصول إلى الأراضي التي تقع خلف الجدار العازل، إذ يفرض الاحتلال عليهم العمل لساعات محدودة داخل الأرض، قبل أن يشرع الجنود في إغلاق البوابات ومنع الدخول والخروج من المنطقة، لاعتبارات وحجج أمنية واهية».

يعتبر الزيتون مصدر دخل رئيسيًا للمزارعين الفلسطينيين، ويمتد ما بين تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر)، وهو شريان الحياة لـ80 ألف إلى 100 ألف عائلة فلسطينية في الضفة الغربية.

وكانت منظمة ييش دين الإسرائيلية قد وثقت خلال عام 2021 وجود 42 حالة اعتداء لمستوطنين على الفلسطينيين أثناء حصاد الزيتون، منها 13 حالة عنف من المستوطنين تجاه الفلاحين باستخدام العصي الخشبية والحديدية، ورمي الحجارة، ورش الغاز، و17 حالة سرقة محصول، و24 حالة تخريب وحرق وقطع شجر زيتون بمعدل 450 شجرة.

وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن ما يقرب من نصف الأراضي الزراعية الفلسطينية مزروعة بما يقدر بنحو 10 ملايين شجرة زيتون في الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر.

اعتداءات المستوطنين

الصورة: Getty

«مع مساعدة المتضامنين العرب والأجانب لنا، بتنا نشعر ببعض الأمان أثناء حصاد ثمار الزيتون»، هكذا يقول سليمان، رغم أن هؤلاء المتضامنين لم يسلموا أيضًا من اعتداءات المستوطنين، سواء بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة عليهم، أو شتمهم بألفاظ بذيئة، لدفعهم لعدم مساندة المزارعين أو التفكير في العودة مجددًا لمساعدتهم مستقبلًا.

ويلفت إلى أن «المزارعين الفلسطينيين بحاجة إلى المزيد من المساعدة من قبل المتضامنين لحماية أراضيهم، والوقوف في وجه اعتداءات المستوطنين وحشد الطاقات والجماهير في سبيل تمكين الفلاحين من التمسك بأرضهم والاعتناء بها، رغم الصعوبات والتحديات الكبيرة التي يتعرضون لها».

ويوضح المزارع الفلسطيني أن «الإجراءات الإسرائيلية والمستوطنين يدفعان للتنغيص على المزارعين، ودفعهم لترك أراضيهم قسرًا مع مرور الوقت، ليسهل السيطرة عليها من قبل الاحتلال، وبناء المزيد من المستوطنات والبؤر الاستيطانية، إلا أن هذا أمر بعيد المنال على دولة الاحتلال، لأن الأرض جوهر الصراع مع دولة الكيان، كما أنها تمثل رأس مال الفلسطيني وعرضه الذي لا يمكن أن يتخلى عنه».

في عام 2019، عُصر ما يقرب من 177 ألف طن زيتون، أنتجت 39600 طن من زيت الزيتون، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن المستوطنين الإسرائيليين قطعوا أو اقتلعوا أكثر من 9300 شجرة زيتون مملوكة لمزارعين فلسطينيين بين أغسطس 2020 وأغسطس 2021.

عربدة إسرائيلية

الصورة: Getty

لا تختلف معاناة المزارع نعمان عصيدة (56 عامًا) من قرية كفر قدوم بقلقيلية عن غيره من المزارعين، والذي يتحدث لـ«منشور» قائلًا إن الاحتلال الإسرائيلي منعه على مدار 15 يومًا من الوصول إلى أرضه الزراعية الواقعة خلف الجدار الفاصل لجني ثمار الزيتون في نوفمبر الماضي، بحجة عدم وجود تنسيق مسبق لدخول أرضه، لتمارس قوات الجيش عربدتها على الفلاحين وتمنعهم من الوصول لأراضيهم.

يضيف عصيدة، الذي يملك 14 ألف متر مربع مزروعة بأشجار الزيتون، أن «معاناة الوصول إلى أرضي متواصلة طوال العام، ويرفض الجيش الإسرائيلي في كثير من الأوقات السماح بالوصول إليها، وإن حدث ذلك يمنحوني 4 ساعات فقط، وهو وقت غير كاف للاعتناء بهذه المساحة من الأرض ومتابعة الأشجار المزروعة فيها».

ويلفت إلى أن «المستوطنين في مستوطنة قدوميم يعمدون بشكل متواصل إلى إغراق الأرض بالمياه العادمة، وكذلك إطلاق الخنازير البرية تجاهها كي تتلف المحاصيل الزراعية وتكبد المزارع خسائر مالية فادحة، كما سرقت مجموعة من المستوطنين في عام 2020 كل ثمار الزيتون، وأحرقوا الأشجار الأخرى التي لم يستطيعوا سرقة ثمارها».

يوضح عصيدة أن «موسم الحصاد يعتبر معاناة من نوع آخر للمزارع، إذ يعمد الاحتلال ومستوطنيه إلى إغلاق الطرق المؤدية إلى الأراضي الزراعية، ومنع المتضامنين من الداخل الفلسطيني المحتل وكذلك الأجانب من مساعدة المزارعين في جني ثمار الزيتون، وهي سياسة صهيونية ممنهجة لدفع الفلاح إلى ترك أرضه والهجرة عنها».

بدأت إسرائيل في يونيو 2002 بناء جدار الفصل العنصري على طول الخط الأخضر مع الضفة الغربية، ويبلغ طوله نحو 770 كيلومترًا، ويعزل ما مساحته 733 كيلومترًا من الأراضي. ويقدر طول الجدار من الشمال نحو الجنوب بـ200 كيلومتر، وتستولي السلطات الإسرائيلية من خلال الجدار الشرقي على منطقة الأغوار، والتي تعتبر سلة فلسطين الغذائية والمصدر الرئيسي للغذاء للشعب الفلسطيني.

تعطيل موسم الزيتون

الصورة: كونا

يقول خالد منصور مسؤول العمل الجماهيري في الإغاثة الزراعية لـ«منشور» إن «شجرة الزيتون أصبحت منذ عام 1967 تمثل رمزًا للهوية الفلسطينية، كما تمثل صمود الشعب الفلسطيني القادر على العيش في ظل ظروف صعبة بنفس الطريقة التي يمكن أن تحيا بها الشجرة، والتي لها جذور عميقة في الأرض مثلها مثل الشعب الفلسطيني». 

ويلفت منصور إلى أن «المستوطنين الإسرائيليين هذا الموسم حاولوا تعطيل موسم الحصاد، وسرقة المحاصيل، وقطع الأشجار، وحتى إشعال الحرائق، أمام مرأى من الجيش الإسرائيلي الذي يغض الطرف أو ينضم في بعض الأحيان إلى المستوطنين، كما يعمل المستوطنون على الإساءة اللفظية ورش غاز الفلفل على المتطوعين الفلسطينيين والأجانب، وكذلك المزارعين الفلسطينيين الذين يعملون داخل حقولهم، دون أن يحرك الجيش ساكنًا لمنعهم».

ويؤكد أن «القوات الإسرائيلية وبمساعدة المستوطنين تضع المكعبات الإسمنتية على الطرق المؤدية إلى الأراضي لمنع المزارعين الفلسطينيين من الوصول إليها وجني ثمار الزيتون، وهذا دليل واضح على الدعم السياسي والعسكري الذي يتلقاه المستوطنون من الاحتلال لمواصلة اعتداءاتهم وهجماتهم العنصرية على المزارعين وأراضيهم».

ويوضح منصور أن «المزارعين الفلسطينيين بحاجة دائمة إلى دعم الجهات الرسمية الفلسطينية لتوفير الحماية اللازمة لهم من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، وتحديدًا في أراضيهم التي يصعب الوصول إليها والتي تقع خلف الجدار العازل، والتي يعتبرها الاحتلال مناطق عسكرية مغلقة».

لا يزال المزارع الفلسطيني في الضفة الغربية يبدي قدرة نادرة على التمسك بأرضه والبقاء فيها، رغم كل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال والمستوطنون في حقه.

مواضيع مشابهة