في 26 يناير 2001، قال المندوب السامي البريطاني «إدوارد كلاي» ساخرًا إن «ما يوجد من نفط في قبرص أقل من زبدة الفول السوداني في [مدينة] مانشستر [الإنجليزية]»، في مستهل تعليق اتهم فيه «رولا نديس»، رئيس الوزراء القبرصي حينها، بأنه يحول قبرص إلى أضحوكة، وذلك بسبب حديث نديس عن الثروات الطبيعية لبلده.
لم يكن كلاي الساخر الوحيد من نديس، إذ توالت تصريحات الصحف القبرصية الساخرة:
- «يا لها من رواية لطيفة مفرطة في الخيال، اخترعها رولا نديس لكسب الشعبية»
- «يا سيد رولا نديس، من فضلك تذكّرني عندما تجلس على قدم المساواة مع أمراء وشيوخ الأوبك (منظمة الدول المصدرة للبترول)»
- «منذ انطلاق صاروخ النفط في الهواء، لم يتوقف رولا نديس عن الكلام»
كل هذه السخرية لأن رئيس الوزراء حينها كان يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى رسم الحدود الاقتصادية لقبرص، ودعوة الشركات للبحث عن الغاز بشكل سري في شرقي البحر المتوسط.
بعد كل هذه السخرية من الرجل، غيّرت الصحف في عام 2011 لهجتها عنه تمامًا، إلى لهجة تشيد بالرجل الذي بدأ البحث عن ثروة البلاد.
على الجهة المقابلة في البحر المتوسط، في إسرائيل، تشتهر مزحة تقول إن «موسى هرب من كل أراضي الشرق الأوسط ليستوطن أرضًا ليس بها أي موارد طاقة». إلا أن تلك المزحة يبدو أن صداها أخذ في الخفوت بعد الآمال التي بدأت تتحلى بها إسرائيل في التنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر المتوسط.
حروب غاز شرق المتوسط
لمنطقة شرق المتوسط تاريخ قصير نوعًا ما مع الغاز.
أول اكتشاف للغاز البحري في شرق المتوسط كان في عام 1969 في مصر (34 كيلومترًا شمال شرق الإسكندرية). وقد ظهرت موجة جديدة من الاهتمام بعد حفنة من الاكتشافات المتواضعة للغاز في عامي 1999 و2000 في أعماق ضحلة غرب مدينة عسقلان الساحلية في إسرائيل وقطاع غزة. بدأت حينها إسرائيل ضخ مزيدًا من الاستثمار في هذا المجال، لكن تلك الاستثمارات لم تؤتِ أُكُلها إلا بعد الكشف عن السلسلة الحالية من خزانات الغاز في المتوسط.
أول حقل رئيسي، المعروف باسم «تمار»، اكتُشف عام 2009 قبالة ساحل حيفا في إسرائيل، عن طريق اتحاد مكون من شركتي «نوبل إنيرجي» الأمريكية و«ديليك أفنير» الإسرائيلية، تلاه اكتشاف حقول غاز أخرى في نفس المنطقة، في ما سُمي حينئذ «حوض الشام»: ليفياثان (إسرائيل) وأفروديت (قبرص)، إلا أن مصر لحقت بالركب متأخرة نوعًا لتلوِّح بتغيير في قواعد اللعبة بذلك الحقل العملاق، حقل «ظُهر»، في عام 2015 قبالة ساحل مصر الذي يفوق كل تلك الحقول مجتمعة.
مصر، صاحبة الحقل العملاق، امتلكت ثروة من الغاز، إلا أن تلك الثروة سرعان ما نفدت منها سريعًا، أغلبها بالتصدير إلى إسرائيل والأردن، مع متاعب وجدتها بتفجير ذاك الخط من الأنابيب مرارًا على يد بعض الجماعات المسلحة.
المتلهفون لامتلاك غاز المتوسط ليسوا فقط مصر وإسرائيل وقبرص، بل كل من وجد لأراضيه فسحة من شواطئ تلامس رمالها مياه شرق المتوسط.
أوجدت مصر سوقًا استهلاكية داخلية قائمة على الغاز في أراضيها، وُجِّه أغلبه إلى الكهرباء، فتحول البلد بعد نمو الاعتماد على الغاز من مُصدِّر إلى مستورد، تتعطش أسواقه إليه يومًا بعد يوم.
وفي ظل هذا التعطش، أصبح شرق المتوسط محط أنظار الباحثين عن الغاز، فحتى الآن هناك حقلان كبيران للغاز (ليفياثان وتمار) 240 مليار متر مكعب للأول، و450 مليار متر مكعب للثاني في إسرائيل، وحقل غاز ظُهر بـ850 مليار متر مكعب في مصر، وحقل غاز أفروديت بـ127 مليار متر مكعب في قبرص.
هذه الحقول جعلت الدول والشركات تتسارع نحو تلك المنطقة في أقاصي المتوسط، لتتحول من هدوء لا يحركه سوى تلاطم الأمواج إلى منطقة مكتظة بالسفن والحفارات الضخمة، التي ترفع أعلام دول تبحث وتنقب في الأعماق عما يخفيه المتوسط من ثروات.
المتلهفون إلى امتلاك غاز المتوسط ليسوا فقط مصر وإسرائيل وقبرص أصحاب تلك الاكتشافات، بل كل من وجد لأراضيه فسحة من شواطئ تلامس رمالها مياه شرق المتوسط، وإن لم يدخل بعضها تحت الأضواء حتى الآن.
سوريا مثلًا تواجه حربًا داخلية منذ 2011، منعتها من التحرك في الإطار الإقليمي لحماية غاز البحر في المنطقة الاقتصادية الخاصة بها، إضافةً إلى أن تراجع علاقات نظام بشار الأسد بتركيا يقيد التحالف معها، فضلًا عن أن عداءها مع إسرائيل يمنع الدخول معها في تحالف، لكنها أحالت تلك السواحل والتنقيب بها إلى روسيا عبر صفقة تجارية.
وهناك قبرص التركية التي تسيطر عليها تركيا منذ 1974، وتقع شمال الجزيرة، ولم يُعترَف بها دوليًّا، لكنها أوجدت لتركيا نافذة لتناوش باقي الأطراف رجاء الفوز بنصيب من الغاز، وهذه الرغبة التركية تضيف أسبابًا جديدة إلى صراعها القديم مع قبرص اليونانية.
وهناك لبنان الغني بالنزاعات الداخلية، وحربه التي ما زالت قائمة فنيًّا مع إسرائيل، لا يريد هذا البلد أن يقف مكتوف الأيدي أمام حدوده الاقتصادية المتنازَع عليها مع إسرائيل. وكذلك فلسطين، التي تحاول سلطتها بشق الأنفس أن تصبح لاعبًا أساسيًّا، لكن هيمنة إسرائيل عليها وإفساد اتفاقاتها مع الشركات يجعلها في موضع سكون حتى الآن.
مصر، إسرائيل، قبرص: تحالف أساسه الخلاف
في خضم كل هذه الطموحات المختلفة، هناك تحالف بدأ يلوح في الأفق في وجه طموح إقليمي تركي يسعى إلى أن يجد نصيبًا من تلك الثروة الهائلة في أعماق المتوسط، تحالف يضم مصر وإسرائيل وقبرص، أساسه الخلافات الفردية لكلٍّ منهم مع تركيا، التي بدورها تطالب بنصيب قبرص التركية من منطقة الغاز، في إطار سعيها إلى أن تلعب دورًا إقليميًّا كي تصير محطة غاز وسيطة بين الشرق وأوروبا.
لكن الدول الثلاثة تشترك في توتر علاقاتها بتركيا، أما إسرائيل، وإن كانت حليفًا استراتيجيًّا لتركيا في القرن الماضي، فقد ساد التوتر بينهما الآن، خصوصًا بعد اعتراض سفينة مرمرة التي كانت في طريقها إلى فك الحصار عن غزة عام 2010.
أما مصر، فقد توترت العلاقات بشكل كبير بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وسادت حالة من القطيعة بين البلدين، بينما لدى قبرص خلافات طويلة مع تركيا، تعود إلى الاجتياح العسكري التركي وتأسيس «قبرص التركية» في الأراضي الشمالية للجزيرة.
جوهر هذا التحالف هو مشروع خط أنابيب الشرق الأوسط من إسرائيل وقبرص عبر اليونان، التي من شأنها تصدير الغاز إلى السوق الأوروبية. ويمثل هذا التحالف تغييرًا كبيرًا في السياسة الخارجية التقليدية للبلدان التي تشارك فيه. فاليونان، على سبيل المثال، حافظت تقليديًّا على صلات وثيقة مع فلسطين، لكنها الآن بصدد تأسيس تحالف جديد في الطاقة مع إسرائيل. وشهدت العلاقة بين مصر وقبرص مساحة أكبر من ذي قبل.
مع اكتشاف حقل غاز ظُهر في مصر، تبدو إمكانية تحقيق هذا التحالف أكثر قربًا، فقد وقّعت مصر عقدًا مع إسرائيل لاستيراد الغاز لمدة 15 عامًا، وقد يصبح متاحًا لها استغلاله في صورة مُسالة لتصديره إلى السوق الأوروبية.
الغاز فرض أسلوبًا من نوع خاص داخل هذا الصراع، فبينما تحتاج الأطراف الأساسية المعنية بتلك الثورة إلى بعضهم للفوز بقطعه من الكعكة، تواجه هذه الحاجة عوائق حقيقية:
- مسألة الحدود المائية التي لم يكتمل رسمها بعد
- الخلفية السياسية لصراعات الدول التاريخية وحروبها القديمة
تأمين الغاز
تتصاعد التحديات الأمنية متسارعةً مع العلاقات السياسية المضطربة بين دول المنطقة. وتشمل الصراعات المستمرة بين إسرائيل وجيرانها (الحرب بين لبنان وإسرائيل، وصراع طويل بين إسرائيل والفلسطينيين)، والاضطرابات المستمرة في سوريا، وأثرها في الجوار.
اعترضت تركيا على ترسيم الحدود بين قبرص وإسرائيل في 2010، وقالت إنها ستنقب عن النفط والغاز في شرق المتوسط رغم الاتفاقيات.
الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لم يُتّفق عليها أو تُحدّد رسميًّا، وهي مصدر متواصل للتوتر. وحتى الآن، فشلت محاولات الأمم المتحدة وأمريكا لحل النزاع بين البلدين.
الحالة أكثر تعقيدًا بين الأتراك والقبارصة اليونانيين، فقد تجد تركيا التدخل العسكري حلًّا لإيجاد مناص قانوني لاحقًا في الاستحواذ على جزيرة قبرص بالكامل. ويمكن أن تتطور المنازعات أيضًا بشأن تعيين الهياكل الجيولوجية لحقول الغاز، فهي قريبة جدًّا من حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة لتلك الدول، وربما تتداخل معها. ووجود خزانات تَدَاخُل في المناطق الاقتصادية الخالصة يمكن أن يُولِّد أيضًا توترات بين البلدان المعنية.
لذلك، أعلنت إسرائيل في إبريل 2012 نيتها نشر صواريخ من طراز «مقلاع داوود» على منصات إنتاج الغاز في حقلَي «ليفياثان» و«تمار».
وكانت تركيا قد اعترضت أيضًا على ترسيم الحدود بين قبرص وإسرائيل في ديسمبر 2010، وقالت إنها ستنقب عن النفط والغاز في شرق المتوسط رغم اتفاقيات ترسيم الحدود هذه. وأرسلت مصر في فبراير 2018 حاملة طائرات هليكوبتر من طراز «ميسترال» باتجاه حقول الغاز شرق المتوسط، ردًّا على ما قاله وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو» من عدم اعتراف تركيا باتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، الذي وُقِّعَ عام 2013.
نقل الغاز: النصف الآخر من القصة
التنافس على البحث وامتلاك الغاز لا يمثل سوى نصف القصة، أما نصفها الآخر، فيكمن في طريقة تصدير هذا الغاز وإيجاد مستهلك له، فالغاز الطبيعي لا يمكن تخزينه مثل النفط، وعلى من يجده أن يجد سبيلًا للربح من تلك الثروة.
تصدير الغاز يحدث بطريقين:
- الإسالة ونقله بالسفن
- خطوط أنابيب تجتاز دولًا أخرى
أما الأنابيب، فالسوق المحتمَلة الأقرب إلى التعطش لذلك الغاز هي السوق الأوروبية، التي تسعى إلى الطاقة النظيفة وتحتاج لتنويع إمداداتها من الغاز، التي يسيطر عليها حاليًّا الغاز الروسي بنسبة 25%.
الخط الأقرب إلى الواقع يمر عبر سوريا ولبنان إلى تركيا بشكل رئيسي، ومنه إلى أوروبا، لكن الصراعات السياسية بين هذه الدول ستحُول دون ذلك، وبخاصة في ضوء الوجود الروسي في سوريا، الذي لن يسمح بالمساس بمصالحه الاقتصادية. ولذلك تسعى إسرائيل إلى خط بديل مع قبرص واليونان، إلا أن ذلك الخط شبه مستحيل فنيًّا لطوله وتكلفته العالية التي ستضر بتكلفة سعر التصدير، إن استطاعت تشييده وحمايته من تركيا.
تحاول تلك الدول الإسراع في إيجاد سبل لتصدير الغاز إلى أوروبا، ولعل أوروبا بدورها مستعدة لإبرام عقود أكثر تكلفة من تلك التي أبرمتها مع روسيا للخروج من سيطرة بوتين على توريد الغاز إلى أوروبا.
الاتحاد الأوروبي يدفع حاليًّا 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية من الغاز يستوردها من روسيا، بينما ستكون تكلفة نفس الكمية من غاز شرق المتوسط بين 6 و8 دولارات. لكن هذه التكلفة تنخفض كلما زادت كمية الإنتاج والتصدير، ولذلك من الأفضل اشتراك الدول الثلاثة، مصر وقبرص وإسرائيل، في شبكة أنابيب واحدة لخفض التكاليف.
قد تكون تلك الدول على استعداد لدفع تكاليف إضافية لمنع تركيا من مشاركتهم الاستفادة من الغاز، سواء أكانت استفادة مباشرة من الغاز الذي تستورد منه تركيا 99%، أم عن طريق جعلها مركزًا لضخ الغاز إلى أوروبا.
فلسطين هي الأقدم في الصراع مع إسرائيل، والأقرب إلى أن تتسبب في عمليات تخريب في حال أقامت إسرائيل منشأة للغاز على نطاق واسع. أما الجانب اللبناني-الإسرائيلي فهو الأكثر ضراوة، لأن الخلاف لم يتوقف فقط عند حدود التصريحات العدائية المتبادَلة، وإنما وصل إلى أروقة الأمم المتحدة.
إضافةً إلى تركيا من جانب، وقبرص وإسرائيل من جانب آخر، فبعد ترسيم الحدود الإسرائيلية القبرصية، رفضت تركيا تلك الحدود، وقررت وزارة الخارجية التركية استدعاء السفير الإسرائيلي في أنقرة، وأبلغته رفض الاتفاقية لأن الحكومة القبرصية لا يحق لها التوقيع على أي اتفاقية دولية أو بدء أي عمليات تنقيب ما دامت أزمة جزيرة قبرص قائمة.
باعتبار أن أي موارد تُستخرَج يحق للطرفين استغلالها، ومع الإصرار على بدء عمليات التنقيب، بدأ الصراع يأخذ مسارًا أكثر تشددًا بعد توقيع تركيا اتفاقًا مع شمال قبرص، بموجبه نقّبت تركيا عن الموارد النفطية بالقرب من السواحل المقابلة لشمال قبرص، في الوقت الذي هددت فيه تركيا بتصعيد النزاع في المنطقة حول مصادر الطاقة.
طموحات تتعدى الاكتشافات
تُبرز الطريقة الأخرى لتصدير ذلك الغاز، وهي الإسالة، البريق في أعين السطات المصرية، فمصر لديها مصنعان يخدمان ذلك الغرض لكنهما متوقفان عن العمل، ويصعب على باقي أعضاء شرقي المتوسط بناء تلك المنشآت في فترة قصيرة، مع التكلفة المرهقة حاليًّا لاقتصادات تلك الدول.
البحث عن مكاسب أخرى بخلاف حقول الغاز، سياسيةً أو اقتصاديةً، تجلى في صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل، باكتساب ملياري دولار سنويًّا على أساس تسييل الغاز. سيمهد لها ذلك الطريق لربط الغاز القبرصي اليوناني بمصانع التسييل، وتصديرها لاحقًا إلى أوروبا. سيلحق الباقون بذلك غالبًا أسوة بمن تستطيع مصر جذب استخراجاتهم حاليًّا من الغاز إليها.
محاولة مصر أن تصبح مَصبًّا لمنابع الغاز شرق المتوسط يدفعها إليه موقعها الرابط بين الشرق والغرب، وكذلك بنيتها التحتية من المصانع والأنابيب التي تمتد داخليًّا وخارجيًّا مع إسرائيل والأردن.
شركة «سوميد»، التي تمتلك الحكومة المصرية نصفها، ويخضع النصف الآخر للدول العربية المصدرة للنفط في الخليج، تنفق 415 مليون دولار لتوسيع مرافقها، خصوصًا في نهاية البحر الأحمر. وتبني الشركة تسعة خزانات غاز تبلغ مساحتها 300،000 متر مكعب، ومرافق تحميل وتفريغ ستنتهي بنهاية عام 2018 بدعم من البنك الأهلي، الذي قدم 300 مليون دولار لتمويل المشروع.
واجهت مصر «أسوأ أزمة في الطاقة منذ عقود»، لكن الآن تتلاشى الذكريات المظلمة عن انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في الفترة بين عامي 2012 و2014، والنقص الشديد في إمدادات الغاز. وفي الوقت نفسه، تواجه الحكومة المصرية مهمة شاقة لإقناع الجمهور الحَذِر بفوائد الصفقات الجديدة.
على النقيض من الوضع الراهن في مصر، تمتلك إسرائيل فائضًا من الغاز أعطت الحكومة الإذن بتصديره. ومن ناحية أخرى، لا تتوقع مصر استئناف صادرات الغاز الطبيعي حتى عام 2020.
تمتلك مصر احتياطيات أكبر من الغاز الطبيعي، غير أن هذه الميزة يقابلها ارتفاع الطلب المحلي الناجم عن تزايد عدد سكانها. وبينما تتطلع الدول إلى زيادة الإنتاج فوق الاحتياجات المحلية، فإن ديناميكيات العرض والاعتبارات الدبلوماسية/السياسية هي التي ستحدد النافسة.
حتى لا يطير الغاز
الإسراع بتصدير الغاز وإبرام عقود يضمن لتلك الدول الحفاظ على عائد طويل الأجل من الغاز، لن يكون لهذه الثروة من دونه عائد ملموس على مواطني الدول، فالشركات التي نقبت عن الغاز لديها حصص كبيرة حتى تستوفي تكاليف بحثها وأرباحها، وديون تلك الدول من جهة أخرى تقف في انتظار نصيبها من العوائد، وقدرة الدب الروسي على المنافسة في الغاز المُصدّر لا يستهان بها.
قد تهبط الأسعار أيضًا في حالة هبوط أسعار البترول مرة أخرى إذا تأخر المصدرون الجدد عن إبرام عقودهم، مع الأخذ في الاعتبار أن العالم يسعى إلى تطوير مصادر طاقة الشمس والرياح للخروج من الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية، بما فيها الغاز، وخصوصًا السوق الأوروبية المُستهدَفة بالأساس.
لكن عدم اليقين وسيولة المفاوضات حول الاستخدام المستقبلي للغاز، والمعايير التي تحكم تطوره، توضح التعقيدات الجيوسياسية السائدة في منطقة شرق المتوسط، حيث تتعايش أجندات اقتصادية ومواقف سياسية متعددة في منطقة جغرافية صغيرة.