آلية اتخاذ أي قرار اقتصادي أو تبني أي سياسة اقتصادية هي ببساطة اختيار الخيار الأفضل من بين خيارات بديلة، اعتمادًا على تكاليف كل واحد من هذه الخيارات ومنافعه. وتتضمن عملية الاختيار الاستعداد لقبول تكلفة الخيار البديل في حال لم يكن الاختيار الأفضل. فما قد يكون أفضل اختيار في ظل ظروف معينة، قد يكون أسوأ اختيار في ظروف أخرى.
مهما كانت عملية حساب التكاليف والتكاليف البديلة والمنافع لكل اختيار دقيقة، لكن بسبب العوامل والظروف المحيطة والتي لا يمكن التحكم فيها فإن كل سياسة اقتصادية يكون لها رابحون وخاسرون، مما يؤدي إلى اضطرار الحكومات في بعض الأحيان إلى تعويض الفئة الخاسرة للموازنة وتقليل الأضرار والتبعات الناجمة.
قضية الدعم الحكومي قضية معقدة، ابتداء من تعريفها إلى كيفية قياسها وقياس آثارها. ولكن بشكل عام الدعومات هي سياسات حكومية تُمنح لفرد أو شركة أو مؤسسة، وعادة ما تكون على هيئة دفع نقدي أو تخفيض ضريبي، وتكون إما مباشرة أو غير مباشرة.
الإعانات المباشرة تكون عبر دفع فعلي للأموال للجهة المستفيدة، سواء كانت فردًا أو شركة أو قطاعًا معينًا، مثل دعم العاملين في القطاع الخاص. أما الإعانات غير المباشرة فتكون عبر تخفيضات لأسعار السلع أو الخدمات المقدمة، ومثال عليها تخفيض رسوم الكهرباء والماء.
مسألة الدعم الحكومي مسألة حساسة أيضًا، وعادة ما تثير الكثير من المعارضات بين الاقتصاديين وغير الاقتصاديين، والحكومات وصانعي السياسات. البعض يراها أدوات غير مناسبة تستنزف ميزانية الدولة، ويجب ترك عملية تحديد الرابحين والخاسرين لديناميكية السوق (قوانين العرض والطلب في ما يرغب المنتجون في إنتاجه وما يرغب المستهلكون في شرائه وقدرتهم على الشراء)، بدلًا من النهج المسيس المتبع بترك عملية الاختيار لصانعي السياسات، وهناك من يراها أساسية ومن دونها لا يمكن الوصول إلى التنمية الاقتصادية المطلوبة.
هل يعتبر الدعم فاشلًا لو أخفق في تحسين الاقتصاد؟
تقديم الدعم من قبل الحكومات يكون لأسباب بعضها اقتصادي وبعضها سياسي وبعضها اجتماعي، والغرض الأساسي من الدعومات هو التنمية وتحقيق الكفاءة الاقتصادية، ولكن بعض هذه الدعومات والتي قد كانت بالفعل لغرض التنمية قد تصبح مع مرور الوقت راسخة، وتستمر حتى بعد عدم الحاجة لوجودها. ولكونها تخدم بشكل أساسي مصالح فئة معينة، يكون هناك حافز للضغط من أجل استمرارها.
معارضو الدعومات الحكومية يرون أن إلغاءها يؤدي إلى تحقيق التنمية المطلوبة، وليس ما يزعمه مؤيدوها. ففي نظرهم، لا يرى مؤيدو الدعومات الحكومية التأثير الكلي (المباشر وغير المباشر) لهذه الدعومات.
أدى انخفاض أسعار الطاقة المحلية إلى زيادة استهلاك الطاقة بما يتجاوز تأثير عوامل النمو الاقتصادي والسكاني، والذي أدى إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
النقاش في دعومات الطاقة شائك، سواء من منظور سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، وجزء كبير يعود إلى التغيرات المطلوب إجراؤها، فالإصلاحات فيها تتطلب تغييرات جذرية وهيكلية في الملكية، إلى جانب البنية التحتية والشبكات المصاحبة للتوزيع.
ربما يكون تأثير سياسات التسعير الحالية المتبعة في دول مجلس التعاون الخليجي غير واضح بالكامل على المدى القصير، ولكن على المدى البعيد يعد تحديًا قد لا يمكن تجاوزه.
أدى انخفاض أسعار الطاقة المحلية إلى زيادة استهلاك الطاقة بما يتجاوز تأثير عوامل النمو الاقتصادي والسكاني، والذي أدى إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والتي بلغت نسبتها في الكويت 99 مليون طن عام 2019.
وأدى انخفاض أسعار الطاقة للتوسع الصناعي نحو الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وتحولت الكثير من الاستثمارات من القطاعات الاقتصادية الأخرى، مما أدى إلى تجاهل الإمكانات الاقتصادية خصوصًا للطاقات البديلة. زاد هذا من الاعتماد على النفط والغاز الطبيعي في توفير الاحتياجات المحلية من الطاقة بنسبة 95%، وهو ما صاحبه عدم استقرار في مواجهة تغيرات أسعار السلع الأساسية وارتفاع أسعار السوق العالمي للنفط والغاز الطبيعي.
رغم الإصلاحات في سياسات الدعومات التي نفذتها حكومات دول مجلس التعاون الخليجي عام 2014 مُجبرة لتقليل العبء عن ميزانياتها بعد انخفاض أسعار النفط، لا تزال قيمة هذه الدعومات عالية ومستويات الأسعار أقل من المتوسط العالمي في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، إذ بلغت دعومات الكهرباء لعام 2020 في الكويت 1.9 مليار دولار، بما يعادل 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي.
على عكس نقاشات دعومات الطاقة العالمية التي تدور حول العدالة الاجتماعية والبيئة والاستدامة المالية، فإن إعادة هيكلة قطاع الطاقة بما يتماشى مع التوجهات نحو التنويع الاقتصادي هو ما يجب أن ترتكز عليه نقاشات وأي إصلاحات في دعومات الطاقة بدول مجلس التعاون الخليجي. فحين يكون الدعم الحكومي المقدم قائمًا على المصالح السياسية (أو كما هو الحال في دول الخليج على العقد الاجتماعي الريعي) في تقديم مزايا وخدمات عامة بأسعار مجانية أو منخفضة بدلًا من تحسين الظروف المعيشية وتحقيق الكفاءة الأقتصادية، يكون التأثير سلبيًا أكثر من كونه إيجابيًا، ويتمثل في تشجيع المستهلكين على إهدار الموارد، وزيادة الضغط على أنظمة الطاقة والبيئة، والأهم إجهاد ميزانية الدولة.