قلّما تصدر محكمة الوزراء في الكويت أحكامًا أو تنعقد لمحاكمة المتهمين الذين يقدَّمون للمحاكمة، وفي كثير من الأحيان تتلقى لجنة التحقيق في محاكمة الوزراء بلاغات، ولكن سرعان ما تقرر حفظها نهائيًا لعدم وجود جريمة أو لأي سبب تراه، إلا أنه صدر مؤخرًا حكم من محكمة الإستئناف بمحكمة الوزراء بإدانة وزير الصحة السابق ووكيلين سابقين بالحبس سبع سنوات مع الشغل والنفاذ، وإلزامهم برد ما يقارب 82 مليون دولار وضعفها لخزانة الدولة، وعزلهم من الوظيفة بعد تسببهم في خسائر وزارة الصحة، وهو أول حكم بإدانة وزير وقياديين في تاريخ دولة الكويت يصدر من محكمة الوزراء.
فما هي محكمة الوزراء؟ وكيف تعمل؟ وما نطاق اختصاصها؟ ولماذا يحاكم الوزراء أمام محكمة خاصة بدلًا من محاكمتهم مع بقية المواطنين في المحاكم العادية؟ وما هي فلسفة إفراد الوزير بنمط مختلف عن المحاكمة العادية كحال باقي المتهمين الذين يقدَّمون للمحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي كمحكمة الجنايات؟ هذه تساؤلات تستحق الوقوف أمامها والنظر في ثناياها، ومن الأهمية بمكان أن نوجز بالقدر اللازم سعيًا للإجابة على تلك التساؤلات بالتالي.
أول ما يجب التنويه إليه أن القانون رقم 88 لسنة 1995 بشأن محاكمة الوزراء صدر امتثالًا للمادة 132 من الدستور، التي تنص على أن «يحدد قانون خاص الجرائم التي تقع من الوزراء في تأدية أعمال وظائفهم، ويبين إجراءات اتهامهم ومحاكمتهم والجهة المختصة بهذه المحاكمة، وذلك دون إخلال بتطبيق القوانين الأخرى بشأن ما يقع منهم من أفعال أو جرائم عادية، وما يترتب على أعمالهم من مسؤولية مدنية». فهي رغبة واضعي الدستور في تحديد المسؤولية الجزائية للوزراء واجراءات التحقيق معهم واجراءات محاكمتهم، الوزراء الذين استودعوا الأمانة واعتلى كل منهم قمة الهرم الوظيفي في موقعه، كما نصت بذلك المذكرة الإيضاحية للقانون، فحقَّ إخضاعهم لإجراءات تحقيق خاصة ومحاكمة خاصة.
ما نصت عليه المادة 1 من قانون محاكمة الوزراء بأن المعني بالمحاكمة هو كل وزير عضو في مجلس الوزراء حتى ولو ترك وظيفته بعد وقوع الجريمة لأي سبب، سواء بصورة نهائية أو بتوليه مهامًا وزارية أخرى، أو كان وقت وقوع الجريمة وزيرًا بالإنابة فيها، وبالتالي فإن المعينين على درجة وزير لا ينطبق عليهم قانون محاكمة الوزراء، لكون المادة المشار إليها لم تشملهم في نطاق تطبيق القانون، وذلك لأنهم ليسوا أعضاء في مجلس الوزراء.
بيّن القانون كذلك الجرائم التي يحاكَم بشأنها الوزير أمام محكمة الوزراء، فليس المقصود بمحاكمة الوزراء الدعاوى المدنية والتجارية، بل الدعاوى الجزائية، وهي المرتبطة بقضايا الاستيلاء على المال العام أو جرائم أمن الدولة وغسل الأموال وقانون الجزاء وغيرها، والتي أشارت إليها المادة 2 من ذات القانون، وما يترتب على أعمالهم من مسؤولية مدنية تستوجب التعويض عن الأضرار التي ألمّت بالدولة نتيجة الجريمة التي اقترفوها في حق الوطن والمواطن والأموال العامة، بحسب ما نصت عليه المادة 132 من الدستور.
إجراءات التحقيق
النيابة العامة كأصل عام هي التي تتولى الدعوى العمومية باسم المجتمع، وتتولّى التحقيق مع المتهمين والإشراف على شؤون الضبط القضائي وتطبيق القوانين الجزائية وملاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام، بموجب المادة 167 من الدستور. لكن النيابة العامة ليست المختصة بالتحقيق مع الوزير الذي تُثار حوله شبهات جنائية، بل يكون الإختصاص للجنة التحقيق في محاكمة الوزراء.
أفرد الدستور في المادة 132 منه كيفية محاكمة الوزراء، فأتى المشرع وامتثل لرغبة المشرع الدستوري وأنشأ لجنة تحقيق في محكمة الوزراء تؤدي دور النيابة العامة في التحقيق مع الوزراء ومن اشترك معهم. لكن النيابة العامة لها أن تتولى سلطة الادعاء نيابة عن المجتمع، والمعني بالادعاء هو أن تجلس على منصة المحكمة على يمين القُضاة، وقد تترافع وتطلب من محكمة الوزراء توقيع أقصى درجات العقاب، ولها الحق أن تطعن أمام محكمة التمييز على حكم محكمة الإستئناف الصادر من محكمة الوزراء.
نصت المادة 3 من قانون محاكمة الوزراء على تشكيل لجنة تحقيق من ثلاثة من المستشارين الكويتيين بمحكمة الإستئناف، وتختص هذه اللجنة دون غيرها بفحص البلاغات التي تقدم مكتوبة وموقعة إلى النائب العام وحده، والأخير لا يملك إلا أن يتخذ الإجراء بإحالة البلاغ إلى اللجنة في خلال يومين على الأكثر، وإذا تبين للجنة التحقيق عدم جدية البلاغ لها أن تأمر بحفظه نهائيًا، بقرار مسبب للحفظ. وهو ما حدث على سبيل المثال ضد رئيس الوزراء الأسبق والتي قررت لجنة التحقيق بمحكمة الوزراء حفظ البلاغ، وأيضًا جنحت لجنة التحقيق بحكمة الوزراء إلى حفظ بلاغ ضد وزير داخلية سابق.
من اختصاص اللجنة أيضًا إصدار قرارات بالقبض على الوزير أو حبسه احتياطيًا أو تفتيش شخصه أو مسكنه أو منعه من السفر، أو أي إجراء تحفظي آخر، وهو الأمر الذي يتطلب وجوب رفع الحصانة قبل اتخاذ أي إجراء جزائي ضد أي شخص الذي يحمل صفة وزير عضو في مجلس الوزراء في شأن ما يقع من جرائم ورد النص عليها في المادة الثانية من القانون حتى ولو ترك الوزير وظيفته بعد وقوع الجريمة لأي سبب كان.
إجراءات المحاكمة
نصت المادة 8 من قانون محاكمة الوزراء على إنشاء المحكمة الخاصة التي ستتولى محاكمة الوزراء، وطريقة إجراءات المحاكمة وتشكيلها واختصاصاتها. فنصت على أن تتولى محاكمة الوزير محكمة خاصة تُشكل من خمسة من المستشارين الكويتيين بمحكمة الاستئناف دون غيرهم، تختارهم الجمعية العامة للمحكمة لمدة سنتين. وتختص هذه المحكمة وحدها بمحاكمة الوزراء وأي فاعلين آخرين أو شركاء، عما يرتكبونه من جرائم ورد النص عليها في المادة الثانية من القانون، والجرائم المرتبطة بها ارتباطًا لا يقبل التجزئة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأحكام الصادرة من محكمة الوزراء غير قابلة للطعن عليها إلا بطريق التمييز كما تقدم ذكره، بخلاف الأحكام الجزائية الصادرة من المحاكم العادية والتي أجاز القانون الطعن فيها على درجتين وأمام محكمة التمييز كوسيلة غير عادية للطعن على الأحكام.
ومن الحري بالاهتمام والمتابعة والمراقبة أن لجنة التحقيق بمحكمة الوزراء حققت في بلاغ قُدم لها، واتهمت رئيس وزراء سابق ووزير دفاع سابق وضُبّاط بوزارة الدفاع، وإحالتهم إلى محكمة الوزراء بمحكمة الإستئناف، وتلك الدعوى متداولة ومنظورة أمامها حاليًا، وصدرت قرارات من محكمة الوزراء بحبس المتهمين المتقدم ذكرهم احتياطيًا، واستمر قرار حبسهم احتياطيًا حتى تاريخ كتابة هذا المقال.