رحاب ونخيل ولكن لا رواتب، فمنذ 14 شهرًا لم يتسلم حارس الأمن المصري صلاح عليوة الذي يعمل في روضة النخيل بمنطقة الرحاب راتبه، إلا أنه يعيش على مساعدات المعلمات والجيران. في باحة روضة الأطفال التي تضج بذكريات أصداء ضحكات الصغار البريئة، يحاول عليوة أن يجد حلًا لمشكلته كي يتمكن من إرسال رسوم الفحص الطبي لوالده المريض في مصر، لكن لا حلول.
وضع حراس الأمن
يقول عليوة، وهو حارس استطاع بصعوبة الحصول على وظيفته: «وصلت إلى الكويت في الأول من أكتوبر 2019، بعد أن بعت كل ما أملك في مصر ودفعت 1300 دينار للشركة في الكويت، إلى جانب الديون التي تكبدتها من أجل السفر».
يضيف عليوة لـ«منشور»: «كان الاتفاق في البداية على راتب قدره 120 دينارًا، لكن راتبي الحقيقي 90 دينارًا، ولم أستلمه أصلًا، لأن من يتكلم أو يفتح فمه تعاقبه الشركة عن طريق عمل شكوى عمالية تغيب ضده». ويشير إلى أن «حراس الأمن يرتبطون بعقود عمل مع شركات، منها شركات منتظمة وتدفع الرواتب أولًا بأول، وهناك شركات غير منتظمة وتتحكم في مصائر حراس الأمن من خلال المماطلة في تجديد إقاماتهم».
خلفت جائحة كورونا العديد من الأثار السلبية على جميع المستويات، بها فيها حراس الأمن الذين يواجهون واقعًا مرًا تضاعف مع الأزمة الصحية التي ضربت العالم. حراس الأمن في المدارس ذاقوا مرارة الأزمة بكل تفاصيلها، نتيجة الحظر الكلي والجزئي وتعطيل العمل في الوزارات والجهات الحكومية، الأمر الذي جعلهم أمام فوهة المدفع بعد أن كان أعضاء الهيئة الإدارية والتدريسية والإدارات المدرسية يشكلون لهم دعمًا ماديًا ومعنويًا، نتيجة حركة الدوامات التي كانت تخفف عليهم وحدتهم.
يقول عليوة: «أحد زملائي يعمل حارس أمن في منطقة الفروانية، انتهت إقامته وتعرض لمشاكل أسرية نتيجة عدم قدرته على الإيفاء بمتطلباتها، حتى أنه طلق زوجته». ويضيف: «أستحي أن أتصل بأهلي لعدم قدرتي على إرسال مال لهم، لدرجة أن والدي في مصر يحتاج مبلغًا لإجراء فحوصات طبية، لكن مع الأسف لا أستطيع أن أرسل له المبلغ. أعيش على مساعدات المعلمات وأهالي المنطقة، ومعظم حراس الأمن يجدون تعاطفًا من المعلمين والمعلمات في المدارس، الذين يجمعون لهم مبالغ مالية لمساعدتهم، إلا أن الحظر وتعطيل المدارس كان له أثر سيئ علينا لأنه قلل عدد الذين يساعدوننا».
أزمة كورونا وتجار الإقامات
عجّلت أزمة كورونا الصحية بفضح الملف الأسود لتجار الإقامات في الكويت، إذ أعلن وزير الداخلية ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء السابق أنس الصالح، أن «ملف تجار الإقامات في البلاد يجب أن ينتهي تمامًا، وسنستأصل هذا المرض الخبيث من الجسد الكويتي». وقال أيضًا إن «متابعة تجار الإقامات من وزارة الداخلية أسفرت عن تسجيل 282 قضية تعكس 417 شركة، نتج عنها إحالة أكثر من 526 شخصًا إلى الحجز لدى سلطات التحقيق، منهم 49 مواطنا».
تصريح وزير الداخلية يكشف عمق أزمة تجار الإقامات، التي لا تزال حتى يومنا هذا تشكل نقطة سوداء في سجل الكويت. وعلى الرغم من الإجراءات الحكومية لمعالجة ملف التركيبة السكانية من خلال منح مهلة لمغادرة مخالفي الإقامة تحت شعار «غادر بأمان»، فإن صوت شعارات الكراهية «شنو يبون بعد» و«خل يولون» كان أعلى وضجت به وسائل التواصل الاجتماعي، وسط صعود الخطاب الشعبوي في الكويت ضد الأجانب.
مشكلات نظام المناقصات والترسيات
في الكويت، تمر جميع المناقصات وعقود الجهات الحكومية عبر إجراءات الرقابة المسبقة واللاحقة من خلال عدة وزارات وأجهزة حكومية، للتأكد من سلامة الإجراءات ومطابقتها للقوانين والتعاميم، وصولًا إلى إدراج تلك المناقصات والعقود في مشروعات ميزانيات الجهات الحكومية، والتأكد من توافر الاعتمادات المالية للإنفاق عليها قبل التعاقد، ومن بينها القطاع المعني في الجهة الحكومية طالبة المناقصة.
تمر تلك المناقصات على جهاز المراقبين الماليين ووزارة المالية وديوان المحاسبة والجهاز المركزي للمناقصات العامة، للحصول على موافقتها قبل التعاقد، ومن تلك المناقصات عقود حراس الأمن وعمال النظافة التي تعتمد بصورة رئيسية على العنصر البشري.
تكمن مشكلة تلك العقود في أن إقامات حراس الأمن تتحملها شركات خاصة تتعاقد معها الوزارة لتكون المسؤولة عن تلك العمالة، مع الجهة الحكومية التي تتشارك أيضا معها في المسؤولية، من خلال الرقابة وتطبيق العقوبات في حال أخلت الشركة بأي من واجباتها تجاه العمالة.
تبرز مشكلة أخرى في عقود حراس الأمن متعلقة بعمليات تمديد العقود والمناقصات لأكثر من مرة لحين طرح مناقصة جديدة، وهو الأمر الذي ينعكس على الدفعات المالية للشركات، إذا لا يمكن سدادها إلا بعد الحصول على الموافقات، ما قد ينشأ عنه تأخير في سداد رواتب حراس الأمن.
وعليه، فإن تكرار أزمة سداد الرواتب قائم على خلل في هذه العقود والترسيات التي تأخذ الكثير من الوقت خلال أزمة كورونا. بالإضافة إلى عوامل اخرى مثل إيقاف التعليم لفترة وانقطاع العمل الحكومي خلال الأزمة، وهو ما أدى إلى عدم قدرة الوزارة على متابعة ومراقبة هذه العقود، وعدم توفر أي حلول واقعية.
الجانب التشريعي والرقابي
يقول النائب مهلهل المضف في تصريح لـ«منشور» إن على الحكومة وضع حد لاستغلال العقود الحكومية كنافذة لتجارة الإقامات والإساءة إلى ملف الكويت الحقوقي والإنساني، فلا يعقل أن يظل عامل أو حارس مدرسة بدون راتب لأشهر، من دون أن تتحرك الجهات المسؤولة لإنصافه وتوقيع العقوبات اللازمة على صاحب العمل.
يشير المضف إلى أنه «لا بد أن تتعاقد الجهات الحكومية بشكل مباشر مع العمالة، هذا هو الخيار الذي نراه أفضل لصون حقوقهم وضمان عدم تأخير رواتبهم، حتى لا تتكرر مأساة حراس أمن المدارس، فتكون رواتبهم مضمونة من وزارة التربية مباشرة، وهكذا في مختلف الجهات».
تلقى قضايا تأخير رواتب حراس الأمن أصداء نيابية نتيجة ردة الفعل الشعبية القوية تجاه مقاطع الفيديو التي انتشرت لحارس الأمن محمد كمال جعفر، الذي اشتكى من عدم حصوله على راتبه البالغ 90 دينارًا منذ خمسة أشهر، لذلك وجه النائب عبد الله المضف أسئلة برلمانية بعد أن تفشت ظاهرة التأخير والامتناع عن دفع رواتب العاملين لدى شركات النظافة والأمن والحراسة.
الأسئلة التي قدمها عبد الله المضف تفيد أن هذه الشركات وغيرها ترتبط أنشطتها بعقود حكومية لتلبية احتياجات وزارات ومؤسسات الدولة، وتُسائل الإجراءات المتخذة من الهيئة العامة للقوى العاملة تجاه شركات النظافة وشركات الحراسة والأمن المتعاقد معها، في حال تخلفت تلك الشركات عن دفع رواتب العاملين لدى الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية بموجب العقود. وطلب المضف كشفًا بأسماء الشركات غير الملتزمة بدفع الرواتب للعاملين في الجهات الحكومية بموجب عقود النظافة والحراسة والأمن.
لو تأكدت كل جهة حكومية من صرف رواتب العمال كل شهر لما حصلت تلك الشكاوى العمالية.
في حين أصدرت الهيئة العامة للقوى العاملة بيانًا صحفيًا عقب مشكلة حارس الأمن محمد كمال جعفر، توضح فيه دورها في متابعة أحد العاملين بمجال الحراسة ومناشدة المسؤولين لحل مشكلته. أوضحت الهيئة أنها تابعت مقطع فيديو لأحد العاملين الوافدين في مجال الحراسة، والذي ورد فيه عدم تسلمه راتبه عن مدة خمسة أشهر ماضية، وناشد المسؤولين المساعدة في حل مشكلته. وبينت أنه على الفور بادر المختصون في الهيئة العامة للقوى العاملة بالتنسيق مع الإدارة العامة لمباحث شؤون الإقامة، بالانتقال إلى موقع عمل العامل وأخذ إفادته وأيضًا إفادة صاحب العمل، واستدعى محقق إدارة علاقات العمل مسؤولي الشركة وواجههم بما ورد في أقوال العامل، وأوضح مسؤولو الشركة أن تأخرها في تسليم رواتب العمال لديها يعود إلى تأخر وزارة التربية في تسديد مستحقات الشركة.
وأضافت الهيئة أن مسؤولي الشركة طلبوا إمهالهم يومًا واحدًا من أجل تسليم رواتب العامل الشاكي وباقي العمال ممن لم يتسلموا رواتبهم وإنهاء الموضوع، مع تولي الهيئة العامة للقوى العاملة متابعة تنفيذ الشركة ما تعهدت به خلال المدة الممنوحة لها.
دور المجتمع المدني وجمعيات النفع العام
أعلنت لجنة العمالة المهاجرة في الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان في تصريح صحفي أن أكثر الشكاوى التي ترد إلى الجمعية من عمال شركات الأمن والحراسة، وتتمحور حول ساعات العمل الطويلة وتأخير الأجور وعدم دفعها بانتظام، وسوء المعاملة التي يتلقونها في مكان العمل، ومصادرة وثائق سفرهم واحتجازها، وعدم منحهم الإجازات المحددة وفق قانون العمل الأهلي.
وفي تصريح لـ«منشور»، يقول طاهر البغلي أمين سر منظمة الخط الإنساني إن «الشكاوي العمالية من تأخير صرف رواتب العمال بمن فيهم حراس الأمن تشكل تحديًا كبيرًا للكويت أمام المنظمات الحقوقية في العالم، ولها آثار سلبية في تقارير حقوق الإنسان». ويعزو البغلي أسباب تأخير صرف رواتب الحراس وغيرهم من العمال إلى تراخي الجهات الحكومية في تطبيق الرقابة على عمل الشركات، مشيرًا إلى أنه لو تأكدت كل جهة حكومية من صرف رواتب العمال كل شهر لما حصلت تلك الشكاوى العمالية، فالوزارة صاحبة العقد تصرف مستحقات الشركات عن طريق الدفعات، وإذا أخلت أي شركة في صرف الرواتب لا بد أن تتحرك الوزارة وتتخذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين.
رغم ردود الفعل الشعبية والنيابية والمجتمعية في التفاعل مع قصص حراس الأمن ومعاناتهم، والتي سرعان ما تختفي بسبب العلاجات الحكومية التي توصف بأنها مسكنات، لكن لا يزال ملف حقوق العمال معلقًا بسبب غياب الحلول الحقيقية التي تضمن لهم العيش الكريم والتمتع بحقوقهم التي تنص عليها القوانين واللوائح، وأبسطها استلام الراتب في وقته.