خلال العام الماضي تغيرت أنماط الاستهلاك، وتحديدًا طريقة الدفع، فأصبح العرف السائد خلال الجائحة هو الدفع الافتراضي أو عن بعد من غير استخدام «الكاش».
انخفض استخدام الكاش خلال الجائحة إلى 20% من مجمل عمليات الدفع، وهي النسبة الأقل تاريخيًا. وبالنظر إلى تغيير نمط المستهلك، تذكر دراسة من Visa Back To Business حدوث تغيير بنسبة 78% في طريقة الدفع بين المستهلكين خلال العام الماضي. وتعزز هذه الأرقام فكرة التحول الرقمي الذي يحدث في عمليات الدفع، وتزيد من وتيرة تغييره المتوقعة خلال السنوات القليلة القادمة.
بدأت طريقة الدفع عن بعد أو من خلال تكنولوجيا Near Field Communication مع استعراض شركة آبل لأول طريقة دفع عن طريق الموبايل تحت اسم Apple Pay.
أما محليًا، فشركة «كي نت» هي المسؤولة عن تطوير الخدمات المصرفية. ورغم وصول Apple Pay إلى دول مجاورة مثل الإمارات والسعودية، لم تُفعل هذه الوسيلة في الكويت، مما يدفعنا للتساؤل: كيف يمكن تطوير وسائل الدفع الإلكتروني في الكويت؟ ولماذا تحتكرها شركة واحدة؟
ما هي شركة كي نت؟
منظم القطاع البنكي في الكويت هو البنك المركزي، وعليه فإن تبني مثل هذه الآليات والبروتوكولات الجديدة للدفع يتطلب موافقة مسبقة منه. وبالنظر إلى السوق الكويتي، نجد أن شركة كي نت هي المخولة كشركة كويتية وطنية بـ«تقديم الخدمات المصرفية الإلكترونية لجميع البنوك في الكويت»، منذ تاريخ إنشائها بعد التحرير في عام 1992. وهي ملزمة كشركة بمتابعة وتبني أحدث التكنولوجيا في مختلف مجالات الخدمات المصرفية الآلية، والحرص على تقديم أعلى مستوى من الخدمات المصرفية الآلية المتوفرة عالمیًا للبنوك الأعضاء والمجتمع المصرفي الكويتي.
بحسب بنك الكويت المركزي، فإن عدد نقاط البيع الإلكترونية في الكويت يبلغ 31,698 ماكينة كي نت.
يتكون مجلس إدارة كي نت من تسعة أعضاء ممثلين للبنوك المحلية، وقبل الجائحة كُشف عن نية البنوك الأعضاء في ضم البنك المركزي إلى هيكل ملكية الشركة. جاء هذا الاقتراح متزامنًا مع قرار اتحاد مصارف الكويت برفع مستوى تمثيل البنوك في مجلس إدارة الشركة من مدير إدارة إلى رئيس تنفيذي أو نائبه، كممثل لعضوية البنك.
فهد النوري الإداري بأحد البنوك المحلية (رفض ذكره) يقول لـ«منشور»: «شركة كي نت توفر نسبة لكل بنك من كل عملية سحب وهي 0.5%، ولكل عملية سحب من فيزا أو ماستر كارد 2.5%».
تملك الشركة البنية التحتية والتكنولوجية لتبني التكنولوجيا الحديثة أيضًا، إذ يوضح النوري أن «كي نت تتطلع لتوفير خدمة الدفع عن طريق صوت العميل ووجهه، أو عن طريق الهاتف المحمول، والاستغناء عن البطاقة البنكية بحلول عام 2027».
وبحسب بنك الكويت المركزي، فإن عدد نقاط البيع الإلكترونية في الكويت يبلغ 31,698 ماكينة كي نت.
احتكار الدفع الإلكتروني
بالنظر إلى القطاع البنكي في الكويت نجد أنه مقيد من الناحية القانونية والعملية، فاحتكار كي نت لعمليات الدفع الآلي يأتي مؤخرًا بالتزامن مع زيادة مستوى التمثيل، واحتمالية إسهام البنك المركزي في هيكل الملكية. فكيف يؤثر الوضع الحالي على مواكبة أساليب الدفع الحديثة من عدمها؟ وهل يترتب على الاحتكار تكاليف ضائعة في عدم تطوير وسائل الدفع الإلكترونية؟
يندرج تنظيم الاقتصاد في الكويت تحت عدة قوانين، منها قانون رقم 72 لسنة 2020 بشأن حماية المستهلك وتجريم الاحتكار، والذي حل محل القانون السابق لسنة 2007 إلا أنه لم يأت بجديد، إذ يشير الاقتصادي محمد البغلي في مقال له إلى أن القانون ميَّع عمليات تجريم الاحتكار بشكل لافت، موضحًا أن الدولة تحتكر بعض القطاعات مثل البنوك وشركات الاتصال بإصدار قانون لتأسيسها، رغم أن هذا «من صميم عمل المستثمرين لا الدولة».
منذ تأسست خدمة Apple Pay عام 2014 وهي تحاول دخول السوق الكويتي، لكنها واجهت إشكالية بسبب فرض وزارة المالية نسبة 5% ضريبة محتجزة من إجمالي عوائد مبيعات آبل في الكويت، إذ ترى الوزارة أن هيكل آبل التنظيمي يستوجب استقطاع نسبة من المبيعات المستخدمة بالتعاقد مع البنوك، مما يجعلها في نظر القانون مستثمرًا أجنبيًا، ويوجب عليها دفع الضريبة ذات النسبة العالية.
في نفس العام، اشتكت شركة كي نت للبنك المركزي من وجود خدمات الدفع عن طريق الموبايل، والتي تقلص من عوائدها، فاقترحت البنوك المحلية تخفيض رسوم كي نت على نقاط البيع. وتتزامن هذه الشكوى مع جمود في تطوير وسائل الدفع، فما زال الدفع مشروطًا باستخدام كلمة سر مؤقتة (One Time Password)، والتي تنظر إليها كي نت كوسيلة للأمان، بينما ينظر لها العميل باعتبارها تضييعًا للوقت بسبب تطور الخدمات الأخرى بشكل آمن وسريع.
وقَّعت كي نت شراكات مع وكلاء دفع إلكتروني مثل «ماي فاتورة» و«تاب»، وهما خدمتان للدفع الإلكتروني المسبق، وذلك من أجل مساعدة المشروعات الصغيرة. وتظن الشركة أنها بذلك تساعد المشروعات الصغيرة، لكن بعض أصحاب هذه المشروعات قد يرفع سعر السلع بسبب العمولة والرسوم، وتراهم يستخدمون رابطًا مباشرًا من البنك، لكن روابط البنك لها حد معين من التحويلات وعدد مرات لاستخدام الروابط، مما يشكل صعوبة أخرى أمام أصحاب المشروعات.
حلول مطروحة
الاحتكار التام يزيد من جمود الأسعار، وهو ما لا يخدم المستھلك، لذلك فالانتقال من سوق الاحتكار التام إلى احتكار القلة أحد الحلول. مثلما حدث في سوق الاتصالات عقب دخول شركات جديدة بعد فترات طويلة من الاحتكار، والذي أدى بدوره إلى تطوير الخدمات والمنافسة في الأسعار.
بعد انسحاب البنوك الكبيرة وإنشاء شبكتها الخاصة، ستقل قوة كي نت في السوق، مما يدفعها للمنافسة بشكل أكبر لتحسین الخدمات، وتبني التكنولوجيا الحديثة والإبداع وتخفيض الرسوم حتى تعود بقوة.
من المهم كذلك تحديث القوانين لتسهيل دخول الشركات العالمية إلى سوق الدفع الإلكتروني المحلي.
التطور الإلكتروني السريع يتطلب تطورًا تشريعيًا يتزامن مع سرعته. والسوق المحلي متعطش للتجديد والمنافسة، فهل نرى ذلك في وقت قريب؟