منذ احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية عام 1967، ومن بينها القدس الشرقية، تزايدت معاناة المدينة بفعل التوسع الاستيطاني، إذ أنشئ عدد من المستوطنات التي تحيط بالقدس من جميع الاتجاهات. التغيير الديموغرافي لا يقتصر على الاستيطان، فجانبها الآخر هو هدم القرى الفلسطينية التي تحيط بالمدينة، وتهجير أهلها إلى أماكن أخرى.
من هذه القرى الفلسطينية، الخان الأحمر.
الخان الأحمر قرية بدوية صغيرة يسكنها 180 نسمة، وينتمي سكانها إلى قبيلتي «الكعابنة» و«الجهالين» اللتين قدمتا إلى القرية بعد أن هجَّرتهم إسرائيل من منطقة تل عراد في صحراء النقب، خلال النكبة عام 1948.
يعتمد السكان على تربية المواشي مصدرًا رئيسيًّا للدخل، ويتخذون من الإطارات والخيام والألواح المعدنية ملاذًا لهم. تحيط بالقرية مستوطنتان هما «معاليه أدوميم وكفار أدوميم»، اللتان جرى تشييدهما على مشارف الخان الأحمر منذ عدة سنوات.
رغم المناشدات الدولية ومعارضة عدة أطراف عربية وأوروبية والسلطة الفلسطينية قرار الهدم الصادر عن المحكمة الإسرائيلية العليا، تصر إسرائيل على هدم القرية وتهجير سكانها، بعد انتهاء المهلة التي حددها الاحتلال لإخلاء السكان مساكنهم في الأول من أكتوبر 2018.
الإصرار الإسرائيلي يأتي ضمن خطة لتهويد كل ما يحيط بمدينة القدس، وضم أراضيها وربطها بالمستوطنات الواقعة خارج حدود المدينة.
تقليص الوجود العربي
يقول داوود أبو داهوك: «أمهلتني القوات الإسرائيلية شهرًا كي أهدم منزلي بنفسي».
داوود أبو داهوك (46 عامًا) أحد سكان الخان الأحمر، يؤكد أنه كباقي أهل القرية، يتعرض إلى هجمة شرسة من قوات الاحتلال، قائلًا لـ«منشور»: «تسعى إسرائيل لهدم منزلي وبيوت السكان المشيدة من الصفيح والأخشاب، بعد تسلُّمي إخطارًا بإخلاء منزلي الذي أعيش به أنا وأسرتي المكونة من ستة أفراد، وذلك بهدف ربط المستوطنات الإسرائيلية في شرقي القدس، بالقدس الغربية طبوغرافيًّا، وتقليص الوجود العربي البدوي في القدس المحتلة».
أبو داهوك يوضح أنه لم يستسلم للقرار الإسرائيلي بهدم منزله، رغم تواصل اعتداءات الاحتلال على بيوت القرية وسكانها واعتقال عدد منهم: «يرفض سكان القرية والمتضامنون الأجانب مغادرتها، ويؤكدون وقوفهم ضد محاولات الاحتلال هدم القرية وإخلاءها».
تسعى إسرائيل لتوسيع مستوطناتها المجاورة للقرية، من خلال الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي الممتدة من شرقي مدينة القدس حتى جنوبي البحر الميت، لفصل مناطق القدس وأحيائها والضفة الغربية عن بعضها، وربط القدس بشبكة أنفاق وسكك حديدية مع المستوطنات المجاورة لقرية الخان الأحمر.
هدم المنازل ذاتيًّا
بعد انتهاء المهلة الإسرائيلية، فوجئ أبو داهوك بـ«قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي تتقدم برفقة آليات عسكرية ثقيلة نحو القرية لهدمها»، لكن سكان القرية والمتضامنون الأجانب صمدوا على الأرض، فاضطرت القوات إلى الانسحاب.
«أمهلتني القوات الإسرائيلية، وكذلك سكان القرية الآخرون، شهرًا كي أهدم منزلي بنفسي»، وهو ما رفضه أبو داهوك.
يتعجب الرجل من الاتهامات الإسرائيلية له ولسكان القرية ببناء منازلهم دون ترخيص، بعد أكثر من نصف قرن من تشييد البيوت، ويراها «حججًا واهية تهدف إسرائيل من ورائها إلى تهويد القدس، وتعزيز الوجود الصهيوني في المدينة، عن طريق بناء أربعة آلاف وحدة استيطانية جديدة، ضمن ما يسمى مشروع القدس الكبرى».
إخطارات بالهدم
لم يكن حال عيادة الكرشان (34 عامًا) من سكان قرية الخان الأحمر، بأفضل من غيره حين تسلم إخطارًا من بلدية الاحتلال بالقدس، قبل نحو شهرين، تبلغه فيه بضرورة إخلاء منزله المشيد من الصفيح والإطارات المطاطية، والذي يقطن فيه برفقة عائلته المكونة من ثلاثة أفراد، بحجة بنائه دون الحصول على التراخيص اللازمة، تمهيدًا لهدمه.
يقول الكرشان: «لم نكترث، نحن سكان القرية الذين جرى إخطارنا بإخلاء منازلنا، للقرار الإسرائيلي. تمسكنا بأرضنا، وأقمنا خيمة للاعتصام رفقة مجموعة كبيرة من المتضامنين وعدد من المسؤولين في الحكومة الفلسطينية. لن نترك خيمة الاعتصام حتى تلغي إسرائيل قرار الهدم نهائيًّا».
«أعاني في القرية ظروفًا حياتية وخدماتية صعبة للغاية، في ظل انعدام مقومات الحياة الرئيسية، كالكهرباء والماء والصحة والتعليم. وترفض السلطات الإسرائيلية تزويدنا بالخدمات الأساسية».
تقع قرية الخان الأحمر ضمن المنطقة (ج)، التي تشكل 61% من مساحة الضفة الغربية، وتخضع للسيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية الكاملة، وفقًا لاتفاقية أوسلو عام 1993 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
يقول الكرشان: «لمتابعة التحركات على الأرض ورصدها، تستخدم إسرائيل أحدث الطرق التكنولوجية لمراقبة القرية عن بُعد، من خلال استخدام الطائرات لمنع أي محاولة لبناء منزل أو منشأة، وعند محاولة أي مواطن ترميم منزله أو توسعته، تأتي الآليات العسكرية الإسرائيلية على الفور لتزيل المنزل».
المدرسة الوحيدة في القرية، والتي شُيِّدت من الإطارات المطاطية والطين، يهددها قرار الهدم منذ تأسيسها في 2009. تضم المدرسة نحو 170 طالبًا من التجمعات البدوية المجاورة للخان الأحمر، إذ تفتقر للخدمات الأساسية، كالمقاعد والإضاءة، ليكون الاعتماد الرئيسي على الخلايا الشمسية بهدف توفير الإنارة لصفوفها الدراسية التسعة.
يضيف الكرشان: «في محاولة للتضييق على سكان القرية وطردهم منها، تعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى إغراق القرية بالمياه التي مصدرها مستوطنة كفار أدوميم المحاذية للقرية، ما يهدد حياتنا ويؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة، وخصوصًا بين الأطفال وكبار السن».
جدير بالذكر أن أبرز الاحتجاجات الدولية على هدم الخان الأحمر، جاء من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، في أوائل أكتوبر 2018، حين هددت بإلغاء زيارتها المقررة لإسرائيل، في حال نفذ الاحتلال الإسرائيلي مخطط هدم قرية الخان الأحمر وتهجير أهلها، بحسب مكتب المستشارة الألمانية.
قد يكون احتجاج ميركل هو الذي أجَّل عملية هدم الخان. وقد أجرت المستشارة الألمانية بعدها زيارة خاطفة إلى إسرائيل في الرابع من أكتوبر 2018، وكانت «فيديريكا موغيريني»، الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، قد دعت الاحتلال إلى وقف هدم القرية، قائلة إن «عواقب تدمير القرية وبناء مستوطنات بدلًا منها، يؤدي إلى تشريد السكان والأطفال بخاصة، وتهديد إيجاد حل سلمي وسياسي».
هدم الخان الأحمر سيكون خطوة أولى، يتبعها هدم السلطات الإسرائيلية جميع التجمعات البدوية في القدس، والتي يقدر عددها بنحو 23 تجمعًا، وتضم أكثر من خمسة آلاف نسمة.