كيف تستخدم إسرائيل التضليل لنزع شرعية القضية الفلسطينية؟

التصميم: منشور

أحمد لافي
نشر في 2021/11/29

كتب مارك أوين جونز المختص في شؤون الشرق الأوسط هذا المقال لصحيفة «عين على الشرق الأوسط» في أعقاب الحرب الأخيرة على قطاع غزة، ليسلط الضوء على الخداع الذي تمارسه إسرائيل لتضليل الرأي العام العالمي حول حقيقة ما يدور في فلسطين.

تعتبر حرب البروباغندا الإسرائيلية التي استُخدمت خلال العدوان الأخير واحدة من أساسيات المشروع الاستعماري الاستيطاني الذي تنتهجه إسرائيل. على مدى أسبوعين من القصف، قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 230 فلسطينيًا، منهم 65 طفلًا في غزة مايو الماضي. في ذلك الوقت، كان المسؤولون الإسرائيليون يشرفون على حرب من نوع آخر: نشر محتوى مضلل وخادع عن فلسطين، معظم هذا المحتوى مهمته إظهار الفلسطينيين بمظهر العنف والكذب والخداع، بهدف شرعنة وحشية الإسرائيليين.

تزامنت الهجمات الإسرائيلية على غزة مع نشر معلومات مضللة ومعلومات خادعة أيضًا. يكمن الفرق بين المعلومات المضللة والخادعة في أن الأولى تستخدم لتضليل الناس وإبعادهم عن إدراك حقيقة الأمور، فيما تعتبر الثانية جزءًا من البروباغندا التي تُنشر بهدف إقناع الجمهور برأي أو فعل معين.

قد يكون من الصعب إثبات النية، ولكن يمكننا استنتاجها من الواقع. بحسب أوين جونز، عمد الكولونيل جوناثان كونريكوس الناطق باسم الجيش الإسرائيلي في أكثر الأحداث فظاعة مؤخرًا إلى تضليل العديد من وسائل الإعلام العالمية الشهيرة لنشر أخبار كاذبة. صحف مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست ووول ستريت جورنال، كانت من الصحف الأولى التي نشرت أن الجيش الإسرائيلي يستعد لاجتياح قطاع غزة بريًا.

بعد النشر بفترة قليلة، ادعى الإعلام الإسرائيلي أن هذه الأخبار كانت خطة مخادعة متعمدة لإجبار عناصر حماس على التحرك في العلن ليسهل استهدافهم، وبالطبع قال كونريكوس إن ذلك كان خطأ ليس إلا، وإنه بصفته متحدثًا رسميًا باسم النظام الإسرائيلي، لا يمكنه أن يعترف لوسائل الإعلام التي تعتمد عليه لمعرفة رواية الجانب الإسرائيلي بأنه يزودهم بمعلومات كاذبة. وعلى الرغم من وضوح خداعه، فإن وسائل الإعلام استمرت في طلب تعليقاته على الأحداث.

تشويه حماس

الصورة: Getty

معلومات مضللة أخرى كانت تُنشر بهدف إظهار حماس على أنها كيان غير نزيه، وأنها تستخدم دروعًا بشرية من المدنيين لتضرب إسرائيل من خلفهم. وفي كثير من الأحيان كان الجيش الإسرائيلي يستخدم هذه المعلومات المضللة كذريعة قانونية للهرب من تهم القتل الجماعي للمدنيين الفلسطينيين.

نشر أوفير غندلمان الناطق الرسمي باسم بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، مقطعًا مصورًا عبر حسابه الرسمي على تويتر، مدعيًا أنه لعناصر من حماس يطلقون الصواريخ تجاه إسرائيل من أماكن مكتظة بالمدنيين. ولكن تبين لاحقًا أن المقطع المصور ذاته، والذي أُعيد نشره مئات المرات على منصات التواصل الاجتماعي، يعود لعام 2008، وأنه صُور على الأغلب في سوريا أو ليبيا.

ونشر كذلك مقطعًا مشابهًا انتشر على نطاق واسع، يزعم أنه يعود لعناصر من حماس وهم ينقلون الصواريخ عبر شارع مكتظ بالمدنيين، ولكن هذه المرة مع تعليق صوتي يقول: «مرة أخرى نرى حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية بهدف قتل اليهود، ونحن نعلم أن إسرائيل لن تنتقم لتعريض مواطنيها الأبرياء للخطر»، وبعد ذلك تبين أن المقطع يعود لعام 2018، وأنه مصور في منطقة الجليل الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، ولا علاقة لحماس به.

حاولت البروباغندا الإسرائيلية أيضًا اتهام الفلسطينيين بأنهم يبالغون في وصف خسائرهم المدنية، وذلك لأن الإسرائيليين يوقنون أن كشف أعداد الضحايا من المدنيين الفلسطينيين ستجلب الدعم الدولي للنضال الفلسطيني، ويسلط الضوء على وحشية الاحتلال الإسرائيلي.

المجازات دائمًا ما تكون متشابهة، وهي إظهار الفلسطينيين على أنهم عنيفون وكاذبون، بهدف صرف الأنظار عن التعاطف مع قضيتهم، أو لشرعنة ما يسمى بالهجمات الانتقامية على غزة.

يستشهد كاتب المقال بتغريدة لمريم البرغوثي الكاتبة والباحثة الفلسطينية، تقول فيها: «يظهر لنا أن إسرائيل تعتمد على الرقابة والإخفاء، وتُعامل المجتمعات العامة على أنها غير ذكية. بينما يعتمد الفلسطينيون على ذكاء المجتمع الدولي، ويسلطون الضوء لفضح إسرائيل، لأنه من حقنا أن نبقى آمنين في بيوتنا».

الكثير من الناس أعادوا نشر مقطع مصور على تيك توك لجنازة وهمية مصحوبة بادعاءات أنها لفلسطينيين يحاولون استعطاف العامة، ومن ضمن هؤلاء ناتالي فاديف، وهي من جنود الاحتياط في الشرطة العسكرية الإسرائيلية ولديها مليون متابع تقريبًا. بعد ذلك تبين أن المقطع الذي لم يُحذف من على المنصة، هو مقطع ساخر صوَّره أردنيون.

الكثير من المعلومات المضللة الأخرى ذات أصل غير واضح، ولكن المجازات دائمًا ما تكون متشابهة، وهي إظهار الفلسطينيين على أنهم عنيفون وكاذبون، وذلك بهدف صرف الأنظار عن التعاطف مع قضيتهم، أو لشرعنة ما يسمى بالهجمات الانتقامية على غزة.

واحد من هذه الأخبار المضللة كان خبرًا كاذبًا انتشر بشكل واسع على تطبيق واتساب، مفاده أن الفلسطينيين كانوا على وشك مهاجمة السكان اليهود في تل أبيب.

الكذب المسلح

يختم جونز مقالته بطرح سؤال مهم في هذه المرحلة حول اضطرار إسرائيل لاستخدام المعلومات المضللة على نحو واسع. ويرى أن عدم امتلاك إسرائيل لسردية صادقة حول ما يحدث بالفعل يفرض عليها ممارسة التضليل، وإلا كانت العاقبة الاعتراف بانتهاك المعايير الأخلاقية دوليًا، وانتهاك القانون الدولي كذلك.

بالإشارة إلى طبيعة البروباغندا البشعة، يعد التضليل كناية مؤدبة عما يمكن وصفه بأنه حقيقة مرة. أوصاف مثل «الكذب المسلح» أو «انعدام النزاهة» قد تكون أكثر ملاءمة بحسب تعبير الكاتب. في الواقع، يستخدم الأكاديمي مايكل بيترز مصطلح «حكومة الكذب» لوصف الأكاذيب المنتشرة مؤخرًا.

ربما يكون هذا المصطلح مناسبًا للتضليل الممنهج للجمهور، والذي يهدف لتمرير قرارات سياسية غير شعبية، مثل تبرير الفصل العنصري والتطهير العرقي الممارس ضد الفلسطينيين. عندما لا يمكن الدفاع عن المواقف اللا أخلاقية، يلجأون إلى نشر الكذب.

كان من السهل القول بأن كلا الطرفين يستخدم التضليل والخداع، وقد يكون الإدلاء بهذا القول صادقًا بطريقة ما، لكنه مخادع بطريقة أخرى.

إن التلميح بأن كلا الطرفين يستخدم نفس الكم من التضليل ما هو إلا إيحاء كاذب بأن الطرفين يمتلكان نفس القدرة على الخداع، وهذا التوازن والتكافؤ الزائف ينفي حقيقة أن إسرائيل التي تحاول تسويق نفسها على أنها قوة متحضرة، تستخدم الخداع لتستمر في الاحتلال.

بالفعل يعتبر التضليل جزءًا مهمًا من المشروع الأيديولوجي لمحو الخطابات الفلسطينية وإنهائها. إن خداع إسرائيل ومعلوماتها المضللة يعتبران مكونًا جوهريًا لمشروعها الاستعماري الاستيطاني، الذي يسعى لإلغاء فلسطين من خلال تلجيم الفلسطينيين واحتكار تمثيلهم أمام بقية العالم.

مواضيع مشابهة