هل يؤدي تضييق إسرائيل على غزة إلى حرب جديدة؟

الصورة: Getty - التصميم: منشور

تغريد علي
نشر في 2021/10/04

في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي في تضييق الخناق على قطاع غزة بعد الحرب الأخيرة، يعود احتمال اندلاع حرب جديدة إلى الواجهة مجددًا، إثر إصرار الاحتلال على ربط قضية إعادة إعمار غزة وإدخال بعض البضائع التي تواجه قيودًا كبيرة على إدخالها، بالإفراج عن أربعة إسرائيليين تحتجزهم حركة حماس.

وبعد شهرين من توصل إسرائيل وحماس إلى وقف لإطلاق النار عقب حرب استمرت 11 يومًا وأسفرت عن مقتل 248 فلسطينيًا في قطاع غزة و13 في إسرائيل، ظلت حياة كثيرين في القطاع الفلسطيني المحاصر متوقفة، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

وصرح يحيى السنوار قائد حماس في غزة بأن الوضع في القطاع يتطلب ممارسة المقاومة الشعبية لإلزام إسرائيل بتخفيف الأزمة.

وأضاف السنوار بعد لقاء متوتر جمعه بوفد من الأمم المتحدة ترأسه تور وينسلاند المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط: «في المجمل كان لقاء سيئًا، لم يكن إيجابيًا باتجاه حل الأزمة في قطاع غزة، ولا توجد أي بوادر تشير إلى حل الأزمة الإنسانية هنا»، وتابع أن «الاحتلال يحاول أن يبتز الشعب الفلسطيني في موضوع التخفيف عن سكان القطاع».

وكان وينسلاند وصل إلى غزة في 21 يونيو الماضي من أجل متابعة مباحثات تثبيت التهدئة، لكن حماس أبلغته أنها لن تقبل بدوره وسيطًا بهذه الطريقة، طالما لم يشكلوا (الأمم المتحدة) ضغطًا كافيًا على إسرائيل.

يشير تقرير موقع موديرن دبلوماسي الأمريكي إلى أن الخسائر البشرية تضاف إلى الأضرار والخسائر الإجمالية التي لحقت بمختلف القطاعات والبنية التحتية. ويكشف تقييم سريع للأضرار والاحتياجات عن أضرار مادية تصل إلى 380 مليون دولار، وخسائر اقتصادية بقيمة 190 مليون دولار، وقد قُدرت احتياجات التعافي بما يصل إلى 485 مليون دولار خلال الـ24 شهرًا الأولى.

يذكر الموقع أن الحرب الأخيرة تسببت في مزيد من التدهور للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتعثرة بالفعل، إذ عانى الفلسطينيون في غزة من التكاليف البشرية والاقتصادية المتراكمة للأعمال العدائية المتكررة على مدى العقود الثلاثة الماضية، فضلًا عن القيود المطولة على حركة الأشخاص والسلع التجارية عند المعابر الحدودية، إلى جانب القيود المفروضة على الصيد قبالة سواحل غزة، والآن آثار جائحة كوفيد-19.

تسببت الحرب وفق الموقع في خسائر اقتصادية (توقف التدفقات الاقتصادية وسلاسل الإنتاج والخدمات) تراوحت بين 105 و190 مليون دولار. ومرة أخرى كانت القطاعات الاجتماعية هي الأكثر تضررًا، فنحو 87% من الخسائر تأتي من التكاليف الصحية والتغطية الاجتماعية الإضافية والبطالة، كما أدت الاعتداءات إلى إضعاف سبل العيش وشبكات الأمان للفئات الهشة.

وفقًا لوزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، دُمرت نحو 1800 وحدة سكنية، فيما لحقت أضرار جزئية بما يقرب من 17 ألف وحدة، ومن بين المباني التي طالها التدمير خمسة أبراج و74 منشأة عامة وحكومية و66 مدرسة وثلاثة مساجد.

تصعيد إسرائيلي محتمل

الصورة: Getty

في حديثه لـ«منشور»، يقول نهاد أبو غوش الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، إن «تضييق الخناق على قطاع غزة سياسة رسمية معتمدة من قبل الاحتلال تجاه شعبنا، الذي يعاني من حصار بري وبحري وجوي خانق منذ أكثر من 14 عامًا، ولم ينته منذ قيام السلطة الفلسطينية وبدء تطبيق اتفاقية أوسلو. إلا أن شكل الحصار وتجلياته اليومية تتباين بين فترة وأخرى، إذ يسمح الاحتلال أحيانًا لعدد محدود من العمال من القطاع بالعمل في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وفي معظم الوقت يمنع جميع سكان القطاع من التحرك».

يؤكد أبو غوش أن «الأمور تبقى مهيأة دومًا للتصعيد، سواء من قبل الاحتلال الذي يستخدم القوة العسكرية والاعتداءات لابتزاز مواقف وفرض نتائج سياسية، أو من قبل الشعب الفلسطيني ومقاومته التي لن تتوقف طالما بقي الاحتلال موجودًا على أرضها، ويمارس سياسات عنصرية وتعسفية بحق شعبها الأعزل».

ويتابع أن «خيار الشعب الفلسطيني هو المقاومة بمختلف أشكالها، ولا يمكن للأوضاع الحالية التي يشهدها القطاع أن تستمر، في حين لا يمكن لإسرائيل أن تنعم بالهدوء والاستقرار وتدير اقتصادًا متقدمًا ومرفهًا، بينما يفتقد أصحاب الأرض الأصليون لأبسط مقومات الحياة من مياه ووسائل حياة وطاقة وحرية حركة وتنقل، فضلًا عن حقهم في التواصل بين أبناء الشعب الفلسطيني مع بعضهم ومع العالم، وهو ما لا يسمح به الاحتلال حتى هذه اللحظة».

ويوضح أن التدخلات السياسية والمفاوضات المباشرة وغير المباشرة والوعود الدولية قد تنجح أحيانًا في تسكين أمد الصراع وتهدئة الأمور بشكل مؤقت، لكن يبقى السؤال المشروع: هل يمكن التعايش مع الاحتلال والتسليم به كقدر ومصير نهائي للشعب الفلسطيني وسقف لطموحاته الوطنية؟ وهذا أمر مستحيل في لغة السياسة ولدى كل الشعوب الحية، وخاصة لدى الشعب الفلسطيني الذي قدم أغلى التضحيات، وبذلك تبقى خيارات التصعيد والكفاح والمقاومة أمرًا مشروعًا».

تشجيع الانقسام الفلسطيني

الصورة: Getty

يذكر أبو غوش أن «كل الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة تخضع لسياسات الحصار والتضييق الإسرائيلي، وهو هدف استراتيجي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه لتفتيت الكيان الفلسطيني، وتشجيع الانقسام وتحويله لانفصال دائم، وإخراج قطاع غزة نهائيًا من معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بكل ما ينطوي عليه هذا من إخراج للمقاومة والكتلة السكانية الكبيرة التي تتجاوز مليوني نسمة، وحل قضية اللاجئين عبر طرح مشاريع عدة لتوطينهم».

وبسؤاله حول إذا ما إذا كان ضعف الحكومة الإسرائيلية الجديدة سببًا في إضعاف الجهود السياسية والدولية لتحقيق الهدوء في غزة، يذكر أبو غوش أن «استناد حكومة بينت ولبيد وغانتس على أغلبية ضئيلة من ثقة الكنيست الإسرائيلي يجعلها هشة وضعيفة وقابلة للانكسار والانهيار عند أول اختبار جدي أو مطب سياسي أو أمني، وأمام المعارضة القوية بزعامة رئيس الوزراء السابق نتنياهو»، مشيرًا إلى أنه في حال خروج حزب واحد من الأحزاب الثمانية، فهذا «كفيل بانهيار الحكومة وحل الكنيست الإسرائيلي والتوجه نحو انتخابات جديدة».

ويلفت إلى أنه «رغم الدعم والقبول الدولي والأمريكي والأوروبي للحكومة الإسرائيلية، فإنها ستبقى حريصة على عدم التورط في حرب مفتوحة قد تعجل بنهايتها، بحيث ينصب تركيزها في هذه المرحلة على متابعة أمورها الداخلية، مع استجابتها للجهود الدولية والضغوط الداخلية لتجنب أي تصعيد قادم مع غزة».

تصعيد شعبي ميداني

الصورة: Getty

وكان محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس، قد صرح بأن التصعيد الشعبي الميداني مؤخرًا في قطاع غزة يأتي للضغط على إسرائيل من أجل وقف جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.

وأضاف الزهار أن حركته «لا تعمل من أجل اندلاع حرب، ولكن التصعيد يكون على المستوى الشعبي الميداني نتيجة تضييق إسرائيل الخناق على غزة، ومساسها بالأمور الحياتية كالغذاء والماء والكهرباء».

واستبعد الزهار شن إسرائيل حربًا جديدة على القطاع حاليًا، مشيرًا إلى «التقدير العام بأن إسرائيل لن تُقدم على مغامرة جديدة، وهي لا ترى أن جولة تصعيد جديدة يمكن أن تنقذها».

تحتفظ حماس بأربعة إسرائيليين، بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف 2014 (دون الإفصاح عن مصيرهما أو وضعهما الصحي)، والآخران دخلا غزة في ظروف غير واضحة خلال السنوات الماضية.

وترفض الحركة التي تتحكم في مقاليد الحكم بغزة منذ عام 2007 العودة إلى العمل بآلية الأمم المتحدة لإعادة الإعمار التي أعقبت حرب عام 2014؛ والتي تمنح إسرائيل السلطة المطلقة على توريد الاحتياجات من حيث الكمية والنوعية، فيما تتحكم السلطة الفلسطينية في الأموال، وتسبب ذلك في البطء الشديد وعدم الشفافية.

شن عملية عسكرية

الصورة: Getty

من جهته، يقول أحمد شاهين الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي لـ«منشور» إن «إسرائيل قد تستغل انشغال الولايات المتحدة والدول الأوروبية بسيطرة حركة طالبان على أفغانستان لشن عملية عسكرية ضد قطاع غزة، وتحديدًا في ظل عدم وجود أي تقدم ملموس حول ملف الجنود الأسرى لدى حركة حماس، وعدم إحداث أي تقدم في ملف إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، أو في حال شعورها بخطر محدق يهدد أمن مواطنيها».

ويضيف شاهين أن «حكومة بينت يبدو أنها غير مستعدة لتقديم أي تنازلات على الأرض، خشية تراجع نفوذها وشعبيتها لدى الرأي العام الإسرائيلي، وبالتالي انهيارها، وذلك بهدف معاقبة حركة حماس وإضعافها، عبر التضييق عليها بإغلاق المعابر ومنع إدخال مواد الإعمار، إذ لن تتوانى إسرائيل عن الرد الفوري على أي محاولات للفصائل الفلسطينية للتصعيد باتجاه الاحتلال».

ويتابع: «الاحتلال سيوظف كل أدواته الخشنة والناعمة، من القصف والتدمير إلى الحصار والتعطيش والتجويع، من أجل تهبيط سقف المقاومة، ومحاولة إيهامها أن إسرائيل لا تهتم بصفقة تبادل الأسرى، وأنها تطلب ذلك كشرط لإدخال مواد إعادة الإعمار والمساعدات القطرية، إلا أن المهم هو القدرة على مواجهة هذه الضغوط بصف وطني موحد، وحماية شعبية».

ضغوط على حماس

الصورة: Getty

يؤكد شاهين أن «الضغوط على حركة حماس قائمة وموجودة ومستمرة، وقد كان من أبرز خلاصات الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة بالنسبة للإسرائيليين والأمريكيين إضعاف ما أسموه بالقوى الراديكالية، وهذا ما فُهم أيضًا من الزيارات المتكررة للمبعوثين الأمريكيين هادي عمرو والوزير أنتوني بلينكن، ومدير الاستخبارات وليام بيرنز».

ويوضح أن «الدور الذي تلعبه تركيا وقطر وغيرها من الدول تحكمه معادلات دولية وإقليمية وداخلية، ويبقى الشأن الفلسطيني ليس شأنًا مركزيًا دائمًا، وإنما هو أحد العوامل التي تؤثر على سياسات هذه الدول، التي لديها تقاطعات معقدة مع السياسات الأمريكية والإسرائيلية في العالم وفي الإقليم، ومن هنا رأينا العديد من الأدوار لقطر تجاه أفغانستان، وكذلك تركيا في آسيا الوسطى وسوريا وأذربيجان وغيرها، وهذه الأدوار تلتقي مع السياسات الإسرائيلية والأمريكية وأحيانًا تتعارض معها، وفي النهاية فإن القوة الرئيسية لحركة حماس لا بد أن تُستمد من شعبها الفلسطيني، مع إمكانية تعزيزها بعلاقاتها الوطنية».

ولم يستبعد أفيف كوخافي رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي شن عملية عسكرية على قطاع غزة، أو محافظة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة.

وقال كوخافي في مقابلة للقناة الإسرائيلية 12، إن «الخطط موجودة، وإذا تكررت الأحداث سنشن عملية كلما احتجنا إلى ذلك».

وحذر كوخافي من أن الجيش لن يصمت على إطلاق القذائف الصاروخية من هناك، وأضاف: «سنهاجم بقوة كلما حدث انتهاك للسيادة أو أذى للمواطنين».

ورغم سعي حركة حماس لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة، فإن ذلك لم يمنع إسرائيل من شن عدة هجمات على القطاع، ليعزز ذلك فرصة الانزلاق نحو الحرب في حال استمرت الأوضاع الحالية كما هي ، دون إحداث أي اختراق جوهري في قضايا التهدئة، وإعادة الإعمار، وحتى الجنود الأسرى لدى الحركة في غزة.

مواضيع مشابهة