لماذا ترغب إسرائيل في التطبيع مع دول الخليج؟

الصورة: Getty - التصميم: منشور

تغريد علي
نشر في 2021/08/10

منذ توقيع الاحتلال الإسرائيلي اتفاقيتي السلام مع مصر في العام 1979 والأردن في 1994، واللتين ارتكزتا على مبدأ إحلال السلام في مقابل استرداد الأراضي التي احتلها، بدأت محاولات إقامة علاقات مباشرة مع بعض الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

بدأت إسرائيل عقد تبادلات تجارية مباشرة مع سلطنة عمان وقطر في عام 1996، وإقامة مكاتب تجارية تمثيلية لهما في تل أبيب، ليوقع الكيان اتفاق السلام الثالث مع الإمارات والبحرين في 15 سبتمبر 2020، الذي يمكن إسرائيل لأول مرة من الوجود بصورة مباشرة في الخليج، في اتفاق يرتكز على المصالح الأمنية للدول الأطراف في مواجهة التهديد الإيراني، بالإضافة إلى مصالح استراتيجية واقتصادية، ولم يتبق من الدول الخليجية غير المطبعة إلا الكويت والسعودية.

في أعقاب هذا الاتفاق التاريخي، تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية، فُتح مجال التطبيع أمام عدد من الدول العربية والخليجية، لتشكل المرحلة المقبلة على ما يبدو خارطة جديدة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

لكن لماذا استمات الكيان للتطبيع مع الدول الخليجية؟

نفوذ إقليمي إسرائيلي

الصورة: middle east online

يرى نهاد أبو غوش المدير الأسبق لمركز مسار للدراسات خلال حديثه مع «منشور» أن «إسرائيل ترغب في التطبيع مع جميع الدول الخليجية والعربية باستثناء المحسوبة على محور الممانعة أو القريبة من إيران لعدة أسباب، من بينها أن إسرائيل تطمح إلى أن يكون لها نفوذ إقليمي يخدم أهدافها الاستراتيجية، وكذلك أن تنتزع من الفلسطينيين واحدة من أقوى أدواتهم وأسلحتهم، وهي استحالة قبول إسرائيل في المنطقة والتطبيع معها من دون حل القضية الفلسطينية كما نصت مبادرة السلام العربية، وأخيرًا طمعًا في الأموال والاستثمارات والأسواق الخليجية».

يتحدث أبو غوش عن أن إسرائيل تحاول ترويج معادلة «المال الخليجي والتكنولوجيا والخبرة والإدارة الإسرائيلية»، لكن هذه المعادلة في جوهرها هي صورة للهيمنة التي تسعى إلى إبقاء البلاد العربية معتمدة على إنتاج المواد الخام وتصديرها فقط، وخاصة البترول، بينما تحتكر إسرائيل التكنولوجيا من خلال علاقتها العضوية بالولايات المتحدة، إلى جانب تفوقها في الصناعات العسكرية، التي ستعود عليها من جراء هذا التطبيع بفائدة اقتصادية كبيرة في حال شراء الإمارات والبحرين للأسلحة منها.

ويضيف: «سياسيًا، تطمح إسرائيل لبناء نظام شرق أوسطي جديد يستبدل عداء شعوب المنطقة لإسرائيل باعتبارها كيانًا عدوانيًا توسعيًا، من خلال افتعال عدو جديد هو إيران، وبالتالي بناء تحالف عربي إسرائيلي في مواجهة إيران، ليصل الأمر بإسرائيل إلى أنها لن تكتفي بكونها جزءًا طبيعيًا ومقبولًا في المنطقة، بل طرفًا رئيسيًا وقياديًا وضروريًا تعتمد عليه باقي الدول لتأمين أمنها واستقرارها».

وكان يائير لابيد وزير الخارجية الإسرائيلي قد بين أن التبادل التجاري بين إسرائيل والإمارات تجاوز 570 مليون يورو بعد 10 أشهر فقط من توقيع اتفاق السلام بين البلدين، مبينًا أنه «منذ سبتمبر 2020، وقعنا عددًا من الصفقات بقيمة عشرات الملايين من الدولارات بين شركات إسرائيلية وإماراتية في مجالات الذكاء الاصطناعي وتقنيات الفضاء الإلكتروني والطاقات المتجددة والهيدرولوجيا والصحة وغير ذلك».

وأضاف لابيد أن «الآفاق واعدة لشركات البلدين العاملة في هذه المجالات وغيرها، لا سيما الأمن الغذائي والتقنيات المتعلقة بتطوير المناطق الصحراوية».

اتفاق سلام تاريخي

الصورة: AlKhaleejiOnline

أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي من دبي في يونيو الماضي رغبة تل أبيب في توقيع المزيد من الاتفاقيات الاقتصادية مع الإمارات، وذلك بُعيد افتتاحه قنصلية بلاده في الإمارة الخليجية الثرية الباحثة عن شركاء تجاريين جدد.

ويعمل جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على إطلاق مؤسسة جديدة لتشجيع التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، بمشاركة سفيري الإمارات والبحرين في واشنطن.

بدأ كوشنر بالفعل خطوات تأسيس «معهد اتفاقات أبراهام من أجل السلام»، لكي يعمل على تعميق اتفاقات التطبيع التي توصلت إليها إسرائيل العام الماضي مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب.

وذكر موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي في مايو الماضي أن المؤسسة ستكون غير حزبية وغير ربحية، وستموَّل من خلال التبرعات الخاصة، وتركز على زيادة التجارة والسياحة بين الدول الخمس الموقعة وهي إسرائيل والبحرين والإمارات والمغرب والسودان، وكذلك تطوير برامج لتعزيز العلاقات بين الشعوب.

وقال ترامب في 11 سبتمبر 2020 إن البحرين انضمت إلى الإمارات في إبرام اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، في خطوة تهدف إلى تهدئة التوتر في الشرق الأوسط. ونشر ترامب تلك الأنباء على تويتر، بعدما تحدث عبر الهاتف مع عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وفق ما أعلنه البيت الأبيض.

شيطنة الفلسطينيين والمقاومة

الصورة: Getty

حول الفائدة التي ستعود على الدول الخليجية من التطبيع الإسرائيلي، يستبعد أبو غوش أن «يحقق التطبيع مع إسرائيل أي فائدة جدية لها، وربما تستفيد بعض الشرائح والأنظمة من الخبرات الأمنية الإسرائيلية، لكن التطبيع بصورته هذه، القائم على التفوق العسكري الإسرائيلي واحتكار التكنولوجيا، سيُبقي دول الخليج معتمدة أمنيًا على إسرائيل، وبالتالي سيعطل فرص التنمية الحقيقية في المستقبل»، مشيرًا إلى أن التطبيع الإسرائيلي مع مصر والأردن يختلف عن التطبيع مع الدول الأخرى، وتحديدًا الخليجية منها، لأن الدولتين مجاورتان لفلسطين المحتلة، وخاضت كل منهما عدة حروب، وكانت لهما أراض محتلة استعادتاها بعد اتفاقيتي السلام، لكن التطبيع بقي محصورًا في أضيق المجالات الرسمية ولم يتحول إلى تطبيع شعبي، فما زالت القوى الشعبية والنقابات والبرلمان في البلدين تجرم التطبيع».

ويوضح أن «الحرب الأخيرة على غزة أسهمت في كشف الطابع الإجرامي للاحتلال الإسرائيلي، وأظهرت عنصريته واستخفافه بكل المواثيق والقوانين الدولية، إلى جانب ما كشفته من انتهاكات فظة واستفزازية للمقدسات الإسلامية وأطماع إسرائيل في تهويد مدينة القدس، وكل ذلك أسهم في فرملة الهرولة نحو التطبيع، ولكن إسرائيل تراهن على امتصاص هذه الموجة من الاستنكارات العالمية والإدانة، وبالتالي فإنها ستسعى نحو خيارات بديلة، بهدف شيطنة الفلسطينيين والمقاومة».

وحول كيفية استغلال بنيامين نتنياهو التطبيع الخليجي على المستوى المحلي لإسرائيل في الانتخابات السابقة، يؤكد أبو غوش أن «نتنياهو استفاد من انجازاته السياسية والدبلوماسية بما في ذلك ما قدمه له ترامب وعمليات التطبيع مع أربع دول عربية. هذه الإنجازات قدمته للجمهور الإسرائيلي كرجل دولة استثنائي وكبير ولديه بصمات في السياسة الدولية، وحقق إنجازات تاريخية غير مسبوقة لإسرائيل، لذلك حافظ إلى حد كبير على قوته كرئيس أكبر حزب. لكن هذه الإنجازات لم تكن كافية لبقائه في الحكم، فخطورة الاتهامات الموجهة إليه ومنها الفساد، واتساع القاعدة السياسية التي تعارضه بسبب أسلوب حكمه الفردي وتسخيره كل شيء لمصالحه الشخصية، بما في ذلك استعداده لشن وافتعال حروب، وصدامه مع مؤسسات إسرائيل وسلطاتها الأخرى (القضاء، الأمن، الشرطة، الدبلوماسية، وسائل الإعلام)، رجحت كفة الراغبين في استبداله ولو بشكل مؤقت».

في 24 أكتوبر الماضي، اعتبر نتنياهو أن اتفاقات التطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان تضع حدًا للعزلة الجغرافية التي كانت تعاني منها إسرائيل، وتقصر مدة الرحلات الجوية وتخفض تكلفتها. وقال: «نحن نغير خارطة الشرق الأوسط».

طالبت السلطة الفلسطينية دولة الإمارات بالتراجع عن اتفاق «تطبيع العلاقات» مع إسرائيل، وأعلنت الخارجية الفلسطينية استدعاء سفيرها من أبو ظبي بشكل فوري، وأكدت السلطة رفض ما فعلته الإمارات باعتباره خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية، واعترافًا بالقدس عاصمة لإسرائيل، مطالبة الإمارات بالتراجع الفوري عن هذا الإعلان المشين.

أما حركة المقاومة الإسلامية «حماس» فاعتبرت أن إلغاء الإمارات قانون مقاطعة إسرائيل يمثل «انقلابًا في الموقف الإماراتي تجاه القضية الفلسطينية». وقال سامي أبو زهري الناطق باسم الحركة في تغريدة على تويتر في 29 أغسطس 2020، إن «إلغاء الإمارات قانون مقاطعة الاحتلال يمثل انقلابًا في موقفها تجاه ‎القضية الفلسطينية، كما يشكل إعلانًا رسميًا عن الاصطفاف مع الاحتلال ضد الحقوق الفلسطينية».

خدمة المصالح الاستراتيجية لإسرائيل

الصورة: Getty

يقول مدير المركز العربي للبحوث والدراسات بالقاهرة هاني سليمان لـ«منشور» إن «إسرائيل معنية وترغب بشكل كبير في التطبيع مع دول الخليج العربي وبعض الدول العربية، وذلك بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، لما يشكله الخليج على وجه التحديد من ثروة اقتصادية كبيرة، وهو ما يمهد الطريق مستقبلًا لتنفيذ عدة مشروعات حيوية بين إسرائيل ودول الخليج التي دأبت نحو التطبيع».

ويضيف سليمان أن «الموقف الإماراتي واضح وصريح في ما يتعلق بالانتهاكات الإسرائيلية، ولن يتخلى عن القضية الفلسطينية، إذ تحاول الإمارات اتباع وانتهاج نظرة براغماتية وواقعية بعيدًا عن المواقف الشعبية والدبلوماسية في ما يتعلق بالعاطفة تجاه القضية الفلسطينية، وبالتالي فهي تهدف إلى فتح مسارات بديلة لربما تفضي إلى حل سلمي بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، بدلًا من سنوات الصراع والصدام التي نالت من القضية، وهناك حد أدنى يمكن البناء عليه لتحقيق الاستقرار والتهدئة بين الجانبين على أسس وتوافقات معينة، وهي رؤية مهمة ولا تتعارض مع موقفها الثابت تجاه الفلسطينيين».

بسؤاله عن سبب اهتمام إسرائيل أكثر من الدول العربية بكسر صف المقاطعة والدخول كشريك اقتصادي فاعل مع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بهدف تنمية مصالح إسرائيل في المنطقة وتعزيز التبادل التجاري وتحديدًا مع الدول الخليجية، يوضح سليمان أن إسرائيل مهتمة أكثر لأن تلك المناطق حيوية بالنسبة لمصالحها الاقتصادية، ولها ميزة لإسرائيل بشكل كبير، وهي حريصة على هذا حتى تستطيع الخروج من عزلتها الممتدة لعقود، وستبذل المزيد من الجهد حتى تصل إلى تحقيق مصالحها، باعتبار أنها معنية أكثر من الدول العربية والخليجية بهذه المناطق، لتضيف إليها المزيد من النجاحات التي تروجها الحكومة في سياستها الداخلية، والتي تحاول أن تصل إليها بشكل أسرع خلال الفترة المقبلة.

نشرت صحيفة غلوبس الاقتصادية الإسرائيلية في يوليو الماضي تحقيقًا تحدثت فيه عن توقف التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والإمارات. وكتبت الصحيفة في صفحتها الأولى أنه رغم الكلمات الجميلة التي صدرت عن واشنطن وأبو ظبي حول تدفق مليارات الدولارات إلى إسرائيل، فإن ذلك ظل حبرًا على ورق. وأشارت إلى أن صندوق الاستثمارات الأمريكي جُمد لفترة غير محددة، بالإضافة إلى أن محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي يؤجل إقامة صناديق الاستثمارات الإماراتية في إسرائيل بانتظار أن تُثبت الحكومة الإسرائيلية الجديدة نواياها، وينتظر صدور نتيجة مناقصة ميناء حيفا التي تقدمت شركة إماراتية للمنافسة على إدارته، إلى جانب تطبيق اتفاقية نقل النفط عبر أنابيب من إيلات إلى ميناء عسقلان.

فهل ستكون اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية مجرد هامش لن يأتي ثماره في التأثير على بعض الصراعات والمشاكل الإقليمية، أم ستدفع نحو تسوية الصراعات في المنطقة؟ وهل ستحتفظ القضية الفلسطينية بمكانتها في الشرق الأوسط باعتبارها محور الصراع الذي لا يمكن صرف الأنظار عنه؟

مواضيع مشابهة