الانتخابات الإيرانية: ما الذي سيتغير في المنطقة؟

الصورة: Getty - التصميم: منشور

مشاري بن حسن
نشر في 2021/06/17

مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية في إيران والمقرر عقدها في 18 يونيو، تستعد الجمهورية لتغيير شامل في القصر الرئاسي، ففي سنة طغت عليها التبعات الإنسانية والاقتصادية لجائحة كورونا وانهيار خطة العمل الشاملة المشتركة لبرنامج إيران النووي، بالإضافة إلى تراكم العقوبات الاقتصادية على إيران، يواجه الناخبون قرارًا صعبًا في اختيار الرئيس القادم للجمهورية. 

في الخامس والعشرين من مايو أعلن مجلس صيانة الدستور الإيراني، والذي يتكون من 12 من الفقهاء والمحامين ذوي الخبرة، أسماء المرشحين السبعة الذين وافق على خوضهم الانتخابات الرئاسية من بين المئات ممن تقدموا للترشيح. خمسة مرشحين من أصل السبعة المتفق عليهم محافظون أو متشددون، بينما الاثنان الآخران معتدلان أو إصلاحيان، مما يوضح الانقسام الأيديولوجي الذي طالما كان علامة بارزة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية منذ تسعينيات القرن الماضي.

استطلاعات الرأي وتوجهات المرشحين

أنصار المرشحين جليلي و هاشمي - الصورة: Getty

المرشحون السبعة للانتخابات الرئاسية هم إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية الذي نافس حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية عام 2017، وسعيد جليلي، مسؤول ملف المفاوضات ببرنامج إيران النووي خلال فترة حكم أحمدي نجاد ونائب وزير الخارجية السابق، ومحسن رضائي، القائد العسكري في الحرس الثوري الإيراني وقائد القوات المسلحة في الحرب الإيرانية العراقية، وأمير حسين هاشمي، النائب المحافظ، وعبد الناصر همتي، المرشح التكنوقراط ورئيس البنك المركزي الإيراني منذ عام 2018، ومحسن مهر علي زاده، نائب رئيس الجمهورية الأسبق خلال فترة حكم محمد خاتمي ومحافظ أصفهان سابقًا، وعلي رضا زكاني، نائب محافظ عُرف بمعارضته للاتفاق النووي وكان قائدًا سابقًا للباسيج. 

من أسماء المرشحين المتفق عليهم تبرز ملامح وتوجهات الفكر للقيادات العليا بطهران في إشارة واضحة لنتائج هذه الانتخابات، كما تظهر ذات التوجهات في صفوف الشعب الإيراني كذلك. ففي استطلاع أجراه مجلس شيكاغو للشؤون الدولية، أدلى 62% من المشاركين برأي سلبي بشأن الرئيس المغادر، بينما صرح ثلثا المشاركين بأنهم يفضلون مرشحًا معارضًا وناقدًا لسياسات روحاني ليتبوأ منصب الرئيس. 

ووفقًا للاستطلاع الذي أجرته وكالة الطلاب الإيرانيين، تظهر خيبة أمل الناخبين في مرشحي الرئاسة ونزوحهم عن التصويت، إذ جاءت نسبة المقبلين على التصويت بين 38% و41%. لكن هذه النسب المنخفضة ليست بمفاجأة، إذ واجه الإيرانيون صدمة ثلاثية متمثلة في انتشار فيروس كورونا والعقوبات الاقتصادية وهبوط سعر النفط، بالإضافة إلى انهيار خطة العمل الشاملة للبرنامج النووي. 

في المقابل، رأى الشارع الإيراني انخراطًا شعبيًا أكبر خلال عامي 2019 و2020 في موجة التظاهرات احتجاجًا على ارتفاع نسب البطالة وأسعار النفط، ولذلك يسعى الشعب الإيراني والقيادات العليا كذلك إلى انتخاب رئيس مختلف السياسات والتوجهات ليحكم البلاد في الخمس سنوات القادمة، مما يشكل تغييرًا كبيرًا لشعب إيران وقياداتها.

فرص الفوز بين الإصلاحيين والمتشددين

أنصار المرشح عبد الناصر همتي - الصورة: Getty

تعد فرص الإصلاحيين والمعتدلين في هذه الانتخابات ضئيلة أو معدومة، وتخضع الانتخابات الرئاسية في إيران لتأثير قوي وبارز من مكتب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، والذي بدوره لا يمد يد العون والمساعدة إلى الإصلاحيين. فبينما حقق الإصلاحيون عددًا من الإنجازات خلال فترتي الحكم السابقتين بتوقيع خطة العمل الشاملة للبرنامج النووي وتحفيز الأمل برفع العقوبات الاقتصادية، مما حسن صورتهم ودعم قبولهم محليًا، إلا أن السنوات التالية كانت حافلة بخيبات أمل متتالية. 

يعد إبراهيم رئيسي المرشح المفضل للفوز بالانتخابات، إذ حصد 38.2% من الأصوات في 2017، وهو سياسي متشدد وأحد المقربين من المرشد الأعلى، ويحظى بدعم كبير في أوساط المحافظين. تتمركز حملة رئيسي الانتخابية، كحملات غيره من المرشحين، حول تعافي إيران من جائحة كورونا وأسعار النفط، ورفع العقوبات، مما يحفز اقتصاد الدولة ونمائها.

عامة الشعب لا يرون أي تغيير في سياسات دولتهم بتغيير رئيسها. 

جدير بالذكر أن المرشح محسن رضائي تقدم لترشيح نفسه بعد الإقرار بالسماح لقيادات الجيش بالترشح للانتخابات، وتعد مشاركته في هذه الانتخابات دلالة واضحة على التأثير الذي يحظى به الحرس الثوري الإيراني، وبالتالي منظومة الجيش ذاتها على المشهد السياسي في إيران.

على أرض الواقع، يتسم المكتب الرئاسي الإيراني بالبيروقراطية إلى حد كبير، فغالبية السياسات الاقتصادية وسياسات الشؤون الخارجية يقررها مكتب المرشد الأعلى وقيادات الحرس الثوري الإيراني، وبطبيعة الحال إن فوز أي من المرشحين بالرئاسة أمر لا أهمية له، فأصول وأذرع السياسة الرئيسية في إيران تكمن في قبضة هاتين المؤسستين، وهو سبب آخر أسهم في انخفاض الإقبال على التصويت وازدياد خيبة الأمل في الشارع الإيراني، فعامة الشعب لا يرون أي تغيير في سياسات دولتهم بتغيير رئيسها.

الجدير بالذكر أنه قبل موعد الانتخابات، انسحب المرشحان علي رضا زكاني ومحسن مهر علي زاده من السباق الرئاسي، وهذا الانسحاب القريب من يوم الاقتراع ليس غريبًا على الانتخابات الإيرانية. وبهذا الانسحاب قلت حظوظ الإصلاحيين في الفوز بالانتخابات، والتي في نفس الوقت تعكس تقلب الشارع الإيراني تجاه المرشحين الإصلاحيين، فمع انسحاب علي رضا زكاني تعززت فرص المتشددين، وتحديدًا المرشح إبراهيم رئيسي.

العلاقات الإيرانية الخليجية

الصورة: Getty

بغض النظر عمن يُنتخب رئيسًا لإيران في الثامن عشر من يونيو، من المؤكد أن تتطور العلاقات الإيرانية الخليجية، فهذه العلاقات تعتمد على مخرجات المحادثات النووية في فيينا بين إيران والدول الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة لبرنامج إيران النووي.

وبالتالي فإن الرئيس الجديد ومجلسه سيشكلان جزءًا من هذه المفاوضات، التي تعتمد أيضًا على منظور الأطراف المشاركة، فسنوات التوتر والصراع لا تصب في مصلحة أي منهم. 

لوحظت لمحات الانفراج في العلاقات الإيرانية الخليجية حين أشارت دول مجلس التعاون الخليجي بشكل حذر لاستعدادها للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إيران. وفي المقابل علق الرئيس روحاني ضمنيًا على أعمال التخريب التي شهدتها القنصلية السعودية في مشهد عام 2016، وانتقد دور تلك الأعمال في تدهور العلاقة بين إيران وجيرانها من دول الخليج. ومع ذلك، اتسمت العلاقة بين إيران ودول الخليج بتدهور شابه حروب كلامية، وتصعيدات بالوكالة، واشتباكات خطيرة على المياه بين الطرفين.

تعي كل من إيران ودول الخليج أنه من شأن التوترات المتصاعدة وانعدام الاستقرار في المنطقة عرقلة النمو الاقتصادي مستقبلًا على المدى الطويل، وذلك أمر لا يستسيغه الطرفان، والخطوة الأولى التي يمكن أخذها في سبيل خفض التوتر هي تحقيق مخرجات إيجابية وواقعية من محادثات فيينا. فبمراجعة بنود الاتفاق النووي، ستتمكن إيران من التغلب على الضرر الذي أحدثته العقوبات على اقتصادها، بينما يخف التوتر والقلق من جانب دول الخليج حول أي أفعال تراها تمثل خطرًا على أمنها القومي، وبذلك تركز جهودها على خططها الاقتصادية و«الرؤى» المتعددة لقيادات الجانبين. 

وعلى المصالح أن تتواءم بين إيران ودول الخليج، فسنوات التوتر والتصعيد لم تثمر عن أي نتائج ملموسة لأي من الطرفين، بل وصل كل منهما إلى طريق مسدود. يعي الطرفان أن عزل الآخر يؤدي إلى فرض الزعزعة على المنطقة بأكملها، وقد ظهرت نتائج هذه التصعيدات في حصائل موتى حروب اليمن وسوريا، والاشتباكات عن بعد بين إيران ودول الخليج في البلدين. وعليه، لا يرغب أي من الطرفين في الاستمرار في هذه الاشتباكات، بل يغلب الفكر البراغماتي على خططهم القادمة، فالاستقرار الجغرافي السياسي ضروري وحتمي لضمان النمو الاقتصادي المستدام، والتعافي من تبعات جائحة كورونا، وتطبيق رؤى اقتصادية واسعة المجال في عدد من دول الخليج. 

يقول حمد الثنيان، الأستاذ المساعد بجامعة الكويت، لـ«منشور»: «هناك توافق في المصالح لتخفيف حدة التصعيد بين دول الخليج وإيران من جهة، وإعادة إحياء الاتفاق النووي والعلاقات السعودية الإيرانية من جهة»، موضحًا أنه يرى علامات إيجابية نحو تحسين العلاقات بين الجانبين، لكن يجب موازنة التفاؤل والحذر.

محادثات فيينا والانتخابات

مظاهرات مواطنين إيرانيين في النمسا - الصورة: Getty

يعي المرشد الأعلى أهمية الخروج باتفاق نووي واقعي وملموس، وبالتالي يمكنه أن يُظهر مرونة وتقبلًا أكثر في مواقفه خلال محادثات فيينا في حالة انتخاب مرشح متشدد لمنصب الرئاسة، وبتلك المرونة يوفر المرشد الشرعية والدعم المطلوبين لتحقيق مخرجات تصب في صالح الطرفين. وفي المقابل، يمكن للرئيس المتشدد، إن كان مقربًا من المرشد الأعلى والحرس الثوري، أن يمهد ويهدئ أي انفعالات قد تطرأ على أي صفقة محليًا، مما يخلق الدعم الواسع لها.

أيًا كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية ومحادثات فيينا، فإن أي تغيير أو تطور في العلاقات الإيرانية الخليجية لن يحدث فورًا، بل ستبقى آثار التوتر في العلاقات والتصعيد المستمر بين الطرفين، سواء بالوكالة أو بالحرب الكلامية أو بأي شكل آخر، فكلا الطرفين يتسم بالحذر في ما يخص استمرار أو تغيير علاقاته. لكن رغم ذلك، يلاحَظ توجه العلاقات نحو المصالحة والعودة إلى الاستقرار الذي يخدم مصالح الطرفين. ويجب وضع الإشارات الإيجابية من الطرفين ورغبتهما في وقف تصعيد الصراع في الحسبان. نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون تحت المجهر في دول الخليج كما هي في إيران، وسيكون أهم معالمها تطور العلاقات الإيرانية الخليجية في عالم ما بعد جائحة كورونا، والتي سيراقبها العالم عن كثب.

مواضيع مشابهة