«الليلة سنكشف عن دليل قاطع وجديد عن البرنامج السري الإيراني للأسلحة النووية، الذي تخبئه إيران عن المجتمع الدولي منذ سنوات عدة»، كانت تلك الكلمات التي افتتح بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المؤتمر المقام في وزارة الدفاع الإسرائيلية.
ظهر نتنياهو وخلفه 138 قرصًا مدمجًا و55 ألف ملف، ما يوازي نصف طن من الوثائق بحسب نتنياهو، قال إنهم من الأرشيف النووي السري لإيران، وإن إسرائيل حصلت عليها من منشآت إيرانية في بداية 2018، وإن تلك الملفات براهين جديدة على انتهاك إيران للاتفاق النووي المبرم في عام 2015.
بعد أن عرض نتنياهو مقتطفات من أحاديث قادة إيرانيين يتحدثون فيها عن الاتفاق النووي، عرضت الشاشة التي خلفه جملة «كذبت إيران».
نتنياهو هو الكاذب
ردت إيران بأن الكاذب هو نتنياهو، وأنها لم تسعَ إلى تطوير أي سلاح نووي منذ 2009، وأن كل الملفات التي عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي قديمة وليس فيها جديد. ووصف المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية، «بهرام قاسمي»، نتنياهو بأنه دجال سيئ السمعة، و«ليس لديه ما يقدمه إلا الأكاذيب والخداع».
يرى أمير عزمي، أستاذ العلوم السياسية المحسوب على التيار المحافظ، أن مزاعم نتنياهو جاءت لتعبر عن خوف إسرائيل من قوة إيران المتنامية.
يوضح عزمي لـ«منشور» أنه «بعد الدور المهم الذي لعبته إيران في المنطقة، وبخاصة في هزيمة داعش في سوريا، شعر الكيان الصهيوني بالخطر، وبأن هناك دولة إسلامية لا يستطيع الكيان تهديدها، فجاءت تلك المزاعم التافهة من شخص كاذب».
لا شيء جديدًا في وثائق نتنياهو
أعلن نتنياهو أن الوثائق التي عرضها تحتوي على معلومات جديدة وخطيرة عن استمرار إيران في تطوير الأسلحة النووية التي تهدد بها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من وقت إلى آخر، وأن الحصول على تلك الملفات واحد من أهم الإنجازات الاستخباراتية لبلاده.
بينما في المقابل يقول «رامين»، الصحفي الإيراني المهتم بملف السياسة الخارجية، إنه «لا يوجد أي دليل في كلام نتنياهو على انتهاك إيران للاتفاق النووي، وحتى فكرة أنهم حصلوا على تلك المعلومات من منشآت إيرانية حساسة وعالية التأمين، لن يصدقها أحد داخل إيران».
الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت بيانًا تؤكد فيه أن كل الملفات التي عُرِضَت في المؤتمر كانت الوكالة على علم بها، وقال المتحدث الرسمي باسم الوكالة: «تلك الوثائق تعود إلى 2003، بينما أنهت إيران كل أنشطتها النووية في 2009، وقد راقبت الوكالة كل تلك الأمور إلى أن عُقِدَ الاتفاق النووي».
اقرأ أيضًا: الاتفاق النووي مع إيران: من يخادع من؟
لن نعيد التفاوض بشأن الاتفاق النووي
ربما يجب السماح لوكالة للطاقة الذرية بإعادة تفتيش المنشآت النووية الإيرانية مرة أخرى لإثبات كذب أمريكا وإسرائيل.
المشهد الاستعراضي لنتنياهو فُسِّر على أنه تمهيد لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، خصوصًا أن ترامب تولى رئاسة الولايات المتحدة وهو يهدد إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي إذا لم يخضع للتعديل وإضافة بنود جديدة عليه. وكان الرئيس الأمريكي قد أعطى الاتحاد الأوروبي مهلة تنتهي في 12 مايو 2018، فإذا لم يُعدَّل الاتفاق النووى مع إيران ستنسحب منه الولايات المتحدة.
وبعد عرض نتنياهو للوثائق التى يزعم أنها دليل على استمرار إيران في تطوير الاسلحة النووية، أكد وزير الخارجية الأمريكي أن الوثائق تُظهِر أن إيران لديها سلاح نووي سري لم تتخلَّ عنه، وأنها أخفت تلك الملفات عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ردًّا على الاتهامات، قال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، وبلهجة أكثر صرامة من أي وقت مضى، إن «إيران لن تتفاوض مرة ثانية على الاتفاق النووي، ولن تضيف أي جديد عليه»، مضيفًا أن إيران لن تتفاوض على أمنها، وأنها عقدت الاتفاق النووي بحسن نية، ووصف كلام نتنياهو بأنه إعادة صياغة لادعاءات قديمة.
يؤيد السياسي الإصلاحي «مهرداد بناهي» كلام وزير الخارجية، ويرى أن إيران وافقت على تفتيش الوكالة الذرية الدولية لمنشآتها النووية، وفعلت هذا بحسن نية من أجل التوصل إلى اتفاق يُرضي جميع الأطراف.
في حديثه لـ«منشور»، يشير بناهي إلى أن بلاده بذلت قصارى جهدها من أجل الاتفاق: «ليس من حق أي دولة أن تفرض علينا وصايتها، ومن المنطقي أن لا يوافق أي إيراني على إعادة التفاوض مرة أخرى».
لكن لـ«إحسان»، الذي يعمل مهندسًا في قطاع النفط، رأي آخر: «لو كنا على حق، فيجب علينا أن نسمح للوكالة الدولية بإعادة تفتيش المنشآت النووية، لنثبت للعالم كذب الولايات المتحدة وإسرائيل». ولا يرى إحسان أي غضاضة في إعادة المفاوضات بشأن الاتفاق النووي من أجل أن لا تخسر إيران مكاسبها منه.
اقرأ أيضًا: آثار جانبية لـ«النووي»: المرشد الأعلى يعاني نقصًا في «هيبته»
ماذا سيكون تأثير إلغاء الاتفاق على الإيرانيين؟
بعد عام من الاتفاق النووي كان هناك قطاع كبير من الإيرانيين يقولون إنهم لم يشعروا بمكاسب الاتفاق، رغم الأرقام الحكومية التي أشارت إلى حدوث انتعاش في الاقتصاد الإيراني. وفي بداية 2018 خرجت مظاهرات في غالبية المدن الإيرانية احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية للبلاد.
واصل التومان (العملة الرسمية الإيرانية) انهياره أمام الدولار الأمريكي، ليصل سعر صرف الدولار في الأسواق المالية الإيرانية إلى ستة آلاف تومان، ما دفع المرشد الأعلى إلى إعلان ضرورة الحد من استيراد البضائع الأجنبية والاعتماد على المحلية بدلًا منها.
لكن هل يستطيع الشعب الإيراني مواجهة تحديات إلغاء الاتفاق النووي في هذا التوقيت الحرج؟
هذا التساؤل يجيب عنه لـ«منشور» الخبير الاقتصادي الإيراني علي حبيب: «الاقتصاد الإيراني في وضع لا يُحسَد عليه، لكني لست قلقًا من إلغاء الاتفاق، فالتعاملات التجارية الكبرى تكون مع روسيا والصين، حتى في وجود عقوبات دولية على إيران، ولن نخسر تعاملاتنا التجارية مع الدول الأوروبية لأنها لم تبدأ بعد، من وجهة نظري».
لكن «سيما»، التي تدرس في كلية الطب، ترى أن إلغاء الاتفاق النووي سيكون «يومًا أسود» على إيران: «عانينا طويلًا من العقوبات والعزلة الاقتصادية، وعانينا طوال فترة المفاوضات، ولا أتصور أن ينتهي كل شيء بتلك السرعة قبل أن نجني ثماره».
يلتقط «طاهري» الحديث من سيما ليقول إنه لا يبالي بالاتفاق برمته: «قبل الاتفاق وبعده لم أجد عملًا، لا فائدة منه».